رواية عودة الوريثة القوية_عودة الوريثة الضائعة الفصل 6

Close-up of hands holding vibrant yellow daisies, showcasing natural beauty and floral pattern.

6

صُعِقت “آنا” حينما لمعت على شاشة الهاتف كلمة لم تكن تتوقع رؤيتها… اسم “جاستن”، وقد ظهر بوضوحٍ على معرف المتصل في يد “آشير”.

التفت إليها، وعيناه تترجمان التردد، ثم سأل بنبرةٍ خافتة:
ــ “هل أُجِيب؟”

ــ “نعم… بالطبع!” أجابته دون تفكير، كأن قلبها سبَق لسانها.

وضع آشير المكالمة على مكبر الصوت، فانبثق صوتٌ خشنٌ أجش، وكأنّه قادمٌ من جوف عاصفة:
ــ “السيد تومسون، هل… زوجتي معك؟”

تشنّج وجه بيلا، وانعكس الغضب في عينيها كوميضِ شرر، فما أثارها لم يكن السؤال، بل كلمة “زوجتي”، وكأنّها طلقة خرقت سكون ما تبقّى من كرامتها.

ــ “السيد سلفادور، رجاءً… انتبه لما تقول. أنا لم أعد زوجتك، بل أصبحتُ… زوجتك السابقة.”
قالتها بنبرةٍ حاسمة، وكأنها تُسقط ورقة كانت ثقيلة على قلبها منذ زمن.

ارتعش صوت جاستن وقد ازداد عمقًا، كأنه ينحدر من بئرٍ مظلم:
ــ “آنا براون… إذًا أنتِ معه فعلًا؟”

أطبقت أنفاسها، وتناهى إلى قلبها طنين من الأسى، لكن صوتها خرج صلدًا:
ــ “أين كنتَ تريدني أن أذهب؟ أبقى في منزلكم وأنتظر لحظة طردٍ لا تعرف الرحمة؟”

ــ “كم أنتِ جاحدة!” قالها بنبرةٍ ممزوجة بالخذلان، لكن عين بيلا كانت جافة، كأنها تعبت من البكاء.

قال جاستن بصوت خافتٍ لكنه متماسك:
ــ “كفى تسرّعًا… لم ننتهِ من إجراءات الطلاق بعد، ولهذا، فأنتِ لا تزالين زوجتي أمام القانون. عليكِ على الأقل مراعاة صورة شركة سلفادور… وسمعتك أنتِ أيضًا!”

قهقهت بيلا بسخريةٍ موجعة، ورفعت حاجبًا كأنها تزن تلك الجملة في كفّ ميزان:
ــ “سمعتي؟ هل تذكر روزاليند؟ جئتَ بها إلى قصر “تايدفيو” ونحن ما زلنا متزوجين… وأجبرتني على توقيع أوراق الطلاق كما يُجبر العبد على بصمة العتق. هل سألتَ نفسك يومًا: كيف كانت مشاعري؟”

تابعت ببرودٍ قاتل:
ــ “أنا أعامل الناس كما يعاملونني، جاستن. وهل من المفترض بعد كل ما فعلته، أن أظلّ حاميةً لهيبة شركتك؟ لقد تركتُ لقبي كزوجة الرئيس التنفيذي لحبيبتك. اذهب إليها إن كانت شركتك تعني لها شيئًا.”

قال بقلقٍ ظاهر:
ــ “أنا فقط… خائف على سمعة الشركة!”

جلس آشير بهدوء، ورفع حاجبيه قليلًا وهو يحتسي رشفة من الشاي، مراقبًا المشهد كأنّه يشاهد عودة محاربٍ من منفاه.

هذه هي بيلا الحقيقية… المرأة التي كانت ذات يوم زوجة مطيعة، صامتة، لا تشكو ولا تعترض، كانت مجرّد قناعٍ ناعمٍ خلقته خصيصًا لأجل جاستن.

أما الآن، فقد سقط القناع.
وبيلا عادت… تلك التي لا تُؤخذ كأمرٍ مسلّم به.
عادت كما يجب أن تكون: جريئة، عنيدة، ومرآةً لما لا يحتمل أحد رؤيته في نفسه.

لم يكن في صوت “جاستن” سوى صدًى باهتٍ للإرهاق، كأنما تنهّده كان يتكئ على جدار من التعب:
“لا وقت لديّ للنقاش الآن… جدي في المستشفى، ويرفض تناول دوائه ما لم يركِ. يطلبكِ بالاسم.”

ارتعش قلب “بيلا” في صدرها كعصفور باغتته رصاصة في جناح الغياب.

رغم كل ما كان، ورغم أن علاقتها بجاستن كانت قد احترقت حتى آخر رماد، إلا أن “نايجل” كان استثناءً بشريًا نادرًا في عائلةٍ لا تعترف إلا بالوجوه الجامدة. كان الوحيد الذي مدّ لها يدًا حانية في سنواتها الثلاث داخل قفص سلفادور الذهبي. حين رحلت، لم تلتفت خلفها… لكنها افتقدته.

قالت دون تردد:
“إنه في مستشفى كانساس، أليس كذلك؟ سأذهب لاحقًا لرؤيته.”

أغلقت الهاتف وتنهدت ببطءٍ غارق، كأنما قلبها ثقيلٌ بأثقالٍ لا تُرى.

“سأرافقكِ،” عرض “آشير” بنبرة لم تخلُ من اهتمام.

هزّت رأسها، ورفعت كفّها بعفويةٍ تنمّ عن ضيق مكتوم:
“لا حاجة… سأذهب فقط لأطمئن على جدي، لا أريد إعطاء جاستن سببًا جديدًا لتأجيج الصراع. وجودك سيصبّ الزيت على النار. سأقود بنفسي.”

في ردهة المستشفى، وقف “جاستن” و”إيان” كتمثالين من قلقٍ مجهول المصدر، يحرسان باب جناح “نايجل”.
بخطواتٍ مسرعة، دخلت “بيلا” المكان.
لم تر “جاستن” منذ أيام، لكنها لاحظت من الوهلة الأولى أن وجهه فقد بعضًا من امتلائه… وقدرًا أكبر من صلابته.

حدثت نفسها بسخرية:
“ما شأني؟! لا يهمني إن فقد وزنه أو روحه! لا يعنيني إن ذبل أو اختفى!”

لكن طرقات كعبها الحاد على الأرض أخرجتهما من ذهولهما.
عندما رفعت “بيلا” رأسها، كان “جاستن” يحدّق إليها بذهولٍ شاحب، كأنما رآها للمرة الأولى… ولم يرَ من قبل.

لم تعره اهتمامًا. وجهت حديثها مباشرةً لإيان:
“سيد هاريس، كيف حال جدي؟”

بدا على “إيان” الارتباك، وكأن المشهد انقلب عليه رأسًا على عقب:
“سيدتي الشابة… أأنتِ حقًا… أنتِ؟”

كانت امرأةً أخرى تقف أمامه.
امرأة بملامح نضجت كأنها خرجت للتو من غرفة طقوسٍ خفية.
مكياجها يسرق النظر دون ابتذال، شفاهها بلونٍ أحمر يشبه التمرد، وبدلتها السوداء النحيلة تنحت خطواتها بثقة.
تلك البروش الماسي على صدرها، على هيئة فراشةٍ ياقوتية، لم يسرق انتباهه قدر بريق عينيها… عيني امرأة خرجت من الحطام وهي أقوى.

في تلك اللحظة فقط، أدركت “بيلا” أنها نسيت ارتداء القناع:
لا الفستان الأبيض الرقيق، ولا الحذاء الرياضي الساذج الذي اعتادته بشخصية “آنا براون” الصامتة.
جاءت كما هي، بلا تنكر… جاءت “بيلا”.

قالت بتهكم رقيق:
“نعم، أنا من الواقع… لماذا تبدو مصدومًا هكذا؟ ألستَ معجبًا بمظهري الجديد؟”

هز رأسه وقد انعقد لسانه لحظة:
“لا… بل تبدين أجمل بكثير. أقوى، أكثر إشراقًا… كأنكِ خرجت من الظل أخيرًا.”

ابتسمت ابتسامة جانبية، وقالت:
“ربما لأنني فعلًا خرجت. خرجت من الجحيم، ورأيت النهار… طبيعي أن أبدو مشرقة.”

شحب وجه “جاستن” قليلاً، كأن كلمتها صفعت ذاكرة ندمٍ داخله.
نطق متحشرجًا:
“إن كنتِ ترين منزلي جحيمًا… لماذا بقيتِ فيه لثلاث سنوات؟ أخبرتكِ مرارًا أنه يمكنكِ الرحيل، أن تفسخي العقد متى شئتِ… كنت سأسمح لكِ برؤية جدي متى طلبتِ، دون الحاجة لتحمل… السجن.”

نظرت إليه لحظة، صامتة، كأنها كانت تتفحص كلماته… أو ما تبقى من صورته في ذاكرتها.

لبثت بيلا لحظةً تتأمل وجهه، ثم قالت بنبرة كأنها تشقّ الهواء حدّة:
“عشتُ معك ثلاث سنوات، لا لشيء سوى أن أفي بوعدٍ قطعته على نفسي… لكنك اليوم، سيد سلفادور، رجلٌ حر. من الآن فصاعدًا، لك أن تدخل من تشاء إلى عتبة دارك، دونما حاجةٍ للتسلّل خلسة للقاء عشيقتك.”

قالتها بسخرية مغلّفة بابتسامة لا تزال تحتفظ ببقايا فتنتها.
كان الجرح ما زال حيًّا، يتنفس بينها وبينه.

اختنق صوت جاستن وهو يحاول الرد، لكن كلماته تعطّلت في ممر حلقه الضيق.
كيف يمكن لتلك المرأة أن تكون بهذا التناقض؟ بدا كأنها تشتعل جموحًا بعد الطلاق، وتغدو أكثر إثارة بحدة حضورها مما كانت عليه بملامحها الوادعة المنقادة.

رمقها بنظرة طويلة، عينه تتوهج بدهشة الإعجاب ووجع الندم.

“جاستن!”
التفت كلاهما على صوتٍ نسائيٍ متسارع، ليجدا روزاليند وشانون تتقدمان بخطى قلقة.

شحب وجه روزاليند حين وقعت عيناها على بيلا، ولمع في نظرتها بريقٌ حاد، كأنها تخفي خلف ابتسامتها المرسومة سكينًا مسمومة.

“ماذا تفعلين هنا؟” سأل جاستن، مستغربًا.

وقبل أن يستكمل كلماته، انزلقت روزاليند بين ذراعيه في حركة محسوبة، ثم أحاطت خصره بذراعيها.

قالت بملامح مهتزة ومفردات مشبعة باللوعة:
“جاستن… كيف لم تخبرني بأمرٍ كهذا؟ ألستُ واحدة من عائلتك؟”

أضافت شانون، وهي تلوح بانفعال:
“لم ترَ روز حين علمت بما حدث لجدّك. كانت في حالة صدمة… تقيأت كل ما تناولته على الغداء.”

ارتسمت الدهشة على وجه جاستن، وعيناه تمتلئان قلقًا:
“هل هي بخير؟ لما تقيأت؟”

تنهدت شانون وهي تضع يدها على كتف ابنة أختها:
“تعلمين أن روز تعاني من مشاكل في المعدة. خوفٌ بسيط يجعلها تتوعك… راجعنا أطباء كثر، ولم نجد علاجًا حتى الآن.”

قال جاستن، وكأن قلبه قد استنفر حنانه:
“سأجد طبيبًا مناسبًا… وإن تطلب الأمر، سأسافر بها للخارج.”

ثم ضمّ روزاليند إليه في رفق، كأنما يحميها من العالم.

في هذه اللحظة، هبت إلى ذاكرة بيلا لحظة مهجورة… حين اضطُرت ذات يوم إلى الذهاب للمستشفى وحدها، ينهشها ألم إنفلونزا المعدة، تتصبب عرقًا ويغيب لونها عن وجهها… ولم يسأل عنها أحد.
كان جاستن يعلم كيف يعتني… لكنه ببساطة لم يجدها جديرة.

حدقت روزاليند في بيلا، ثم اقتربت همسًا وهي تراقبها بغِلٍّ مكتوم:
“ما هذا؟ كيف أصبحتِ بهذا الجمال؟ أهذا البروش… أليس من تصميم أليكسا؟ ثمنه ملايين! من أين لكِ بكل هذا الثراء، أيتها الريفية التافهة؟”

توسّلت شانون إلى جاستن:
“دع روز ترافقك لرؤية جدّك… لقد كانت تبكي طوال الطريق.”

أما بيلا، فقد وقفت بملامح جامدة، لا مبالية بجاستن، ولا بسائر أفراد آل سلفادور. لقد تجاوزت مرحلة الحاجة، وصارت في منطقة لا يصلهم إليها صوت ولا ظل.

وإذا بصوت رجولي يقطع السكون:
“السيد سلفادور طلب التأكد من وصول حفيدته.”

التفت الجميع نحو “مات أبتون”، سكرتير نايجل، الذي خرج من غرفة الجناح.

انقبض وجه روزاليند، والغيرة تخدش جبينها رغم محاولتها التماسك.

تقدّمت بيلا بخطى واثقة وهمست:
“أنا هنا، عم مات.”

لم تصحح له الخطأ في مناداتها، فقلقها على نايجل قد طغى على قواعد البروتوكول.

ابتسم مات وقال للحارس:
“اسمح للسيدة الشابة بالدخول… مع السيد جاستن.”

دخلت بيلا دون أن تنطق بكلمة.
ولم يتأخر جاستن، بل تبعها في صمتٍ مشحون.

“جاستن… انتظرني!”
نادته روزاليند، لكنها وجدت يد مات تعترض طريقها.

“عذرًا سيدتي، السيد نايجل أوصى بلقاء حفيده وزوجة ابنه فقط. لا أحد سواهما… يُمكنك المغادرة.”

جميع الفصول من هنا

رواية عودة الوريثة القوية_عودة الوريثة الضائعة 7

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top