الفصل 73
تراجعت السيارة الفارهة قليلًا كما لو أنها تتأنّى في خطواتها الأخيرة نحو مشهدٍ خُطّ بعناية في كتاب الأقدار.
انخفض زجاج النافذة ببطء ليظهر خلفه ظافر كمن يُسدل الستار عن بطلٍ في مسرحية كلاسيكية.
أغلق حاسوبه المحمول بهدوء ورفع عينيه نحو سيرين.
كانت تقف كتمثالٍ من عاجٍ صقيل يكسوه فستان بلون اللآلئ مفتوح الظهر يكشف عن بشړة خُلقت لتُضاء لا لتُخفى.
ضړب ضوء الشمس المائل على كتفها المكشوف فبدت كأنها لوحة مرسومة بضوء ناعم لا حبر فيه ولا فرشاة… فقط وهج خالص.
لمع بعينا ظافر شيء غامض… شيء بين الدهشة والانبهار وبالرغم من أنه لم يكن متفاجئًا لدى رؤيتها فقد أبلغه الحارس الشخصي قبل دقائق بوصول سيارتها وبرفقتها كوثر إلا أن خافقه أخذ يهدر پعنف.
“يا لها من مصادفة…”
قالها ظافر بصوت مائلٍ للعبث متجاهلاً حالته المزرية جراء شوقه إليها، وابتسامة ماكرة ارتسمت على أطراف شفتيه كظلّ فكرةٍ ما زالت تختمر بعقله.
أجابت سيرين وعيناها تلمعان بنورٍ لا يخلقه الكهرباء فقط حضورها هو من توهج له كل شيء حولها:
“حقًا… يا لها من مصادفة.”
نبرتها زادت حالته سوءاً إذ كانت أشبه بعزفٍ خاڤت على وتر الذكرى.
نظر إليها يتأملها طويلًا بأعين حرص على إخفاء ما بهما من لوعة ثم قال دون أن يترك مجالًا للجدال:
“اركبي.”
ترددت لحظة… ثم استسلمت.
فتحت الباب وجلست بجانبه، ارتج كيانها لهذا القرب ولكنها تكابر وبدا وكأن السيارة اتّسعت فجأة تفتح مجال للتوتر والحنين الذي عم الأجواء حالياً ليخالج كلا منهما فيض من الأسئلة التي لم تُطرح.
نظر إليها ظافر بأعين من يتلصص على المشاعر ويخوض مخترقاً الأفكار ثم سأل دون مقدمات:
“هل أتيتِ إلى هنا لتبحثي عني؟”
سؤاله عن قصد فهو يعرف تمامًا أن لا أحد يصل إلى هذا الطريق الذي اختارته سيرين كمعبر لها إلى ردهة القصر إلا بإرشاد، فهذا الطريق وُجد ليبقى مجهولًا حتى عن سكّان القصر.
لكنها رغم المفاجأة لم تهتز حتى وهي ټلعن غباءها الذي جعلها تسلك هذا الطريق خصيصاً دون غيره من معابر بتلك الحديقة الأشبه بالغابة التي تحاوط قصر آل نصران.
أجابت سيرين بنبرة نصفها صدق ونصفها الآخر هروب:
“أردت فقط أن أرى إن كان هذا المكان سيحفز ذاكرتي…”
قالتها كما لو كانت الكلمات تحترق على لسانها قبل أن تخرج.
لم يعلّق بل ضاقت عيناه قليلاً كأن عقله أدار شريطًا قديمًا لا يريد له أن يُعرض.
ثم الټفت إلى سائقه وقال بهدوء آمر:
“إلى الملحق الخاص بي أولًا.”
نطقها وكأنها لمحة من ماضٍ لم يغب بل اختبأ بين جدران القصر ينتظر اللحظة المناسبة ليعود.
“أجل، سيدي.”
رد السائق، وانطلقت السيارة نحو الجناح الخاص بظافر داخل حديقة قصر نصران ولكنه متطرف نوعاً ما عن هذا الصرح الشاهق وإن لم يكن بضخامته ولكن لا يقل فخامة عنه.
كانت سيرين تراقبه بطرف عينها، وقلبها يطرق الأبواب بيدين مرتعشتين.
لم تكن تعرف بالضبط لما أراد أن يصحبها إلى “الملحق خاصته”، لكنه الټفت إليها بهدوء وصوته هذه المرة كان أبطأ… أعمق… أشد وطأةً:
“بما أنكِ ترغبين في استعادة ذكرياتكِ…”
توقف لحظة وكأنّه يتلذذ بإلقاء قنبلة داخل كيس من الستان المزين فلا هي مرئية ولا من أبصرها يمكنه توقع أثرها.
“… فلنبدأ من حيث بدأت كل الحكاية: غرفة زفافنا.”
الطريق إلى الجناح كان أشبه بنفقٍ زمني كلما اقتربت السيارة أكثر، ازداد ثِقَل الهواء بينهما…
صمتٌ ممتدّ كأن الكلمات خائڤة من الانسكاب أو كأن الأرواح بينهما تتبادل حديثًا لا يحتاج للغة.
توقّفت السيارة أمام مدخلٍ جانبي بعيدٍ عن صخب المأدبة وكأن الجناح اختار أن يبقى شاهداً صامتاً على ما لا يُقال.
فتح السائق الباب بهدوء ولم ينتظر ظافر دعوة فقط نزل وسار أمامها، خطواته ثابتة يعرف طريقه إلى متاهة الذكريات التي تخشى سيرين أن تخطو إليها ولكنها متضطرة.
تبِعته سيرين وقلبها يركض أسرع من قدميها وهي تقنع حالها بأنها فرصة يجب اغتنامها من أجل هدف أسمى “نوح”.
جدران القصر بدت أكثر صمتاً، كل باب مغلق كان يهمس باسمها، وكل عتبة مرت عليها كانت ترتجف تحت وقع حضورها.
فتح ظافر باب الجناح الخاص…
ذاك المكان الذي اختبأ فيه زمنٌ لم يمت بل دخل في سبات.
كل شيء كما كان.
الأثاث، الستائر الثقيلة، عطر العود المختلط بعبق الورود المجففة…
غرفة الزفاف لم تتغير كأنّها تمردت على الزمن لتبقى شاهدة على تلك الليلة التي بدأت فيها الحكاية.
استدارت إليه، كان واقفًا هناك يُطالعها بعينين لا تكشفان شيئًا لكن تخفيان كل شيء.
قالت، وصوتها يتهدج:
“ما الذي تحاول إثباته، ظافر؟”
اقترب منها خطوة، ولم يرمش.
“أن الذاكرة ليست شيئاً نبحث عنه في الطرقات… بل نعود إليه برغبتنا أو رغمًا عنّا.”
ساد الصمت لحظةً كأنّ الزمان تريّث ليلتقط أنفاسه قبل أن يعرض مشهدًا من أرشيف الذاكرة.
مدّ ظافر يده نحو الستارة الثقيلة كمن يزيح الحجاب عن تابوتٍ من الأسرار، وسحبها ببطء ليكشف عن مرآة ضخمة تعتلي الجدار خلف السرير كعينٍ قديمة لا تنام، شاهدة على البدايات والنهايات.
قال بصوتٍ يشبه الهمس حينًا والاتهام حينًا آخر:
“نظرتِ إلى هذه المرآة… قبل أن تنزعي خاتمكِ وترحلي، أتذكرين؟ “
تعثّرت أنفاس سيرين وكأنّ الأرض قد تخلّت عن ثباتها تحت قدميها.
شرارة من ذكرى مشوشة لم تكتمل ملامحها ومضت في خاطرها كبرقٍ خاطف يلسع القلب دون إنذار.
استدار نحوها وملامحه تخلّت عن أي أقنعة.
نظرة ثابتة وصوتٌ يخرج من أعماقه:
“هل سترحلين مجددًا؟”
ثم… دون أن ينتظر ردّها بدأ يخلع سترة بدلته بهدوء قاټل كمن يتخلص من طبقة من الزمن الملبّد بالأسئلة.
حركة واحدة… وسقط القماش الثقيل عن كتفيه.
يداه تابعتا طقوس الخلع ببطء مدروس، فك أزرار الأكمام ثم ياقة القميص واحدًا تلو الآخر كما يُزال قفلٌ عن صندوقٍ مدفون.
تصلّب وجه سيرين إذ اصطدمت بمشهدٍ لم تكن مستعدة لمواجهته، فـ
ارتدّ جسدها قليلًا إلى الوراء وكأنّ مسافة الأمان قد تآكلت فجأة.
نظراته لم ترحمها بل شقت طريق مباشر نحوها كسهامٍ من ڼار.
“لمَ لا تنظرين إليّ؟”، سأل بصوتٍ فيه نبرة تحدٍّ.
“ألم تقولي إنكِ تبحثين عن ذكرياتك؟”
جالت عيناه فوقها من رأسها حتى أخمص قدميها نظرات لا تكتفي بالمشاهدة… بل تسكن عند كل تفصيلة بها… أعينها الزائغة… ارتجافة شفتيها… ذاك العرق النابض عند عنقها… اهتزاز حدقتيها، ثم تلك الوجنتان اللتان تلوّنتا باحمرارٍ واضح كأنّ الډم قد هرب من قلبها واختبأ فيهما.
كان من المفترض أن تكون هي من تُغويه… هي من تُمسك بخيوط اللعبة.
لكنها شعرت للحظةٍ خاطفة وكأنها أصبحت هي الفريسة.
تماسكت بصعوبة ترفع رأسها ببطء لتجد أزرار قميصه الأبيض مفتوحة، وصدره العاړي بدا مشحون بالتفاصيل.
رفعت عينيها فالتقت بمقلتيه الداكنتين العميقتين، لم يكن حاله أفضل منها بل ارتعشت تفاحة آدم خاصته.
لم يفكر كثيراً بل أمسك بمعصمها برفقٍ مشوبٍ بالصلابة يجذبها نحوه وقاد يدها إلى صدره…
“المسيني” قالها بنبرة لا تعرف اللعب، وهمس مستكملاً بإغواء، “هل يبدو الأمر مألوفًا؟”
وضعت يدها على بطنه المشدود وحرارة جلده تسللت إلى أعصابها كسريان نبيذٍ معتق يشل الأطراف.
تظاهرت بالتماسك وهمست بشفاهٍ مزمومة تحاول كبح سيل مشاعرها:
“لا… ما زلت لا أتذكر شيئًا.”
لكن يدها خانتها فقد ارتجفت قليلًا وهي تتجوّل على تضاريس جسده كمن يقرأ خريطة حلمٍ لم يكتمل.
جسده اهتز بدوره استجابة لملمس باطن كفها الرقيق على بشرته وبدأت عضلاته في الانقباض لا إراديًا كأنّه يصارع رغبته الجامحة بها، فرغم كل ذلك كان يعرف أنها خائڤة، توترها واضح حتى وإن كانت تخفي ارتباكها خلف قناع امرأة خبيرة تعرف ما تفعل لكن الداخل… عاصف.
ارتجفت أناملها وهي تتلمّس تفاصيله كأنها تتحسّس بابًا كان موصدًا طيلة أعوام.
كل شبرٍ فيه يحمل توقيعًا من ماضٍ لم تمتلك شجاعتها يومًا فقد كانت تأتي كل ليلة خلسة إلى جناحه بعد أن يغلبه النعاس فقط لتحظى بلمسة تسرقها دون أن يشعر بها أو هكذا ظنت فهو كان يعي ما تفعله يشعر بها ويتصنع الغفوة.
همست لكن همسها كان مبحوحًا، مخنوقًا:
“قـ… قلبي… لا يفهم ما يفعله جسدي الآن.”
ابتسم ظافر ابتسامة رجل يعرف تمامًا كم اشتاقت إليه دون أن تنطق كلمة واحدة.
اقترب أكثر حتى صار بينهما هواءٌ مشبعٌ بالتوتر والرغبة.
رفع يدها برفقٍ وكأنها قطعة بلور يخشى أن تنكسر بين أصابعه ثم طبع قبلات خفيفة بباطن كفها، يهمس من بينها:
“جسدكِ يتذكّرني حتى وإن خانكِ عقلكِ سيرين.”
لم تُجبه لكن عينيها كانتا تتوهجان بشيءٍ أصدق من الكلمات.
عين امرأة حاولت أن تنسى ثم اكتشفت أن النسيان ليس اختيارًا… بل خېانة لعشق لم تحارب من أجله بل تخلت وهي تنتظره أن يبادر.
مرّر يده على شعرها ببطء كأنّه يمسح عنها غبار الغياب ثم مال برأسه إليها وهمس عند أذنها:
“أتعلمين؟ لا شيء في هذا العالم يشبهكِ… لا أحد يُشبهكِ حتى ذاكرتي خجلت حين حاولت أن تستبدلكِ.”
شهقت بصوتٍ خاڤت كأنّه يُسمِعها نغمة من لحن قديم كانت تظنه ماټ.
اقترب منها أكثر وهمس كمن يعترف داخل معبدٍ لا يسمعه فيه سواها:
“أحببتكِ… بكل رجولةٍ كنت أظنها صلبة حتى كسرتِها بنظرة من عينيكِ سيرين، كنت أحمق.”
أغمضت عينيها هرباً من سحره الذي بدأ يسيطر على حواسها وشعرت بأن الهواء من حولها صار أثقل… أعمق… مشبعًا بأنفاسه التي تحاصرها.
حين فتحت عينيها من جديد كان هو هناك… يراقبها كأنّها نجمة سقطت على سريره من سماء بعيدة.
قالت أخيرًا وصوتها يرتجف بين الشوق والخۏف:
“أخاف… أن أُخطئ الطريق إليك مجددًا.”
ضمّها إليه في لحظة، لحظة اختلطت فيها أنفاسهما حتى لم يعد يعرف أيُّهما يتنفس الآخر، يتمتم بخفوت:
“وهل يُخطئ القلب طريقه إلى موطنه؟”
سكنت بين يديه، لكنه كان يسمع دقاتها… تلك اللغة التي لا تُترجم، ولا تُكذب، ولا تعرف المجاملة.
كانت هناك بين أحضانه وكأنّ العالم الخارجي لا يخصّهما… لا المأدبة، ولا القصر، ولا الذكريات المبتورة…
فقط… هي وهو… كما كانا دومًا…
قبل أن تُطفأ الأنوار.
ابتسم ظافر بمكر… ابتسامته لم تكن عادية… كانت كسكينٍ يلمع في ضوء خاڤت تُخفي خلفها نواياه، ابتسامة واثقة واثقة لرجل يعرف تمامًا كيف يُجرِف امرأةٌ إلى حافة الجنون بنظرة، فكيف إن اقترنت بلمسة؟
في لحظةٍ خاطفة أطبق عليها ببين ذراعيه يخطفها إلى دفئه كما تُختطف الأنفاس بعد غطسةٍ طويلة في بحر الحنين.
رفعها بين يديه كأنها جزء من روحه قرر أخيرًا أن يستردّه، وأسندها إلى الجدار خلفها ببطءٍ محسوب يضيق الحصار حولها كأنّه يخبرها أن لا مهرب لها منه بعد الآن… ولا رغبة لديه بالفرار.
تلاقت أعينهما للحظةٍ، كانت تلك النظرة أكثر جرأةً من أي حديث، عيناه تهمسان بما لم ينطق به قلبه منذ سنين:
“أنتِ لي… شئتِ أم أبيتِ.”
وقبل أن تنبس بكلمة، اصطدمت شفتاه بشفتيها… لا كقبلة عابرة بل كاجتياحٍ ناعم مدروس، كأنّهما عاشقان تائهان قد وجدا بعضهما بعد عمرٍ من الفقد… لا بل هما كذلك وإن كابر الطرفين.
كان يقبّلها كمن يكتب رسائل طويلة بأنفاسه، كمن يسكب بين شفتيها كلّ ما لم يجرؤ على قوله دفعة واحدة، وكانت تتلقّى القبلة كمن كان ينتظرها دون وعي منذ أزل.
ارتجف الحائط من خلفها كما ارتجف قلبها بين ضلوعها، وامتزجت روائحهما في الهواء عطرها المألوف الذي لطالما استعمر ذاكرته بأنفاسه المتلهفة، وصوت واحد فقط هو من طغى إنه نبضه السريع الذي بات يعلو على صمت الغرفة.
في تلك اللحظة لم يكن هناك قصر ولا ماضٍ ولا وعود.
كان هناك جسدان يتذكران
وروحان تتعانقان من جديد…
أما في الأسفل كانت المأدبة قد بدأت تُزهر كأرضٍ عتيقة نالها المطر بعد سنين عطش تتوافد إليها الأسماء الثقيلة كالنيازك وتتعطر القاعة بأثواب الفتيات الفاخرة وهمسات الأمهات المحمّلة بالأمنيات المكتومة.
وشادية رغم تزيّنها بأبهى ما في خزائنها، لم تكن حاضرة بالقلب بل كانت تترقّب… تبحث عن ظلّ ابنها في الوجوه وتتحسّس حضوره كما تتحسّس الأم حرارة طفلها في ليل الحمى…ولكن لا أثر، وهذا بالرغم مما قاله لها سائقه الذي أخبرها بأن ظافر عاد إلى جناحه.
عادت كلمات الفتيات اللواتي التقت بهنّ قبل قليل ترنّ في رأسها:
بنات العائلات، صالونات الأُنس، وعيون تلمع برغبة الصيد.
ومع كل اسم سمعته كانت صورة زكريا تنبت في قلبها كزهرة شوقٍ للغد.
طفل… يحمل ملامحهم.
حفيد… يُعيد شباب الظافر في جسدٍ صغير.
لم تحتمل.
صعدت شادية الدرجات كما لو أنها تصعد إلى قدرٍ تُحبّه وتخشاه معًا وحين وصلت إلى باب جناحه وجدته مواربًا كما لو أن القدر ترك لها نافذة للعبور.
دفعت الباب بخفةٍ…
وفي قلب الغرفة بين الظلال المتراقصة على الجدران.
كان ظافر يحتضن سيرين…
وشفاههما منسوجة في قبلةٍ لا توصف كأنها صلاةٌ لا تُقال إلا بالجسد.
تراجعت شادية بخطوة كمن أجج المشهد روحها، لكن عيناها ظلّتا مسمرتين عليهما ورغم كرهها القديم لسيرين
إلا أن مشهد تلك القبلة أوقد في رحمها أمنية دفينة وهي:
أن تحتضن حفيدًا قبل أن تتقوس قامتها تحت ثقل الأيام.
في ترددٍ صامت استدارت ورحلت…
تاركة الباب نصف مفتوح كأنها لا تريدهما أن ينسيا أن الزمن يراقب.
في الداخل، كانت سيرين نصف غائبة عن العالم، لاهثة، مشوشة كأن القبلة سلبت منها ذاكرتها لا استعادتها.
والمريب في الأمر… أن ظافر لم يتجاوز القبلة… لم يتوحش، لم يُكمل، تركها معلقة بين الحلم والتنهيدة.
عقدت حاجبيها، وڠضبها الخجول أقرب لغيرة من الماضي لا من الحاضر.
رفعت يدها بخفةٍ مرتعشة تمتد نحو موطن هدفها منه.
وحالما استشعر ظافر جرأة لمساتها اهتزت تفاحة آدم خاصته بشكل ملحوظ يبتلع بإثارة، وتوترٌ مكتوم ارتسم على عضلات وجهه.
وفجأة أمسك بيدها وعيناه كهوتان من الليل، لا قرار لهما… يقول بصوتٍ منخفض لكنه حاد كالسيف:
“هل جئتِ لتستعيدي ذاكرتك… أم إنك تريدينني؟”