رواية حتى بعد الموت الفصل 87

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 87

كان أحمد يتوقع أن يرسل له هشام بعض الملابس، فخرج مباشرة من الحمام على أمل أن يجد الطرد قد وصل. وما إن استدار لينظر نحو الباب المفتوح، حتى فوجئ بكريم واقفًا هناك، يحمل كيسًا من المشتريات في يده.

رفع أحمد حاجبه في دهشة، ثم الټفت إلى نوران قائلاً بنبرة ساخرة:
“يبدو أن لدينا زائرًا غير متوقع.”

كانت نوران لا تزال ترتدي بيجامتها المنزلية، وشعرها مبعثر كما لو أنها استيقظت لتوها، بينما كان أحمد يقف عاري الصدر لا يغطيه سوى منشفة. المشهد بينهما كان يوحي بألفة لا تخطئها العين، وكأنهما زوجان عاشا معًا لسنوات طويلة.

كريم، رغم ما بدا عليه من هدوء ظاهري، لم يكن أعمى ولا ساذجًا. كانت نظراته تكشف عن الكثير من المشاعر التي حاول أن يكتمها. وضع الأغراض على الأرض بصمت، ثم استدار وغادر بخطى ثقيلة، يحمل في قلبه خيبة أمل لم يكن مستعدًا للاعتراف بها.

أما نوران، فلم تُكلّف نفسها عناء التوضيح أو التبرير، مما زاد من قناعة كريم بأنه فهم طبيعة الموقف جيدًا. ومع ذلك، كان هذا الصمت من أجل…

الأفضل، أو على الأقل هكذا آثرت أن تظن.

ألقى أحمد نظرة عابرة على الأكياس الموضوعة أمام الباب، ثم سأل بفتور:
“ألستُ كريمًا بما يكفي معكِ؟”
كان يقصد ما قدمه لها أثناء الطلاق؛ عشرة مليارات دولار لم تكن مجرد تسوية، بل كانت ثروة كاملة.

ردّت نوران بهدوء:
“سأعطي هذه الحاجيات للرجل العجوز الذي يجمع القمامة في الحي.”

رفع أحمد حاجبيه باستياء وسأل:
“هل يأتي إلى هنا كثيرًا؟”

“زارني مرة عندما كنت مريضة بالحمى. فقط ذلك.”

اقترب أحمد منها قليلاً، وصوته يحمل نبرة صارمة لا تحتمل النقاش:
“لن تكون هناك مرة أخرى.”

ذهلت نوران من حدة كلماته، واستغرق منها الأمر لحظات قبل أن ترد باستسلام:
“حسنًا.”

عندما انتهى أحمد من حزم أغراضه، وهمّ بالمغادرة، استجمعت نوران شجاعتها وسألته:
“بخصوص ليو… هل ستفعل شيئًا؟”

أجاب أحمد وهو يغلق الباب خلفه بنبرة باردة:
“سأتصل بكِ عندما أحصل على رد.”
ثم غاب صوته، وبقي صدى الوعود العالقة في الأجواء. كان بإمكانه أن يبحث بسهولة، وكان بالإمكان إنقاذ والدها… لو أراد.

اڼهارت نوران على الأريكة، وأسندت رأسها إلى الخلف، أغمضت عينيها، وتنهدت تنهيدة طويلة امتزج فيها الإحباط بالارتياح المؤلم.

وفي فترة ما بعد الظهر، تلقى كريم مكالمة من والديه.
كان والده، الدكتور فرانك خطاب، يتحدث بنبرة جدية:
“قد تُتاح لك فرصة نادرة لمتابعة دراستك في الخارج، ومن ثم تولّي رئاسة المستشفى بعد عودتك.”

لكن كريم أجاب بلا تردد:
“آسف يا أبي، لا أفكر في السفر الآن.”

تأوه فرانك قائلاً:
“إنها فرصة ذهبية يا بني، وقد بذلت جهدًا كبيرًا من أجل أن تكون من بين المرشحين القلائل. لا توجد سوى ثلاث فرص على مستوى البلاد كلها.”

ابتسم كريم بسخرية مريرة وقال:
“يجب أن تذهب هذه الفرصة إلى أحمد إذًا.”

توقف فرانك قليلاً قبل أن يقول ببطء:
“لا أعرف ما الذي حصل بينكما بالضبط، لكنه أخبرني بالأمر بنفسه وكان مستعدًا للتخلي عنها لك. حتى لو لم تكن تفكر في نفسك، فكر بإخوتك، وبمستقبلك.”

ظل كريم صامتًا، وهذه المرة لم يجد الكلمات التي يقولها.
لاحظ والده ذلك، فتنهد بعجز وأضاف:
“أحمد القيسي عرض التعاون معنا في مشروع مستشفى أوكلاند، الذي يتحدث عنه الجميع في ألدينفاين. تعرف ماذا يعني هذا.”

قال كريم بصوت منخفض:
“أعلم ذلك، يا أبي.”

وبعد لحظة من الصمت، سأل فرانك أخيرًا:
“ما الذي يجعلك تبقى هنا؟”

نهض كريم من مكانه، ووضع يديه خلف ظهره، متأملاً القاعة التي تعج بالممرضات والمرضى، ثم أجاب بنبرة عميقة:
“أريد أن أودع أحدهم للمرة الأخيرة.”

تجمد فرانك في مكانه، عاجزًا عن الرد. كان كريم دومًا ابنه المطيع، ولكن هذه المرة، بدا وكأن هناك أمورًا أعمق بكثير من مجرد قرارات مهنية.

وبعد تفكير طويل، قال كريم أخيرًا:
“سأقبل عرض الدراسة في الخارج، لن أخذلك.”

ابتسم فرانك أخيرًا، وقال بلطف:
“حسنًا، سأبدأ بالإجراءات اللازمة فورًا.”

أما نوران، فقد بدأت تتجاوز الأيام العصيبة شيئًا فشيئًا، وبدأت حياتها تعود تدريجيًا إلى شيء يشبه الاستقرار.

في صباح باكر، زارت والدها في المستشفى، وهناك وجدت إحدى الممرضات تمسح وجهه بلطف. أسرعت إليها قائلة:
“دعيني، سأقوم بذلك بنفسي.”

ناولت الممرضة القماش لنوران بهدوء، ثم أشارت إلى الطاولة بجوار السرير، حيث وضعت باقتان من زهور الزنبق البيضاء. سألت نوران في استغراب:
“هل جاء أحد لزيارته؟”

أجابت الممرضة:
“نعم، الدكتور خطاب. كان هنا منذ وقت قصير. سمعتُه يتحدث مع الطبيب المعالج للسيد الهاشمي. يبدو أنه سيسافر قريبًا لمتابعة دراسته، لذا لن نراه كثيرًا بعد اليوم.”

تجمدت نوران في مكانها، والمنديل لا يزال في يدها، وقالت بصوت خاڤت:
“أرى…”

لم تلاحظ الممرضة الاضطراب في ملامح نوران، وأردفت بابتسامة:
“الدكتور خطاب رجل طيب.”

قالت نوران:
“أنا أعرف.”

أضافت الممرضة بحماس:
“وإذا كنتِ تفكرين بتكوين أسرة، أعتقد أنه سيكون زوجًا رائعًا.”

رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك كاملة من هنا

راية حتى بعد الموت الفصل 88

3 أفكار عن “رواية حتى بعد الموت الفصل 87”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top