رواية عشق لا يضاهى بقلم أسماء حميدة الفصل الخامس

عشق لا يضاهى

الفصل الخامس.

تابعت سيرين الأخبار وشاهدت المؤتمر الصحفي الذي عقدته مجموعة نصران… كان المؤتمر إعلانًا عن نجاح ظافر في الاستحواذ على مجموعة تهامي… ابتسمت سيرين بحزن فالآن لم تعد شركة جمال التهامي موجودة في هذا العالم… وأخذت تردد بينها وبين حالها بأن الأمور في نهاية المطاف قد أصبحت أكثر متعة بالنسبة لظافر فها هو قد استحوذ على مجموعة تهامي وانتقم، صفقت وهي تقهق بهيستيرا أقرب إلى الجنون حتى أدمعت عيناها وانهارت باكية تجثو على ركبتيها في وضعية السجود تطرق الأرض بقبضتيها.


“لقد حصلت عائلة تهامي أخيرًا على ما تستحقه لخداعك في زواج فاشل كهذا منذ ثلاث سنوات.” قالها طارق ضاحكاً… ولكنه غيّر الموضوع في اللحظة التالية، وسأل ظافر:

“ظافر، هل اقتربت منك سيرين خلال الأيام القليلة الماضية؟”

تجمد ظافر بأرضه أثناء توقيعه على وثيقة ما ولم يكن يعلم السبب في شعوره هذا، لكن الأشخاص من حوله ظلوا يذكرون سيرين كثيراً هذه الأيام.

“لا”

أجاب ظافر ببرود صدم طارق الذي أخذ يفكر كيف استطاعت سيرين ألا تفعل شيئًا عندما حدث لعائلتها شيء بشع بهذا الحجم؟ لذا تحدث مرة أخرى:

“هل من الممكن أنها عادت إلى وعيها أخيرًا؟ لقد سمعت أن عائلتها تبحث عنها في كل مكان… ولا أحد يعرف أين ذهبت”

ومع استمرار طارق في الثرثرة عنها عبس ظافر وشعر بالانزعاج الشديد بعد أن هاجمه شعور غريب بالغيرة والفضول أيضاً ولكنه قاوم أي إحساس يراوده عنها وهدر بحزم يصرخ على طارق مشيراً إلى باب مكتبه، قائلاً:

“طاااارق.. اخرج! والآن”

ارتجف طارق عندما أدرك أن ظافر قد خرج عن السيطرة لذا لم يجرؤ على قول كلمة أخرى، بل خرج مسرعًا من مكتب الرئيس التنفيذي لأكبر مجموعة شركات بالشرق الأوسط وذلك بعد آخر المستجدات وإنهاء ظافر لغريمه الأوحد وهم مالكي سلسلة شركات آل تهامي التي أصبحت تحت سطوته الكاملة.

وبمجرد خروج طارق، أخذ هاتفه واتصل بمساعدته وفاء، يسألها بصبر فارغ:

“هل وجدتِ سيرين؟”

“نعم، إنها في فندق صغير في مدينة…. “، أجابت وفاء .

في الاجتماع السابق، أفصح طارق بكل جرأة عن صداقته مع دينا… ولم يعد يكترث للحفاظ على صورة النبيل الذي ينتمي للطبقة العليا عندما اختار الانحياز لـ دينا دون تردد… وأهان سيرين بوصفها بالوقحة، وانتهى به الأمر بأن ألقاها في المسبح، حيث تركها تتصارع مع المياه حتى كادت أن تغرق.

منذ تلك اللحظة، قررت سيرين الابتعاد عنه نهائيًا.

وبمجرد أن وصل طارق إلى الفندق الذي تقيم فيه سيرين أوقف سيارته، وفتح الباب وسار نحوها بخطوات ثابتة عندما وجدها تقف في ساحة النزل… أمسك بذراعها بقبضة قوية وسألها بنبرة غاضبة،

“ما هي الحيل التي تخططين لها هذه المرة؟”

شعرت سيرين بألم شديد في ذراعها، فنظرت إليه بعينين تملؤهما الدموع وقالت،

“لا أفهم ما تقوله.”

حاولت أن تخلص ذراعها من قبضته، لكنه دفعها جانبًا بقوة.

وصرخ طارق بصوت عالٍ،

“لا تلمسيني بيديك القذرتين!”

تعثرت سيرين للخلف وسقطت على الأرض بصوت مدوٍ غتجمد طارق في مكانه مندهشًا، غير مصدق كيف أنها تلجأ لمثل هذه الحيل!! لقد دفعها بلمسة خفيفة، فكيف يمكنها أن تسقط هكذا؟

بدأ الناس ينظرون نحوهم بفضول وريبة، مما دفع طارق للعودة إلى سيارته وهو يشعر بالارتباك والتوتر.

لكنه لم يغادر قبل أن يوجه إليها تحذيرًا أخيرًا بنبرة حادة،

“لا تقتربي من ظافر مرة أخرى لمجرد أنك معاقة يا سيرين! دينا تختلف عنكِ كلياً لقد بذلت جهدًا كبيرًا للوصول إلى ما هي عليه الآن، فلا تتسببي في إفساد علاقتها به!”

ابتعد طارق بالسيارة بسرعة، غير عابئ بما تركه من فوضى خلفه… ولدى وصوله إلى منزله، أسرع بإبلاغ عائلة تهامي عن مكان إقامة سيرين، وكأنه يريد إحكام السيطرة على حياتها حتى آخر رمق.

أثناء سقوطها، شعرت سيرين وكأن الزمن قد توقف، وكأنها تهوي في بئرٍ لا قاع له، تتقاذفها أمواج الألم.

كان طارق في مخيلتها مثل طائر جارح، يحلق بلا وجهة، تائه بين ظلمات نفسه… أما هي، فكانت تتشبث ببقايا الأمل، تحاول أن تفهم كيف يمكن لإنسان أن يكون بهذا العمى تجاه الحق.

تذكرت سيرين اللحظة التي وضعت فيها حياتها على المحك لإنقاذه، كيف كانت تهرول تحت المطر، تتحدى العواصف، غير مبالية بالخطر المحدق بها وهي تحاول إخراجه من السيارة التي كانت على وشك الانفجار… كانت عيناه حينها بالكاد ترى بعدما غطت الد ماء وجهه بالكامل، وصوته الحنون وعداً لم ينفك يرن في أذنيها:

“شكرًا لكِ، وأعدكِ بأنني سأسدد لكِ الجميل يومًا ما.”

لكن الآن، وهي مستلقية على سريرها في الفندق، تداعب الألم جروحها إثر سقوطها بعد دفعة طارق لها على الرصيف الأسفلتي تكتوي بمرارة الذكريات، تساءلت بحزن وأسى ما إذا كانت هذه هي طريقتهم في تسديد الديون.

مع كل جرح وخدش في جسدها، زاد تصميمها على أن تترك ظافر، لتبدأ حياة جديدة بعيداً عن خيبات الأمل والوعود الكاذبة.

كانت الشمس تشع بنورها الساطع في الخارج عندما استيقظت سيرين بعد أن أجبرتها عائلتها على العودة إلى منزلهم… نهضت متثاقلة وتوجهت إلى غرفة المعيشة، حيث وجدت سارة جالسة على الأريكة، مرتدية فستانًا رسميًا، تظهر وكأنها غير مبالية بوقت استيقاظ سيرين المتأخر.

لم تبدِ سارة أي اهتمام بأن سيرين قد استيقظت للتو بل التقطت وثيقة من على طاولة القهوة وناولتها لسيرين بحزم… تقول:

“ألقِ نظرة جيدة على هذه… إنها الخطة الاحتياطية التي أعددتها لك.”

تناولت سيرين الوثيقة بيد مرتجفة، وعيناها تتجولان على عنوان تلك الكومة من الأوراق وكان كالتالي”اتفاقية ما قبل الزواج”…. بدأت سيرين تتصفح ورقة تلو الأخرى وهي تقرأ المحتويات بصوت مرتجف.

“ستتزوج السيدة سيرين تهامي السيد خليل الباسل وباعتبارها زوجته، ستكرس نفسها له وتعتني به حتى نهاية حياته… كما سيتولى السيد خليل رعاية أسرة سيرين، بما في ذلك الحفاظ على جودة ورفاهية حياتهم… وسيقدم 300 مليون دولار كأموال لعائلة تهامي.”

واستمرت الوثيقة في سرد تفاصيل حياة خليل الباسل بما في ذلك أنه رجل أعمال من الجيل الأكبر سنًا، ويبلغ من العمر 78 عامًا.

كان عقل سيرين يدور بتوتر، تلتهمها الأفكار المتناقضة… في تلك اللحظة، قطعت سارة الصمت بصوتها الجاف، مردفةً:

“لقد أعرب السيد خليل عن عدم اعتراضه على زواجك من قبل… كما أنه سيساعد في إحياء سمعة عائلتنا من الرماد طالما ستقبلين الزواج منه. هيا يا عزيزتي. لن تخذليني أنا وتامر، أليس كذلك؟”

شحب وجه سيرين أكثر وقالت بصوت يكاد يختفي:

“لا أستطيع الموافقة على ما تطلبينه مني.”

لم تتوقع سارة أن ترفض سيرين طلبها صراحةً فاشتعلت غضبًا على الفور.

“بأي حق ترفضين؟ لقد منحتك الحياة!”

نظرت سيرين إلى سارة بتحدٍ وقالت:

“ماذا لو أعيد إليكِ حياتي؟ هل يعني هذا أنني لم أعد مدينة لكِ بشيء؟”

“ماذا قلتِ؟” صرخت سارة.

تحركت شفتا سيرين الشاحبتان ببطء عندما قالت:

“إذا أعدت حياتي إليكِ، فهل يعني هذا أنكِ لن تكوني أمي بعد الآن؟ ولن أكون مدينة لكِ لأنكِ ولدتني؟”

سخرت سارة بتهكم غير مصدقة أن سيرين قد تجرؤ على مثل هذا التحدي.

“حسنًا إذاً لن أجبركِ على الزواج من السيد خليل إذا أعدتِ لي حياتك… لكن السؤال هو، هل لديكِ الشجاعة للقيام بذلك؟”

“أعطني شهرًا.” قالتها سيرين مصممة وهي تلفظ هذه الكلمات بحزم.

في عيون سارة، بدت سيرين وكأنها شخص مجنون… فحذرتها قائلة:

“من الأفضل ألا تهددني بالقول فقط إنكِ ستنهي حياتكِ… نحن لسنا قريبين إلى هذا الحد أنا لم أشعر نحوكِ بشعور أمومة قط بل كنتِ لي مصدر إزعاج وحرج وسط الجميع، لذا لا يهمني إن متِ. ومع ذلك، يجب عليكِ التوقيع على هذه الوثيقة إذا كنتِ خائفةً من إنهاء حياتكِ أيتها الجبانة”.

كانت سيرين قد قمعت كل مشاعرها إلى أقصى حد وكانت بحاجة إلى التنفيس عن نفسها في مكان ما… لذا قررت أن تعيش حياة ظافر الصاخبة سترتاد نفس الأماكن التي يرتادها ستقوم بكل فعل سيء لما تقدم على الوقوع به من قبل لعلها تجد في الخـ ـمر سلواها… ذهبت إلى أحد الحانات، وجلست في أحد الأركان تشرب وتشاهد الحشد يرقص بسعادة في ذهول.

في تلك اللحظة لاحظ رجل وسيم ذو عيون مذهلة سيرين التي كانت وحيدة تمامًا… اقترب منها وسألها:

“سيرين ؟”

حدقت سيرين في الرجل لكنها لم تتعرف عليه… وظلت في ذهول، فسألته:

“هل تعرف كيف يمكن للمرء أن يحقق السعادة؟”

كان الرجل في حيرة من أمره… فتناوب سؤالها:

“ماذا قلت؟”

واصلت سيرين الشرب وهي تتحدث بسكر:

“يقول الطبيب إنني مريضة ويجب أن أحاول أن أكون أكثر سعادة، لكنني لا أستطيع أن أجعل نفسي أشعر بالسعادة…”

أثار ذلك انزعاج الرجل، وتساءل عما إذا كانت سيرين قد نسته كما شعر بالارتباك إزاء ما قالته – شيئًا عن المرض والحاجة إلى أن تكون أكثر سعادة، فتمتم يقول باهتمام بالغ:

“لا ينبغي لكِ أن تكوني في مكان كهذا إذا كنتِ تريدين السعادة… لماذا لا أقوم بتوصيلك إلى المنزل؟” تحدث كارم بنبرة لطيفة.

ابتسمت سيرين وهي تنظر إليه وقالت:

“أنت شخص طيب”.

تغلغلت مشاعر متشابكة في قلب كارم حينما لمح ابتسامتها الحزينة…. وتساءل في نفسه عن مصاعب السنين التي عاشتها… ولماذا تعكس نظرتها كل هذا الألم؟

في هذه الأثناء كان ظافر يجلس في البار أيضًا وذلك بعد أن تم إنهاء إجراءات الطلاق، فلقد اعتاد أن يقضي لياليه في البارات مستمتعاً بوقته ككل ليلة، ولم يعد إلى قصره منذ فترة طويلة.

أصبح الوقت متأخرًا حينما بدأ الحشد في المغادرة، وفجأة كانت لصالح إحداهن وذلك عندما رأت دينا وجهًا مألوفًا في ركن الحانة… فهتهف،

“أليست هذه سيرين؟”

تبع ظافر نظرتها ليجد رجلاً يتحدث بمرح مع سيرين؛ فتغيرت ملامح وجهه على الفور، وشعر بخيبة أمل عميقة تجاه سيرين لأنها تشرب في حانة وتتحدث مع رجل آخر… هز رأسه برفضٍ يحاول الاستفاقة عله قد فقد وعيه إثر المشروب وتهيأت له هنا أيضاً بعدما كان يجاهد بأيامٍ مضت كي يبعد خواطره من استدعاء صورتها… كان ظافر يعتقد أنه عرفها جيدًا ولكن وجودها في مكان كهذا تتسامر بودٍ مع أحدهم زعزع ثقته المزعومة بها.

“هل ينبغي أن نذهب إليها ونتحقق من الأمر يا ظافر؟” سألته دينا بخبث.

“لا،” أجاب ظافر ببرود قبل أن يخرج من الحانة بسرعة كمن لدغه عقرب.

في المقابل، رفضت سيرين عرض كارم وقالت،

“لا داعي للقلق، يمكنني العودة إلى المنزل بمفردي.”

لكن كارم الذي كان لا يزال قلقًا بشأنها، تبعها خارج الحانة… يهتف قائلاً:

“ألا تتذكريني حقًا؟”

نظرت إليه سيرين بعينين مشوشتين خاليتين من التركيز، ولم تستطع أن تسترجع هويته… فبادرها يقول:

“أنا كارم الحسيني… هل نسيتني حقاً؟” حاول كارم تذكيرها.

حينها فقط تذكرت سيرين صديقها كارم الذي عرفته عندما كانت تعيش مع فاطمة في الريف… آنذاك، كان كارم أكثر بدانة وأقصر قامةً… لكن الآن، بطوله الذي يبلغ ستة أقدام وبوصتين، بدا أكثر وسامة.

“أوه، تذكرت الآن! لقد تغيرت كثيرًا… لم أتعرف عليك!” قالتها سيرين بابتسامة خفيفة.

كان لقاء صديق قديم أمرًا ممتعًا، ولكن الابتسامة الباهتة على وجه سيرين أزعجت كارم.

“تعالي، سأوصلك إلى المنزل”، قالها كارم بحنان.

عندما وصلوا إلى هناك بعد أن طلبت منه سيرين أن يقلها إلى النُزُل البسيط الذي كانت تسكنه حتى ليلة أمس، صُدم كارم عندما اكتشف أنها تعيش في فندق متهالك كهذا… فتململت سيرين تقول بخجل.

“آسفة، إنه ليس مكانًا رائعًا… من فضلك لا تخبر فاطمة أنني أعيش في مثل هذا المكان… لا أريدها أن تقلق.”

أومأ كارم برأسه متفهماً… ولما كان الظلام قد أسدل ستائره وبدت الحكمة تقتضي بعدم بقاءه لمدة أطول…. لذا، ودع سيرين ووعدها بزيارتها في اليوم التالي.

غادر كارم الفندق، ولكنه لم يلحظ السيارة السوداء اللامعة من طراز مايباخ التي كانت متوقفة في زاوية مظلمة تحت الفندق.

وبعد رحيل كارم شعرت سيرين بدوار شديد واضطراب في معدتها بسبب الإفراط في الشرب.

وفجأة، دوى صوت طرق عنيف على الباب الذي فتحته سيرين ببطء، وقبل أن تتمكن من استيعاب الموقف، أمسك ظافر بمعصمها بقوة جعلتها تشعر أن عظامها ستسحق بين أصابعه.

في تلك اللحظة صرخ ظافر بغضب جامح:

“لقد جعلتني أراكِ بعين جديدة، سيرين!” ثم دفعها بعنف إلى داخل الغرفة، وأغلق الباب خلفه.

قادها بقسوة نحو الأريكة يدفعها بنفور، وتكلم بسخرية مريرة:

“إذاً، لقد قررتِ بالفعل العائلة التي ستتزوجين منها بعدي؟ كنت أحمق عندما ظننت أنكِ لن تتخلي عني بهذه السهولة!”

كان صوته مثل نصل حاد يخترق روحها… هزت سيرين رأسها بتشوش وللآن لم تفهم سبب وجوده، ولم تكن تعرف كيف رأى كارم.

في تلك اللحظة، تلاقت أعينهما… كانت عيناه مشتعلة بالغضب والغيرة، بينما عيناها ظلتا تائهتين بين الحيرة والخوف…. ظافر، الذي اعتاد على رؤيتها هادئة تدعي اللامبالاة والقوة، رأى الآن ضعفاً لم يعهده فيها، ضعفاً أثار في داخله مزيجا من الشفقة والسخط.

في هذه الأثناء بدا كل شيء وكأنه يتحرك ببطء شديد… تلاقت أنفاسهما الدافئة مع العواطف الجياشة، وتحولت الغرفة إلى ساحة معركة بين الحب والكراهية، بين الثقة والخيانة.

سيرين، بعيونها اللامعة وقلبها المتسارع، لم تستطع النطق بكلمة واحدة… كانت كل كلمة تحاول الخروج من شفتيها تتعثر في حلقها، كأنها تخشى أن تزيد الوضع سوءًا.

ظافر، الذي كان يمسك بمعصمها بقوة، شعر بالشرارة التي كانت تحترق بينهما… تلك الشرارة التي لم تنطفئ أبدًا، بالرغم من كل ما حدث…. شرارة تجمع بين الحب العميق والكره الدفين، بين الأمل واليأس.

وبينما كانت المشاعر تتلاطم بينهما، كان كارم بعيدًا غافلًا عن تلك المعركة التي كانت تدور في قلب سيرين وروحها.

أصابها الذهول للحظات معدودة فقط. وبمجرد أن استيقظت من صدمتها، ألقت نظرة غاضبة على ظافر متجاهلةً تماماً تفسير ما حدث له.

احمرت عينيها وقالت بنبرة مشوبة بالأسى:

“أنت وأنا لسنا مختلفين كثيراً عن بعضنا البعض”.

كانت عائلة تهامي قد خدعت ظافر ليتزوج من سيرين. ومع ذلك، ظل ظافر يعاملها ببرود طوال ثلاث سنوات، بينما بقي متعلقاً بحبه الأول.

لم يكن ظافر ولا سيرين أفضل من الآخر.

كان ظافر قد تناول بعض من المشروب أيضاً، ففاحت منه رائحة كريهة.

احمرت عيناه، وقبض على ذقن سيرين وتحدث بصوت منخفض وحاد:

“من هو؟ متى التقيتما؟”

كانت تلك المرة الأولى التي تراه فيها سيرين يتصرف بهذه الطريقة… فضحكت فجأة وقالت:

“أوه ظافر يغار؟! لا أصدق ما أسمع!!”

تغيرت نظرات ظافر الولهة إلى التوتر وهو يسخر قائلاً:

“أنت لا تستحقين سيرين… قطعاً لا أغار عليكِ”.

شعرت سيرين بالاختناق… وفي هذه اللحظة انحنى ظافر بغطرسة واستمر في استجوابها وعلى ما يبدو أنه لم ينتهي منها بعد… إذ هدر فيها قائلاً من بين شفاهه المزمومة

“هل لمسكِ بالفعل؟ هاه؟”

خلال السنوات الثلاث من زواجها، تخلت سيرين عن عملها ورفضت مقابلة أصدقائها عندما دعوها للخروج من حين لآخر لقد فعلت ذلك امتثالاً لقواعد عائلة نصران.

ولكن الآن أصبح ظافر يشك فيها.

غمر الارتياح سيرين في تلك اللحظة، وسألته:

“ماذا تعتقد؟”

أثار هذا غضب ظافر تمامًا، وبدأت يداه الدافئة بالسفر على طول جسدها.

الفصل التالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top