رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 103 رواية حتى بعد الموت

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 103

كان الصوت أشبه بزئير مخلوق أسطوري… ملك الوحوش ذاته أطلق غضبه دفعة واحدة، فارتجّت أركان القصر كما لو أن الأرض تميد تحت أقدامه، وكأن السماء أوشكت أن تنقضّ على رؤوسهم.

إيثان… لم يَعُد ثمّة ما يُقيده.

اندفع بكلّ ما أوتي من طاقة، وكأنّ بركانًا خامدًا قد انفجر بداخله بعد طول كبت.

في تلك اللحظة، شهقت مارينا بفزع، واضطرب جسدها النحيل وهي تقفز من على الأريكة. ذُعرها كان واضحًا، وتبدّدت من ذهنها تفاصيل جلستها المتأنّقة وطلاء الأظافر الذي كانت تضعه بعناية.

سقطت زجاجة الطلاء من يدها، وتناثر اللون الأحمر القاني على السجادة البيضاء، كما لو أنّ الدم قد أُريق في أرض المعركة.

قالت بصوت مرتجف تحاول استدراك الموقف:
“إيثان، أرجوك… دعني أشرح!”

لكنه تجاهلها تمامًا، ومرّ من جوارها وكأنها لم تكن أكثر من هواءٍ لا يُرى.

وفي نهاية الرواق، وقفت الخادمة ذات القامة الطويلة، جامدة كالصخر.

كانت تُدعى “سانا أشبلاف” — خادمة مارينا الخاصة، التي جلبتها من إحدى قرى الريف البعيدة منذ وفاة والدة مارينا.

لكن سانا لم تكن خادمة تقليدية… كانت امرأة مدرّبة، فارعة الطول (170 سم)، رشيقة البنية (60 كجم)، تملك من الصرامة والقدرة الجسدية ما يفوق التصور. خادمة تحترف الطاعة… وتنفيذ الأوامر مهما بلغ ثمنها.

سمعت وقع أقدام إيثان يقترب، لكنها لم تتحرّك. لم تكن تُبالي به.

كانت أوليفيا هي الهدف.

الشوكة العالقة في خاصرة سيدتها مارينا. وكانت سانا تؤمن أنّ استئصال تلك الشوكة هو السبيل الوحيد لاستعادة استقرار سيدتها.

طعنة واحدة فحسب… كانت كفيلة بإنهاء كل شيء.

ندبة واحدة على وجه أوليفيا الجميل كافية لتدميرها.

لن تعود كما كانت. ولن يبقى لإيثان قلبٌ يُحبّها.

فمن ذا الذي يعشق امرأةً ندبها يشوّه ملامحها؟ الجمال، في نظر سانا، رأس مال المرأة… فإذا فقدته، فقدت كل شيء.

وهكذا… رفعت السكين.

استعدّت للطعن.

لكن فجأة…

دوّى صوت رصاصة!

ارتفعت الصرخات، وتفرّقت الخادمات هلعًا.

أصابت الرصاصة مقبض السكين، فانفلت من يد سانا وسقط أرضًا.

وفي لمح البصر، اندفع “برنت” — الحارس الشخصي — بركلةٍ خاطفة أطاحت بساق سانا، فأجبرها على السقوط أرضًا، ثم كبّل يديها خلف ظهرها، وصاح بنبرة صارمة:

“لا تتحركي!”

أصابها الذهول، والرعب يجمّد أطرافها. الرصاصة كانت قريبة من ذراعها. لو انحرفت قليلًا، لأُصيبت بالشلل الدائم.

أما إيثان، فقد ركض نحو أوليفيا. رفعها عن الأرض بذراعيه، وهو يتفحّص ملامحها بقلق ممزوج بالغضب.

همس بصوتٍ خافت:
“هل أنتِ بخير؟”

كانت تنزف من جبينها، وشعرت بألمٍ يعتصر جسدها، لكنها هزّت رأسها، وقالت بصوت متقطع:

“تفقد الطفل… كونور… لديه حساسية شديدة، ويحتاج دواءه في الحال.”

كان وجهها يفيض قلقًا… بعكس مارينا، التي اقتربت بخطًى مصطنعة لا تحمل ذرة من الحنان.

لكنها لم تُسرع نحو ابنها، لم تحتضنه، لم تبكِ عليه.

بل وقفت في مكانها، وقالت بانفعالٍ متصنّع:

“إنها هي! هي من دفعت كونور من أعلى الدرج! كاد أن يموت! يا لها من امرأة قاسية!”

في الماضي، لم يكن إيثان يُظهر مشاعره الحقيقية. كان يستمع بصمت، يراقب، ولا يُواجه.

لكن اليوم… كان مختلفًا.

اقترب من مارينا بخطًى ثابتة، ثم أمسك بياقة فستانها، وجذبها نحوه بقوة، وهمس بنبرة تنزف احتقارًا:

“أنا لستُ أعمى، مارينا كارلتون.”

خفضت عينيها، وبدأت في التلعثم، تبحث عن كذبة تنقذ ماء وجهها.

لكن أوليفيا لم تُضِع الوقت.

تجاهلت دمها النازف، وانحنت على كونور، ورفعته بحرص ووضعته على الأريكة.

ثم التفتت إلى الخادمة الأخرى وقالت بحزم:

“أحضري لي منديلاً وماءً باردًا… فورًا!”

ثم وجّهت كلامها إلى برنت:
“سيد إنغرام، اذهب فورًا لشراء دوائه… لا وقت لدينا.”

أجاب برنت بانضباط:
“حاضر، سيدتي فوردهام.”

فكّ قيود سانا، ثم خرج مسرعًا.

أما مارينا، فكانت لا تزال تُحاول خلق قضية من الهواء.

قالت بتبرّم:
“أرأيت يا إيثان؟ إنها تضع له كمّادة باردة! الجو شديد البرودة! ألا يكفي ما حدث؟ هل تُريد أن تصيبه بنزلة برد أيضًا؟”

هنا… التفتت إليها أوليفيا وقد ضاقت بها السُبل.

قالت بصوتٍ حاد، عميق، ممتلئ بالخيبـة:
“اصمتي! أأنتِ حقًا والدته؟ هل تحملين ذرة من الأمومة؟”

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 104 رواية حتى بعد الموت

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top