رواية حتى بعد الموت الفصل 63

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 63

“ماذا لو متُّ؟”
ترددت همسة نوران الهزيلة في أرجاء الحمام كصدى لوجعٍ دفين. كانت نبرتها خافتة، لكنها حملت ما يكفي من الألم لتجمّد الهواء حولهما. رفعت رأسها ونظرت إليه بنظرة مشوشة، مزيج من الخوف، والخذلان، والتعب.

أحنى أحمد رأسه قليلاً، كأنه لم يصدق ما سمع. ثم تمتم، بصوتٍ أجش يفيض بالغضب المكبوت:
“لن تموتي… لأنك معي. وجودكِ بجانبي هو الضمان الوحيد لبقائكِ على قيد الحياة.”

لكن أي ضمانٍ هذا؟ في وجه سرطانٍ يستنزف جسدها كل يوم؟ أمام مرضٍ لا يعرف حدودًا ولا يحترم قسوة أو حنانًا؟
هو، أحمد القيسي، الرجل الذي يملك أن يُسقط إمبراطوريات ويقيم أخرى بلحظة، لا يستطيع أن يقف في وجه حتفٍ زاحفٍ نحوها.

ابتسمت نوران بمرارة، وضحكت ضحكةً قصيرة تشبه شهقة ألم.
“أحمد… هل تعتقد أن بقائي حيّة قربك هو نوع من الوفاء؟ هل تعتقد أنني أسدد دَين عائلتي لك بموتي؟”

اقترب منها خطوة.
“لو أردتُ موتكِ، لدفنتكِ بيدي منذ عامين.”
رفع حاجبيه وتمتم بصوت خفيض لكنه مشحون:
“أنا أكرهكِ يا نوران… بقدر ما أحبكِ. ولهذا السبب تحديدًا… أبقيكِ على قيد الحياة. حتى تتعذبي كما عذبتِني.”

شهقت بصوتٍ مكتوم. عيناها التمعتا ببقايا دموعٍ لم تجد الوقت لتذرف.
“هل قلتَ للتو إنك تحبني؟ هل هذا هو حبك؟!”
رفعت صوتها وهي تتراجع نصف خطوة، جسدها يرتجف من البرد ومن كلماته معًا.
“حين أخبرتك أن حلمي أن أبني مستشفى للفقراء، قمت ببناء مستشفى بمليارات وأسميته على اسم مرام. قلتُ لك إنني أحب البحر، اخترتُ موقعًا لبيتنا قرب الشاطئ، فبنيتَ خليج النوارس لها. أردتُ أن أُسمي ابننا ‘رُكان’… لكنك سرقت الاسم وأعطيته لابنك منها.”

ضربت صدرها وهي تهمس بصوت منكسر:
“أحمد… إذا كان هذا هو الحب… فأنا أفضّل الكراهية.”

كان المطر المتساقط من الدش مثل خناجر تتساقط على روحيهما. تجمد وجهه، وعيناه كانتا مثل بئرين مظلمتين. لم يجب. فتح فمه أكثر من مرة، كأنه يبحث عن كلمات، لكنه أغلقه كأن ما لديه لا يُقال.

كان جزءٌ منها يريد أن يعرف السبب الحقيقي، التفسير المنطقي لكل هذا العبث. هل حقًا كان يعاقبها باسم الحب؟ هل كان ينتقم منها لأنها جعلته يضعف؟ أم أنه فقط… لا يعرف كيف يحب إلا بهذه القسوة؟

فجأة، رفعت يدها وجرّت ياقة قميصه نحوها. همست وهي تحدق بعينيه مباشرة:
“حبك هذا مقزز… يشبه سُمًا مغلفًا بالعسل.”

شهق ببطء، ثم زمجر بخفوتٍ عميق:
“نوران، لا تُغضبيني. هذا لن يُفيدكِ.”
ثم مد يده ببطء نحو حزامه، وعيناه لم تفارقا جسدها المرتعش.

تسارعت أنفاسها، ارتجفت من الرأس حتى القدمين.
“و- ماذا ستفعل؟”

اقترب منها ولفّ يديها بسرعة بمنشفة، ثم قيّدها بعقدة لم تكن لتُفك حتى لو كانت تملك الوقت والقوة.
“يجب أن تُعاقبي… على كسرك للعهد.”
قالها ببرود تام، وكأن كل ما بينهما مجرد جريمة تستحق العقاب.

صرخت:
“لا، أحمد! لا تفعل هذا بي. دعني أرحل، أرجوك. أنا متعبة، مريضة، لست قوية كفاية لتحملك!”
لكن رجاءها لم يغيّر شيئًا.
ثبتها تحت الدش، وترك الماء البارد يصب على جسدها ملابسها. تلوى جسدها من الألم والبرد. كانت تحاول المقاومة، لكنه كان أسرع، أقوى، أكثر تصميمًا.

اقترب منها، أمسك بذقنها بين أصابعه.
“أردتُ التخلي عنكِ مرارًا. لكن كلما رأيتُ رجلًا يقترب منكِ، أشعر وكأنني سأقتل. في أي بقعة وضع يده؟”

بكاءها انفجر كالبركان.
“لم لم يفعل شيئًا! كان فقط يقلق عليّ! أقسم، أحمد، أقسم!”
حاولت الدفاع عن نفسها، لكنها بالكاد تستطيع الوقوف.

“كنتُ طريحة الفراش. لم أستطع حتى تحضير طعامي. فأحضر لي بعض البقالة وذهب. لم يَقُم بشيءٍ يُغضبك. ألا ترى كم أنا ضعيفة؟ لماذا لا ترحمني؟”

تنهد، لعب بخديها بإبهامه، ثم تمتم:
“هل أنتِ مريضة فعلًا؟ أم أنكِ فقط بارعة في إثارة شفقة الرجال؟”

جميع فصول الرواية من هنا

رواية حتى بعد الموت الفصل 64

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top