رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 105 رواية حتى بعد الموت

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 105

حاول إيثان أن يكبح غضبه، أن يقيد النار المشتعلة في صدره بسلاسل العقل، لكن روحه كانت تهدر كوحشٍ جريح. لو كانت مارينا أمامه الآن، لما تردد لحظة في الإمساك برقبتها حتى تتوقف عن التنفس. مجرد تخيل حجم الأذى الذي كان يمكن أن يصيب أوليفيا، جعله يرتجف.

لو وصل متأخرًا بثانية واحدة فقط، لربما كانت الآن تتلوى من الألم أو ملقاة على الأرض فاقدةً للوعي، أو أسوأ… لا، لم يكن يتحمل فكرة إيذائها، خاصة على يد امرأة كانت يومًا جزءًا من حياته.

لطالما كان يتحمل غيرة مارينا، يسكت على تصرفاتها المسمومة بحجة أن كل شيء يهون من أجل كونور. كان يراها نزوات تافهة من امرأة ترفض الاعتراف بانتهاء دورها. لم يتخيل يومًا أن تنقلب الأمور بهذا الشكل الجنوني، أن تصل إلى حد الأذى الجسدي والافتراء المسموم.

التفت نحو أوليفيا ونظره يثبت على الجرح الدقيق أعلى حاجبها، خطٌ أحمر كُتب على جبينها بدمٍ ساكن.
قال بصوت منخفض لكنه حازم:
“طهّري جرحكِ. دعي مينا تعتني بكونور.”

كانت مينا ويتمان، المربية التي رافقت كونور منذ ولادته، قد ظهرت أخيرًا، تحمل منشفة نظيفة وبعض المراهم الطبية.

تنفست أوليفيا الصعداء، شعرت أن عبئًا ثقيلًا أزيح عن صدرها. كانت قد نجحت في تهدئة الطفح الجلدي على جسد الصغير، والآن، يمكنها أن تتركه في أيدٍ أمينة.

لكن قبل أن تخطو مبتعدة، سمعت صوته الرقيق يناديها من جديد، يائسًا ومذعورًا:
“ماما… ماما لا تروحي…”

تجمدت في مكانها. نظرت إليه، وعيناها تمتلئان بالحزن. لم يكن ذلك الصبي الهادئ الذي كانت تهدهده قبل لحظات. كان خائفًا من فراقها.
اقتربت منه مجددًا وانحنت لتضمه إلى صدرها، وربتت على ظهره برفق.
هدأ فورًا، كأن دفء ذراعيها كان وطنه الوحيد وسط كل هذا الخراب.

راقبها إيثان بصمت، ثم مد يده وأخذ قطعة من القطن النظيف ليطهر بها جرحها بنفسه.
تراجعت أوليفيا لا إراديًا، لكنّه قال بنبرة آمرة ناعمة:
“لا تتحركي.”

ترددت للحظة، ثم ثبتت مكانها. في هذا البيت، حيث كل من فيه يعمل لمارينا أو يأتمر بأوامرها، كان إيثان هو الوحيد الذي يمكنها الوثوق به، وإن كانت الثقة تلك مجروحة.

عرف أنها لا تحتمل الألم، لذا حرص أن تكون لمسته خفيفة كريشة.
ومع ذلك، ارتجفت قليلاً عندما لامس الجرح.
لكنها لم تشكُ، لم تتأوه، لم تذرف دمعة.
لقد اعتادت الاحتمال. منذ أن بدأ يعاملها ببرود ويقذفها بكلمات قاسية، تعلّمت كيف تُخفي انكسارها تحت ابتسامة باهتة.

أخذ يتأمل وجهها المتعب، ثم جذبته بقعة بيضاء على شعرها.
كانت آثار بيضة مكسورة.
تصاعد الغضب في دمه كبركان، حتى شعر أن قلبه يوشك على الانفجار.

ضغط القطن بغير قصد بقوة أكبر.
شهقت من الألم.
“هل يؤلمكِ كثيرًا؟” سأل بسرعة، وعيناه تمتلئان بالقلق.

أمسك بذقنها برفق، وقال بصوت منخفض يحمل عاطفة غريبة:
“سأكون أخف… أعدك.”

بدت نبرته غريبة، مشحونة، كأنها تنتمي لنسخةٍ أخرى من إيثان، نسخة لم ترها منذ زمن.
حولت نظرها بعيدًا عنه، تمتمت:
“لا… لا بأس.”

أنهى تطهير الجرح، ثم فتح علبة صغيرة واستخرج منها ضمادة وردية اللون، مزينة بنجوم صغيرة.
للحظة بدت سخيفة، لكنها أدركت أنه اختارها لأنه يظن أن النساء يفضلن الأشياء اللطيفة. كانت عادته القديمة، التي لم تتغير.

قالت ببرود وهي تتراجع خطوة:
“شكرًا.”

ثم التفتت مبتعدة، وهمّت بالمغادرة.
“الوقت تأخّر. إيف بانتظار عودتي. علينا تناول العشاء سويًا.”

سلّمت كونور لإيثان، وقبل أن تدير ظهرها، همست للصغير:
“سأتركك الآن، كن طفلًا جيدًا… سأعود لزيارتك قريبًا، أعدك.”

لكن دموع كونور بدأت تتساقط فورًا.
“مامااا… لا تروحي!”

أراد التشبث بها، لكنها أبعدته برفق.
تدخل إيثان وسحب الطفل، ونظر إليه بنظرة حادة جعلت الصغير يصمت فورًا.

راقبت المشهد، وتسللت إلى عقلها فكرة مرعبة.
“كم سيكون رائعًا لو كان كونور ابني فعلاً…”

شهقت داخليًا من هذه الأمنية العشوائية، فهزت رأسها بقوة، محاولة طردها.

قال إيثان فجأة، وهو ينظر إليها بثبات:
“بخصوص ما حدث اليوم… لن أتركه يمر. سأحرص على تحقيق العدالة.”

نظرت إليه للحظة، ثم همست:
“فقط عامل كونور كما يستحق، لا تجعله وسيلة في حروبكم.”

وغادرت، خطواتها بطيئة مثقلة، وصدرها يضج بالوجع.

وقفت أمام البحر الذي بدا في هذا المساء أوسع من كل مرة، وكأن أمواجه تعكس ارتباك قلبها.
“لو أن طفلي ما زال معي…” فكرت بأسى،
“لكنتُ عرفت كيف أُحبه، لا كيف أستخدمه لكسب رجل.”

ضغطت على قلبها. فكرة طفلها الذي لم يولد بعد كانت كالسهم في صدرها، لا تبرح مكانها.

لم تكن قد مشَت إلا بضع خطوات… حتى اختل توازنها فجأة وسقطت أرضًا أمام كلفن، الذي أسرع نحوها مذعورًا.

“السيدة ميلر!” صرخ فزعًا، وهو ينحني إليها.

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 106 رواية حتى بعد الموت

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top