رواية شمس صقر الصعيد (شمس وصقر) جميع الفصول كاملة بقلم إسراء إبراهيم

Close-up shot of a frozen bubble with warm reflections resting on a snowy surface at twilight.

“تدور أحداث رواية شمس وصقر في قرى الصعيد، حيث يبرز الصراع والعشق بين أبطال رواية شمس صقر الصعيد…”


أنا رايدك تروح تجيبلي بتي، يا صقر يا ولدي.

صقر (مستغرب):
بِتّك؟! كيف يعني؟ وبتّك مين؟ إنت أصلاً ما خلفتش، ولا أنا ناسي؟

عرفان (بتنهيدة عميقة):
أنا كنت متجوز يا صقر، من سنين يا ولدي، بس خبيت عنكم عشان مرت عمك… إنت خابرها، طول عمرها متحبش تسمع غير صوتها. وأنا كان نفسي في حتة عيل يشيل اسمي.

صقر (بدهشة وجدية):
متجوز يا عمي؟! وإزاي خبيت علينا كل ده؟ ده حقك، مكانش لازم تخبي.

عرفان (بعينين حزينة):
خبيت عشان شهيرة، جولت أراعي شعورها… كانت ما تقدرش تخلف. أمك الله يرحمها كانت تعرف، وكمان أبوك.

صقر (يهز راسه ببطء):
دلوقتي فهمت ليه كنت تسافر كتير مصر، وكل شوية تقول شغل وأرزاق.

عرفان (بيقرب منه بلهفة):
مرتي التانية ماتت يا ولدي، ولما وصلت مصر كنت ناوي أدفنها بإيديا وآخد عزائها… بس أخوها سبقني، دفنها وخد بنتي مني.

صقر (بغضب مكتوم):
طب والبنت؟ إزاي خدوها منك؟ هي سايبة ولا إيه؟!

عرفان (بصوت مكسور):
جالولي إنها بنتهم، وإنهم أَولى بيها. ما رضيوش يدهوهالي… وأنا هتجنن يا ولدي، بت عمري بتضيع مني، ومش قادر أجيبها تعيش معايا اللي فاضل من عمري.

صقر (بهدوء):
اهدى يا عمي… كل حاجة هتبقى تمام. بس قولي، يمكن هي رايدة تعيش معاهم؟ يمكن ما ترضاش تيجي هنا؟

عرفان (بحزن ولهفة):
لا يا صقر، بتي متعلقة بيا، بتحبني… مستنياني بفارغ الصبر. هي اللي كلمتني، وقالتلي إن أمها ماتت، وإن مرت خالها بتعاملها وحش. قالتلي: “تعال خدني يا بابا، خالي مش هيخليك تاخدني وعايز يحتجزني”.

صقر (صوته بدأ يهدى):
يعني هي اللي كلمتك؟ تمام…

عرفان (بحزن):
أيوه… ولسه من يومين، قالتلي إنهم خدوا منها التليفون اللي كنت مديهولها، ومخلينها خدامة! تخيل؟ خدامة في بيت خالها!

صقر (يكتم غضبه):
متقلقش… المطلوب مني إيه غير إني أرجّعلك بنتك، يا عمي؟

عرفان (يمسك إيده بامتنان):
تسلم يا ولد أخوي، أنا مش عايز غيرها تعيش هنا، في بلدي، بين أهلي. مش رايدها تتهان هناك. كبرت يا صقر، ومش ضامن عمري… عايز أعيش اللي باقيلي مع بنتي.

صقر (بجدية):
هجيبها يا عمي، وعد… بس مرت عمي لما تعرف، هتعمل إيه؟

عرفان (بعين ثابتة):
ولا فارقلي حد، لا مرت عمك ولا غيرها. بتي هي اللي تهمني. شهيرة غصب عنها هترضى بالأمر الواقع.

صقر (بثقة):
تمام يا عمي… أنا هجيبها وهرجع بيها. متقلقش.

عرفان (بلهفة):
هي مستنياك، كل شوية تتصل… وطمنتُها، جُلتلها: هبعتلك عمك صقر يجيبك.

صقر (بعزم):
تمام، شوف انت هتقول إيه لمرت عمك وتفهمها إن عندك بنت.

عرفان (وعينه بتملي دموع):
ربنا يبارك فيك يا ولدي، ربنا يفرّح قلبك زي ما ريحت قلبي.

صقر (قبل ما يمشي):
صحيح يا عمي، بتّك اسمها إيه؟

عرفان (بابتسامة واسعة):
اسمها “شمس”… وخلي بالك منها، يا صقر، دي شمس قلبي.

صقر (بابتسامة فيها حنية):
حاضر يا أبو شمس، متقلقش عليها… من هنا ورايح في حمايتي.

(عرفان يبتسم فرحان لما سمع صقر لأول مرة يقول “أبو شمس”، وحس إنه أخيرًا هيطمن عليها…)

كانت شمس واقفة في المطبخ، بتغسل المواعين ودموعها بتنزل من عيونها… فاكرة أيام أمها، الحنية اللي كانت فيها، لمّة أبوها، الحُب اللي كان يغمر البيت.

فجأة، الطبق اتزحلق من إيدها واتكسر، وقلبها اتقبض لما سمعت صوت مرات خالها “أفكار” داخلة عليها.

أفكار (بانفعال وصوت عالي):
هو أنا ناقصه كسر كمان يا وش النحس؟! مش كفاية عايشة على حسّنا، كمان تكسّريلي الأطباق؟ ركزي يا بت، ولاّ هتشوفي!

شمس (بخوف، وهي بتلم الطبق):
أنا آسفة يا مرات خالي، والله ما كان قصدي… الطبق اتزحلق عشان كان فيه صابون…

أفكار (بتشدها من دراعها):
ولا صابون ولا يحزنون! أنا مش أمك! لو أمك كانت ربتك، ماكنتيش بقيتي عالة، وفاشلة… خدامة ببلاش!

شمس (وعينها بتدمع، بصوت مهزوز):
أنا مش خدامة… أنا كنت بحاول أساعد. وماما الله يرحمها ما كانتش ترضى أتهان كده…

أفكار (بعصبية وغضب):
بقى ليكي لسان وتردي كمان؟! طب استني يا شمس، أنا هربيكي بطريقتي!

(أفكار قربت من شمس عشان تضربها، لكن شمس خافت، سابت كل اللي في إيديها وجريت، وقلبها بيدق من الخوف، ودموعها نازلة وهي بتجري ناحية الباب. إيديها بتترعش وهي بتحاول تفتحه بسرعة، مش مهم هتروح فين… بس فجأة، لقت قدامها صقر واقف.)

صقر (بصوت هادي، وهو بيبص في عينيها):
إنتي شمس؟

شمس (بلهفة):
إنت صقر… صح؟

صقر (بثبات):
أيوه… أنا ابن عمك.

(شمس ابتسمت فجأة، كأنها لقت طوق النجاة. قربت منه بتلقائية، ووقفت وراه، ماسكة في هدومه. صقر اتوتر من طريقتها، لكنه خبّى توتره.)

عماد (وهو خارج من أوضته بغضب):
خير! إنت مين؟ وعاوز إيه؟! وانتي يا مقصوفة الرقبة تعالي هنا!

صقر (بهَيبة):
أنا صقر… ابن عم شمس. وجاي آخدها… عندك مانع؟

عماد (بغضب وخوف مخفي):
يعني إيه تاخدها؟! هي سايبة؟! انت فاكر نفسك مين؟! أنا خالها و…

صقر (قاطعه بهدوء يخوف):
شمس هتيجي معايا. ولو خايف على اللي باقي من عمرك… يبقى تحط لسانك في خشمك.
عشان لما بتعصب… مبشوفش قدامي.
وأحسنلكم تنسوا إنكم تعرفوها…
فاهمين؟

(قال جملته الأخيرة بصوت قوي خلّى عماد وأفكار يبصوا لبعض بقلق. أما شمس، فكانت متبتة فيه كأنها خايفة يسيبها.)

صقر (بجدية):
خشّي حضّري شنطتك يا شمس.

شمس (بلهفة):
أنا محضراها… ورا باب المطبخ اللي كنت بنام فيه. هجيبها بسرعة… أوعى تمشي بالله عليك.

(صقر اتصدم لما عرف إنها كانت بتنام في المطبخ، وبص لعماد وأفكار بغضب مكتوم.)

عماد (بتهتهة):
انت مش فاهم الوضع… هي زي بنتي، بس كنت لسه بوضبلها أوضة و…

صقر (قرب منه خطوة، وصوته بقى واطي وأخطر):
لو هي فعلاً زي بنتك… ما كنتش خليتها تبكي قدامي.
ولا تخدم مراتك، وتتعامل كأنها خدامة.
بت عرفان الدمنهوري مش خدامة عند حد.
والبنت دي… من النهارده في حمايتي أنا.

(بص لشمس اللي واقفة بشنطتها.)

صقر:
يلا يا شمس.

شمس (بتمسح دموعها، وبنبرة فيها راحة):
أنا جاهزة…

(أخدها صقر ومشي، وهي قلبها أخيرًا مطمّن، مش مصدقة إنها سابت البيت ده، والسبب: ابن عمها اللي عمرها ما شافته، وكانت بس بتسمع عنه من أبوها.)

داخل العربية
(الهدوء مالي المكان. صقر سايق ومركز قدامه. شمس قاعدة جنبه، ماسكة طرف طرحتها، ساكتة شوية…
فجأة، بصوتها الهادي تقطع الصمت.)

شمس (بابتسامة فيها فضول):
هو… الطريق للبلد بياخد وقت طويل؟

صقر (بجدية، من غير ما يبص لها):
يعني… ممكن تلات ساعات.

شمس (بحماس بسيط):
تلات ساعات بس؟!
ده أنا كنت فاكرة إنها آخر الدنيا.
أنا طول عمري نفسي أروح هناك… أشوف البلد اللي بابا كان بيحكيلي عنها كل يوم.

(بتضحك بخفة)

كان دايمًا يوصفلي الترعة… الجبال… المواشي… بيت جدي…
والجاموسة اللي كان بيحبها وهو صغير!
وكان دايمًا يقول: “صقر ده راجل راجل… لو شافك هيشيلك جوا عنيه”.

(صقر بصّ لها لحظة بنظرة هادية، ورجع عينه للطريق.)

شمس (بتضحك بخفة):
كنت دايمًا أقول له: طب خدني معاك البلد.
يقولي: لأ… دي بلد جدعة، ولازم تكبري عشان تعرفي تعيشي فيها.
بس أنا كبرت.

(بفضول)

صحيح… هو السوق بتاع يوم التلات لسه شغال؟
والناس لسه بتنام بدري؟
يعني… لسه فيه ناس يعرفوا بعض بجد؟ مش زي هنا، كله بيعدّي على كله وخلاص؟

صقر (برد بنفس الابتسامة الغريبة اللي مرسومة على وشه):
متجلجيش… كل دا لسه زي ما هو.

شمس (بإحراج):
أنا آسفة… أنا رغّاية، صح؟

شمس (بابتسامة خفيفة):
مش عارفة… يمكن عشان كنت ساكتة طول حياتي، أول ما ركبت العربية… معرفتش أسكت.

صقر (بنظرة جانبية ليها):
اتكلمي براحتك… إنتي من دلوقتي حُرّة.

(شمس بصّت له ثواني، وبعدين ابتسمت بهدوء، وسندت راسها على الإزاز)

شمس:
شكرًا… بجد شكرًا يا ابن عمي.

(صقر رجع ببصله للطريق وسكت شوية… لحد ما سمع صوت أنفاسها تهدى، وبص ليها لقاها غفلت، ووشها مرتاح لأول مرة. ابتسم ابتسامة صغيرة كأنها حاجة غريبة عليه، لكنه حس بيها)

صقر (بهمس، بيكلم نفسه):
غريبة… بس مش زي أي غريبة شوفتها.

شهيرة (بصوت عالي، وهي واقفة قدام عرفان):
يعني إيييييه! تتجوز عليا؟!
أنا؟ تتجوز عليا أنا؟!

عرفان (بصوت ثابت):
اهدى يا شهيرة… مش ناقصين فضايح. وبعدين الموضوع دا من زمان، وإنتي خابرة إنه كان هيحصل. بلاش تكبري السالفة.

شهيرة (بانفعال وغضب):
أنا اللي شايلة اسمك من أول ما كنت ولا حاجة!
تيجي دلوقتي تقوليلي اتجوزت؟!

عرفان (بعصبية):
احترمي نفسك، وصوتك ما يعلاش!
أيوه، اتجوزت… من سنين.
ولو كنتي مستحملاني، ما تنسيش إنك اتجوزتيني عشان أنا كنت أخو العمدة.
واحمدي ربنا إني جيت قلتلك بنفسي، ما خلتكش تسمعيها من بره!

شهيرة (بتضحك بسخرية):
وجيت دلوقتي ليه؟
بما إننا “بنتكلم عالمكشوف”…
مش أنت خابر أنا اتجوزتك ليه؟

عرفان (بسخرية):
زين إنك اعترفتي.
على العموم، مراتي الله يرحمها، وبنتي… صقر جايبها، وجاي تعيش ويايا.
واسمعي يا شهيرة، إنتي هتعامليها باحترام،
ولا والله… هتشوفي وش عمرك ما شُفتيه.

شهيرة (بصوت مكتوم من الغيظ):
مش بس اتجوزت عليا،
ده كمان مخلف… وجايبها هنا؟
جدامي؟!
وكمان طالب مني أعملها زَيِّن؟!

عرفان (بجدية):
أنا قلتلك لأني أعرف الأصول.
خبيت زمان… عشان كنت خابر إنك مش هتسِكتي.
مش حبًا فيكي… ولا غيرة…
بس عشان إنتي عمرك ما عرفتي إلا الطمع.
كل حاجة عندك فلوس، ولبس، وشياكة، والناس شايفينك.

شهيرة (بسخرية):
طب لما أنا كده من زمان…
جيت واتجوزتني ليه؟

عرفان (بتنهيدة):
عشان النصيب يا شهيرة…
وعشان أبوي، كلمته ما تتردش.
واللي اتجوزتها… كانت ست غلبانة.
ماكانش حب… ولا غرام.
بس كنت عايز ضنا، ضحكة عيل في البيت.
وهي عرفت تخليني أرتبط بيها.
يكفي إنها ما كانش فارق معاها مال ولا حال.

شهيرة (بغل):
طيب يا عرفان…
ربنا يهني سعيد بسعيدة!
مشيت اللي يِرِدّ عليك… خلاص!

عرفان (بحسم):
أنا قلت اللي عندي،
وليمي عندك المعاملة الزينة.
بس لو جرحتِ البنت بكلمة…
ما تلوّميش إلا نفسك.

شهيرة (بصوت واطي مليان تهديد):
متقلقش…
والله ما هتعدي الليلة دي على خير.
وأنا مش الست اللي “ينضب عليها” وتسكت!

(عرفان بصّ لها بقلق، وقرر يخرج قبل ما تنفجر فيه، لكنه همس لنفسه بقلق واضح…)

عرفان (بهمس):
يا رب تعدي الليلة دي على خير…

(شمس قاعدة مبسوطة، بتتفرج على الطريق وهي فرحانة زي العيال الصغيرة.
صقر وقف قدام البيت، نزل وفتح الباب ليها.
نزلت شمس بتردد، وبصّت حوالين المكان بقلق وشغف)

شمس (بهمس مرتبك):
هو ده… بيت بابا يا صقر؟

صقر (بابتسامة دافئة):
أيوه يا شمس… ده دارك من النهارده.

(دخلت شمس البيت، وفجأة شافت أبوها قدامها.
عرفان قام بلهفة أول ما شافها)

عرفان (بلهفة):
شمس! بتي يا ضناي!
الحمد لله على السلامة!

(ما استحملتش شمس أكتر، وجريت عليه، وانهارت في حضنه، ودموعها نازلة)

شمس (بتبكي):
بابا… وحشتني!
أنا مش مصدقة إني هنا… في حضنك يا بابا!

عرفان (بحنان):
سامحيني يا بنتي…
مقدرتش أقف لخالك لما خدك مني.
بس الحمد لله… رجعتي دارك، وسط أهلك وناسك.

شمس (بابتسامة):
أنا عارفة يا بابا…
وأنا شايفة إن صقر ابن عمي… بقى حاجة تانية.
عارف؟ أول ما خالي شافه… خاف!
أنا كمان خفت من هيبته وطوله ده!

(ضحك عرفان، وصقر كان واقف وبيسمع، وابتسم بتلقائية… لكن اللحظة اتقطعت بصوت شهيرة وهي نازلة من فوق.)

شهيرة (بسخرية):
اللهم صلّي على النبي!
شوف الحنية اللي طلعت فجأة!
ولا كأنك سايبها بقالك عمر، ولا كأنك كنت معاها من شهر، يا عرفان!

(شمس اتنفضت، وبصّت لشهيرة بقلق، وبعدت عن أبوها نص خطوة)

شمس (بتردد):
أنا آسفة…
مكنتش أقصد أضايق حضرتك.

عرفان (بحزم، وهو بيطمنها بإيده على كتفها):
ما تعتذريش لحد، يا شمس.
إنتي هنا في دارك يا بنتي.
واللي مش عاجبه… يشوفله مطرح تاني.
فاهمة؟
أوعي تتعاملي على إنك ضيفة!

شهيرة (ببرود):
لا، تصدق فعلاً؟ الله ينور!
جبتها تدخل علينا، وكمان عايزها تتحكم في دارنا؟
كتر خيرك يا جوزي!

شمس (بسرعة):
لا خالص!
بابا ميقصدش، وأنا عمري ما هعمل كده.
أنا عارفة إني ضيفة، و…

صقر (بهدوء قاطع، وهو يقاطعها):
لا، يا شمس.
حابب أصلحلك المعلومة…
إنتي مش ضيفة.
إنتي هنا في دارك، ومكانك.
واللي فعلاً مالهاش حاجة هنا…
هي مرت عمي.
فأوعي تنسي يا مرت عمي، إن دي دار العمدة.
يعني إنتي اللي ضيفة… مش أكتر.
فياريت ما نحوّلش الحوار لشيء ما لهوش لازمة.

(شهيرة بصّت له بغيظ وسكتت، ومشيت. شمس فضلت بصّاها بقلق، حاسة إنها مش هترتاح هنا،
بس على الأقل… في اللي بيدافع عنها)

شمس (بابتسامة متوترة):
شكرًا يا صقر…
كلامك حقيقي،
إنت زي ما بابا كان دايمًا بيقول عنك.

صقر ابتسم ليها بهدوء، وحاول يغير الجو، وبص لعرفان باحترام

صقر
هاااا… اديني جبتلك أمانتك يا عمي، أظن كده المهمة خلصت، الحمد لله.

عرفان بصله بنظرة فيها معنى عميق، ورد بصوت واضح كأنه بيكتب وصية.
عرفان
لأ يا ولد الغالي…
المهمة لسه ما خلصتش،
أمانتي لسه في رقبتك،
لحد بعد موتي، يا صقر… أنا فاهم.

شمس رفعت راسها بخضة وبصت لأبوها بلهفة وخوف، وجريت عليه بسرعة وهي صوتها بيتهز:
شمس
بعد الشر عليك يا بابا، ما تقولش كده… بالله عليك.

صقر كان ساكت، بس عينه متعلقة بعيون عمه، وكأنه فاهم قصده.

عرفان بص لصقر وهو بيطبطب على شمس:
عرفان
من النهاردة… هي أمانتك يا صقر.
خلي بالك منها.

صقر حس إن الجملة دي غرست جواه حمل تقيل، لكنه رد بنبرة واضحة وجدية:

صقر
حاضر يا عمي… أمانتك في عيني.

شمس كانت ماشية بهدوء في الطرقة، بتحاول تفتكر طريق أوضتها ولسه بتحاول تتأقلم،
لحد ما شهيرة خرجت فجأة من أوضتها، وشافتها، فقربت منها بغيظ.

شهيرة بصوت عالي وحدّ:
إيه اللي بتعمليه هنا؟ بتتجسسي عليا ولا إيه؟!

شمس اتوترت، ووقفت في مكانها بسرعة، وهي مرتبكة:
لا، والله العظيم ما أقصد…
أنا بس كنت بدور على المطبخ… والله مش أكتر!

شهيرة قربت منها خطوة، وبصوت فيه احتقار:
من النهاردة تسمعي كلامي كويس،
لأني أنا اللي كلمتي ماشية هنا،
وانتي ضيفة…
يعني لا ليكي صوت ولا وجود.
ومتفكريش إنك بنت عرفان فتدخلي تاخدي مكانك،
أنا مراته… والدار دي داري!

شمس دمعت عينيها وردت بصوت مخنوق:
أنا مش جاية آخد مكان حد…
ولا ليا في حاجة،
أنا بس جاية علشان أبقى جنب بابا،
بس كده.

شهيرة بنبرة توعد:
كفاية كده؟
ده أنا لسه ما ابتديتش!
وبطلي دموع التماسيح دي… مش هتخدعيني.

لحظة توتر شديدة، شمس جسمها اتجمد من الخوف، ووقتها لقت صقر جاي عليهم بعد ما سمع الكلام، ووقف قدامهم بكل هيبته:

صقر بغضب:
مش أنا قلت ملكيش دعوة بيها يا مرات عمي؟
رايدة تكسريني يعني؟
ولا عاوزاني أتصرف بطريقتي؟!

شهيرة حاولت تبين إنها بريئة:
ولا حاجة يا صقر، إحنا كنا بنتكلم بس…

صقر بحدة وهو بيبص لـ شمس:
واضح فعلاً تأثير كلامك!
اسمعي، أنا محدش يعلي صوته في بيتي.
ولو كررتيها واتعرضتي لـ شمس تاني،
رد فعلي مش هيعجبك خالص.

شهيرة اتخرست،
وشمس بصت لـ صقر بامتنان كبير ودموعها قربت تنزل،
وسحبها من إيدها وقال بجدية:

صقر
تعالي معايا يا شمس.

دخل بيها أوضته وقفل الباب،
وشمس واقفة في نص الأوضة، مش مصدقة اللي حصل،
وعينيها بتلف في المكان بنظرة فضول طفولية.

شمس بابتسامة خفيفة:
أوضتك حلوة قوي…
شبهك كده، كلها هيبة.

صقر ابتسم لأول مرة بجد وهو قاعد على طرف السرير:
وإنتي لسه بتضحكي بعد اللي حصل؟
أنا كنت ناوي أقعد أطيب خاطرك.

شمس قعدت على الكرسي قدامه، وابتسامتها فيها شكر حقيقي:
عشان إنت جمبي…
ورديت مكاني، فخلاص، أنا مطمنة.
وعشان إنت الوحيد اللي لسه عارفاه هنا،
ومخفتش منك،
أنا حتى مستغربة إني بتعامل معاك بطبيعتي كده.

صقر قلبه دق فجأة، وكلامها خبط في حتة جواه مقفولة من زمان.

صقر باستغراب وهدوء:
ليه أنا؟
يعني إزاي خدتي راحتك معايا؟
ومخفتيش مني زي ما بتقولي؟

شمس ببراءة:
عشان عندي فوبيا من الناس…
من زمان، مش بعرف أثق في حد بسهولة،
خصوصًا بعد اللي حصل معايا.

صقر نبرته اتغيرت، واستعدل في قعدته:
إيه اللي حصل يا شمس؟
حد أذاكي؟

شمس بصوت مهزوز:
في فترة ماما كانت بتوديني لدكتور نفسي…
مش عارفة ليه بقولك كده،
بس يمكن لأني ارتحتلك…
وكنت محتاجة صديق أتكلم معاه.

صقر حاسس بنار بتغلي جواه، قبض على إيده لا إراديًا، لكنه حاول يهدى صوته:
صقر
من النهاردة…
إنتي مش لوحدك.
ومش هتخافي مني أبدًا،
واللي يعدي عليكي، يعدي عليا الأول،
أنا المسئول عنك دلوقتي.

شمس دمعت عينيها، لكن ابتسمت ابتسامة فيها راحة، مش وجع:
شمس
ربنا يخليك ليا يا صقر.

لحظة سكوت بينهم، بيبصوا لبعض،
لحد ما صقر قام بسرعة وهو واخد باله من نفسه:

صقر
يلا بينا نخرج…
ميصحش تفضلي هنا.

شمس وهي واقفة بعفوية:
ماشي، يلا…
عارف؟
إنت الوحيد اللي ما خوفتش منه،
وبتعامل معاك بطبيعتي،
ودي حاجة غريبة أوي بالنسبالي.

صقر حس بكهربا في قلبه…
كأن كلمة بسيطة حركت جواه حاجات كانت نايمة،
لكنه غطى ده بابتسامة خفيفة وهو بيرد:

صقر
هي غريبة فعلًا يا شمس…

تاني يوم بعد الفطار
البيت كان هادي،
وشمس واقفة قدام الشباك بتتأمل الدنيا،
لحد ما شهيرة دخلت فجأة، وعينيها فيها مكر باين.

شهيرة بابتسامة مصطنعة:
مالك واقفة كده؟
نفسك تخرجي… مش كده؟

شمس بصوت متوتر:
كنت بفكر أتمشى شوية…
الجو حلو، والناس في الشارع شكلهم مفرح،
كنت عاوزة أشوف البلد.

شهيرة بخبث:
طب اروحي…
هو إنتي محبوسة؟
ده مش سجن يا شيخة!
روحي اتفسحي واتهوي.

شمس بتردد:
بس… صقر ميعرفش،
ومش حابة أخرج من غير ما أقوله.

شهيرة بصوت خبيث وهي بتضحك:
صقر مشغول قوي.
وسمعته بيقول إنه متضايق من إنك مربوطاله!
فـ بلاش تزودي عليه هم فوق همّه.

الكلام وقع على قلب شمس زي السكينة،
وزعلت… وصدقت،
وقررت تخرج،
ومتحسسوش إنها فرضت نفسها عليه،
خدت طرحتها وخرجت.

بعد شوية، صقر دخل من باب البيت،
وكان بيدور عليها بعينيه،
واستغرب إنها لسه ما نزلتش من أوضتها لحد دلوقتي…

صقر بجدية
مشوفتيش شمس يا مرت عمي؟

شهيرة بخبث
دي خرجت من شوية، قالت هتتمشى شوية.

صقر وقف مكانه، ووشه اتبدل فجأة
خرجت؟ خرجت لوحدها؟ إزاي ده؟!

شهيرة بكذب مقنع
قالتلي إنها هتشُم هوا، ولما سألتها استأذنتي؟ ردّت وقالتلي: “أنا مش عيلة صغيرة”، وخرجت.

صقر قبض على إيديه، وقلبه بدأ يدق بسرعة، تفكيره راح لفوبيا شمس، وده خلى دمه يغلي، فخرج يدور عليها بسرعة.

كانت شمس واقفة في ركنة فيها أطفال بيلعبوا بالعجل والطوب، وكانت بتضحك من قلبها، ضحكة بريئة ونادرة، أول ما صقر شافها من بعيد، قلبه اتخطف.
وقف ياخد نفسه، وهو شايفها بتضحك كأنها طفلة وسطهم، والدنيا هديت فجأة حواليه.
قرب منها، ولما شافته، وشها نور أكتر، وابتسمت ونسيت كلام شهيرة خالص.

شمس بفرحة وبراءة
بص يا صقر… شوف، دول حلوين أوي مش كده؟
تعرف؟ أنا زمان كان نفسي ألعب كده، بس ماما كانت دايمًا خايفة عليا، عمرها ما كانت بتسيبني أخرج ألعب مع العيال.

صقر وقف جنبها، وبصلها بنظرة هادية، وبصوت دافي قال:
كان لازم تعيشي ده.
وتعرفي إن ضحكتك… بتخلي المكان كله ينور.

شمس بصت له، واتكسفت وابتسمت بخجل.

صقر بعتاب بسيط
بس… تعرفي إنك قلقتيني جوي؟
ليه تخرجي من غير ما تقوليلي؟
مش اتفقنا إنك ما تعمليش حاجة من غير ما تحكيلي؟

شمس صوتها اتغير، ونبرة خيبة أمل بانِت فيها
أنا كنت جاية أدور عليك علشان أقولك، بس طنط شهيرة قالتلي إنك مشغول، وإنك زهقان مني،
وإنك متضايق علشانك مربوط بيا… فخفت أضايقك أكتر.

صقر اتصدم، قبض على إيده كأنه بيكتم غضبه، وعينيه اتملت نار، بس حاول يتحكم في نفسه.

صقر بحنية رغم الغضب
اللي قالته شهيرة غلط.
إنتي عمرك ما ضايقتيني…
وانتي مسئولة مني… يعني أنا اللي لازم أعرف كل تفصيلة عنك.
لو خرجتي… لازم أكون عارف، مش بس علشان خوفي عليكي،
لأني بحس إني… عايز أكون معاكي دايمًا.
وأوعي تصدقي أي حد يقولك كلمة عني،
ولو سمعتِ حاجة… تيجي تواجهيني فورًا.

شمس سكتت لحظة، وقلبها كان بيدق بسرعة من آخر جملة، وحست بإحساس أول مرة تحس بيه.

شمس بهدوء وهي بتبصله
أنا متعودة أبقى لوحدي…
بس أول مرة أفرح إني مش لوحدي.
ووعد مني… من هنا ورايح مش هعمل حاجة من غير ما أقولك.

صقر قرب منها خطوة وهمس بصوت دافي
طب أنا كمان هقولك على سر…
أنا كمان، أول مرة أخاف على حد بالشكل ده.

شمس اتكسفت، بس ضحكت بفرحة
طب نرجع ولا إيه؟

صقر وهو بيضحك بضحكة مخصوص ليها
نرجع يا بتّ عمي… يلا بينا،
أحسن خايف يتنَشّي عليكي عين، ومجدرش أعالجك… ودول عنيهم، مش عاوز أقولك!

ضحكت شمس بتلقائية، وكانت فرحانة أوي، حاسة إن صقر بقى أمانها وسعادتها الوحيدة.

رجعوا وكانوا خلاص قرّبوا على البيت، شمس بتحس لأول مرة براحة حقيقية، وكل شوية تبصله وهو بيرد البصة كأنه مش عايز اللحظة تخلص.
أول ما وصلوا، شهيرة كانت شايفاهم من الشباك، ووشها اتقلب، الغيظ مالي عينيها،
كانت فاكرة إن لعبتها هتنجح ويزعقوا لبعض… بس للأسف محصلش.
وقتها قررت تلعب على آخر ورقة عندها…

شهيرة بصوت عالي بخبث خفي
أهو رجعتوا بدري، طب كويس.
الحج نفسك يا صقر… واجهز،
شروق خطيبتك جاية تتغدى معانا.
أنا عزمتها هي وأبوها، الشيخ مجاهد.

الجو اتقلب، وشمس وقفت مكانها كأنها اتخبطت على راسها بشومة.
بصت لصقر ببطء، وعينيها فيها خليط بين الاستغراب والانكسار.

شمس بصوت مهزوز
انت… خاطب يا صقر؟

صقر اتلخبط، وعينه على شمس، والتوتر باين في وشه،
لكن قبل ما يتكلم، شهيرة دخلت على الخط بسرعة كأنها بتحط ملح على الجرح.

شهيرة بخبث وبراءة مصطنعة
أيوه طبعًا يا حبيبتي…
واد عمك خاطب، وخطيبته بنت شيخ الجامع،
أدب وذوق وجمال… جَمَر الله أكبر.
وهيتجوزوا قريب إن شاء الله.

شمس ابتسمت ابتسامة باهتة، بين فيها الخنقة، كأن روحها خرجت فجأة،
بصت لصقر، وقالت بصوت مكسور:
مبروك يا صقر… حقيقي فرحتلك.

صقر نادى عليها بصوت عالي، بس كانت طلعت السلم،
جريت على أوضتها… وندمت على الإحساس اللي بدأ يتولد، أو يمكن كان موجود واكتشفته متأخر.

صقر بصوت عالي شوية
شمس! استني… يا شمس!

لكن شمس مردتش… اختفت.
وصقر وقف لحظة، وبعدين لف بحدة ناحية شهيرة، وعينيه مولعة غضب.

صقر بصوت قوي
انتي إيه؟!
إيه اللي بتعمليه ده؟
مين قالك إنك مسئولة عن حياتي؟
أنا جبت آخري من لعبك ده!

شهيرة ببرود مصطنع وهي بتحاول تخبي خوفها
أنا؟ أنا عملت إيه يعني؟
أنا قلت الحقيقة يا صقر…
ولا إنت كنت ناوي تتجوز اتنين؟
ولا كنت عاوز تخلي البنت تعيش في وهم؟!

صقر بغضب أعمى
وإنتي مالك؟ أنا خاطب ولا هتجوز اتنين دي حياتي أنا!
وأنا خابر كويس إنتي بتعملي كل ده ليه… رايدة تطفشيها من هنا.
بس خليني أقولك… أنا مش هسيبك تنولي مرادك.
وافتكري، أنا حذرتك قبل كده… وجُلتلك تبعدي عن شمس.
وعشان كده، من النهاردة… ملكيش عيشة في الدار دي. فاهمة؟

شهيرة بتهتهة مرتبكة
يا صقر، والله ما كنت أقصد…
هو يعني أنت بتتحكم عشان دي دارك؟
ناسي إن ليّا راجل وله كلمة؟
ولا فاكرني سويجة يعني؟!

صوت جه من وراهم – عرفان بتقل وصوت حاسم
اللي يقوله العمدة… يمشي، يا شهيرة.
أنا صبرت عليك كتير… بس ملهاش إلا كده.
أنا سمعت كل حاجة،
ومن الليلة دي… ملكيش جعاد هنا.
لمي خلجاتك… وارجعي بيت أبوك.

شهيرة بانفعال وغضب
هي سايبة ولا إيه يا عرفان؟!
هتاكلني لحم وترميني عضم؟!
فاكر بعد السنين دي كلها هتخرجني كده بلوشي؟
إنت غلطان… مش أنا اللي يتغدر بيها!

عرفان بخيبة أمل
الغدر؟
ده اللي اتعلمناه منك يا شهيرة…
كفاية عليا معاملتك لبتي، وكنت ساكت، بقول بكرة تعجل وترضي بالأمر الواقع.
رغم إني خابر جلبك الأسود من زمان…
من أيام ما كنتي بتكرهيني في أخويا، عشان العمودية!
وأنا اللي كنت بجف في صفك…
وعشان كده، أنا مش رايدك،
حقوقك هتاخديها، وفوقيهم كام فدان…
بس بشرط، تبعدي عن بتي،
غوري من هنا!

شهيرة بصتلهم بغضب، وسابتهم وطلعت.
رغم وجعها، كانت راضية بكلام عرفان،
عارفة إنها مخلفتش… ومافيش عين تطلب حاجة تاني.
بعد ما طلعت، عرفان بص على صقر اللي كان سرحان في شمس.

عرفان بابتسامة هادية
مالك يا صقر؟
إيه اللي شاغل بالك يا ولدي؟

صقر باندفاع صادق
يا عمي… إنت خابرني زين،
خابر إني مش بلِف ولا بدور…
وبصراحة، أنا رايد أتجوز شمس.

ضحك عرفان بصوت عالي وقال بخبث أبوي
كأنك جُلتلي حاجة جديدة!
منا خابر، يا واد،
أنا كنت مستنيها تطلع منك.

صقر بضيق
عارف إنك فاهمني يا عمي…
الموضوع كله ما كانش لادد عليا،
ولولا إن أبوي -الله يرحمه– كان مدي كلمة للشيخ مجاهد،
مكنتش وافجت بالجوازة دي أصلًا.

عرفان بتفكير
طب والحل يا عمدة؟
تفتكر هتعمل إيه؟

صقر بجدية حاسمة
هروح للشيخ مجاهد،
وأحل الخطبة… وكل واحد يروح لحاله.
أنا ماقدرش أتجوز واحدة، وجَلبي مش معاها.

عرفان وهو بيبتسم
وجلبك معا مين يا صقر؟
مكسوف تقول إنك عشجت بتي؟

صقر باحراج بس صدق
عمي، أنا جُلتلك إني مش هكذب عليك،
أنا دوغري…
وأكيد عشجها،
وإلا مكنتش طلبتها منك.

عرفان وهو بيبتسم براحة
خابر يا واد أخويا…
وعشان كده، حبيت أقولك
إن الشيخ مجاهد بنفسه جاني،
وقاللي إن بنته مش رايدة الخطبة،
وإنها مش مرتاحة،
وعشان كده… جِيت أبلغك.

صقر وابتسامته وسعت
يعني… يعني خلاص، يا عمي؟
يعني أقدر أتجوز شمس؟

عرفان بضحك خفيف
اها، بس مش علطول كده يا واد!
استنى شوية…
خلي الناس تقول كلمتها.

صقر بسعادة طفل
المهم… إنها تبقى ليا،
وعلى اسمي يا عمي.

عرفان بتنهيدة راحة
أنا دلوقتي ارتحت…
عشان عرفت إن شمس في أمان.

شمس كانت في أوضتها، دموعها على خدها،
ووشها كله خيبة أمل…
حاسّة بالألم وعدم الأمان بيرجع لها تاني،
لحد ما سمعت خبط على الباب،
وصوت صقر اللي كله هدوء، بيطمنها من غير ما يتكلم.

صقر بصوت دافي
شمس… افتحيلي، يا بت عمي،
مش هطوّل… رايدك في كلمتين.

لحظة سكوت،
الباب اتفتح بشويش،
وظهرت شمس بملامح مشوشة،
وعنيها فيها كسرة.

شمس بهدوء
أيوه يا صقر… في حاجة؟

صقر بيبصلها بلهفة ووجع
خابر إنك زعلانة مني… وليكي حق.
أنا عارف.

شمس من غير ما تبصله
كنت فاكراك غير كده.
كنت حاسة إنك أماني الوحيد… اللي حواليا.

صقر وهو بيقرب منها بشوق
وأنا فعلاً كده… ولسه هبقى أكتر.
ومش هتغير أبدًا عليكي.

شمس بهمس، وهي بتحاول تخبي دموعها
بس… طلعت خاطب،
وسبتني أتعلق…
وأنا كنت…
(سكتت، كأنها خافت تعترف)

صقر قرب أكتر، بعينه الشغوفة
جوليها، يا شمس… بالله عليكي، جوليها!
عشان أنا كل يوم من ساعة ما عرفتك…
بعيش بالجملة دي، من غير ما أسمعها.

شمس ودموعها في عنيها
كنت بحب وجودك…
وبستناك من غير ما أقول.
كل مرة تتكلم، بحس إن الدنيا بتقف…
بس انت كدبت عليا.

صقر بابتسامة حزينة
تعرفي؟
أنا كمان كده…
كل مرة أشوفك، كنت بدوب.
كل مرة تبصيلي، كنت بحس إني رايد أخطفك،
وتبقي ليا… لوحدي.

شمس بعتاب من قلبها
طب ليه ما قلتليش؟
ليه سبتني أتعلق بيك؟
أنا بجد… مش فاهمة.

صقر وهو بيمسك إيديها بحنية
عشان كنت بجهز للحظة دي…
اللحظة اللي أجيلك فيها فاضي…
من غير ربطة،
وأقولك…

(سكت لحظة، وبص في عينيها)

صقر بفرحة صادقة
أنا عاشجك يا شمس…
عاشجك من قلبي،
من أول مرة نطقتي فيها اسمي…
وعنيا وجعت عليكي.

شمس بصدمة وقلبها بيدق جامد
صقر… ما ينفعش!
إنت… خاطب، ونسيت؟

صقر بصوت ثابت وواثق
مافيش ارتباط تاني خلاص.
الشيخ مجاهد فَك الخِطبة.
صدقيني،
أنا كنت ساكت بس علشان كلمة أبوي.
لكن جَلبي… اختارك إنتي.
والحمد لله… إنك بقيتي نصيبي.

شمس بابتسامة ممزوجة بفرحة
يعني… يعني إنت دلوقتي مش خاطب؟

صقر وهو بيحضن إيديها بعشق
لأ، يا جَلب صقر…
ما بقيتش خاطب غيرك.
وفرحنا… آخر الشهر.

شمس ضحكت من قلبها، وعيونها بتلمع،
كأن الدنيا مش سايعها من الفرحة،
نسيِت كل دمعة نزلت،
وبجت أسعد واحدة في الدنيا.

تمت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top