رواية غرام عكس التيار للكاتبة أسماء حميدة الفصل الأول

Side view of a couple sharing an intimate moment with closed eyes under soft lighting.

للحظة، شعرت چوانا بالتردد كانت لا تزال محرجةً من قربها منه لكن مع سيل أسئلته المتتالية رفعت رأسها أخيراً إليه تحدّق فيه بمللٍ خفيّ لكنه بدا وسيمًا حد اللعنة وبالرغم من هذا فهي لم تكن في مزاج يسمح لها بالاستمتاع بذلك.

“لو كنت أعرف أين نحن، لما قضيت سبعة أيامٍ كاملة هنا أليس كذلك؟”، قالت بنبرةٍ مشحونة بالسخرية.

ثم زفرت بانزعاج وهي تضع آخر لمسة على الجرح قبل أن تضيف بتهكمٍ خفيف:

“إن كان لديك المزيد من الأسئلة يمكنك الاحتفاظ بها حتى ترى معلمك… أو ربما، فقط ربما يمكنك توفير طاقتك والاستلقاء بدلًا من إثقال كاهلي بالحديث.”

رمقها تسلية بالرغم من حالته المزهرية يتمتم بعتاب مصطنع:

“هذه ليست الطريقة التي ينبغي أن يتحدث بها الطبيب مع مريضه.”

قالها الرجل بصوتٍ متحشرج مشوبٍ بالتماس ساخر، وعيناه تضيقان وكأنه يزن كلماتها في ميزان الكبرياء.

“عفوًا؟” ارتفع حاجبا چوانا ببرود، بينما كانت عيناها جامدتين كصفائح الجليد ثم أضافت بنبرةٍ خاليةٍ من الود:

“وهل هذه هي الطريقة التي ينبغي أن يتحدث بها المريض مع مُنقذه؟”

تقلصت ملامحه والتوت شفتاه في عبوسٍ واضح قبل أن يتنفس ببطء كمن يضبط انفعاله.

“أنتِ وقحة، يا امرأة.”

لم تتراجع چوانا بل رمقته بنظرةٍ نارية قبل أن ترد بحدةٍ مماثلة:

“وأنتَ رجلٌ يفتقر إلى الذوق.”

تلاقت نظراتهما وكأنهما سيفان متشابكان في صراعٍ صامت حتى صار التوتر في الهواء ملموسًا يكاد يُشعل الأجواء بينهما أكثر من نارها التي خمدت قبل قليل.

لكن في النهاية كانت چوانا هي من قررت إنهاء المعركة غير المجدية فزفرت بضيقٍ ووقفت مستديرةً نحوه:

“المطر يهطل بغزارة وسيصبح الطقس أكثر برودة مع حلول الليل، سأشعل النار مجددًا… فقط ابقَ مكانك.”

تحركت مبتعدةً لكن صوته لحق بها أكثر هدوءًا هذه المرة:

“مرحبًا.”

استدارت نحوه سريعًا وقد نفد صبرها بالفعل، فخرجت كلماتها كصراخ من بين شفاهها المزمومة تقول مختصرة بكلا راحتيها:

“ما الذي تريده هذه المرة؟”

كانت چوانا في سباقٍ مع الزمن وإن لم تُشعل النار الآن فسيُصبح البرد عدوًّا لا يرحم هذه الليلة.

فتح فمه ليتكلم لكن بدلًا من ذلك اكتفى بتمتمةٍ مقتضبة:

“لا شيء.”

رفعت چوانا حاجبها ثم أدارت عينيها بيأسٍ قبل أن تعود إلى مهمتها فإشعال النار على هذه الجزيرة الرطبة لم يكن أمرًا يسيرًا.

الطريقة الوحيدة المتاحة كانت عبر حفر الخشب حتى تتولّد شرارة من احتكاك الصخور ربما تنجح في إضرام النار بالخشب، ظلّت چوانا تدعك القطعتين ببعضهما دقيقة بعد أخرى حتى بدأ اللهب يتراقص أخيرًا، كان ضئيلًا لكنه ينبض بالحياة، غير أن القدر لم يمنحها سوى لحظاتٍ من الأمل إذ هبّت الرياح بعنفٍ وكأنها يدٌ غير مرئية تمتدّ لتسلبها نجاحها الهش وانطفأت الشعلة مخلفةً وراءها خيبةً ثقيلة.

ثم جاء صوته مجددًا:

“مرحبًا.”

لم تتحمّل فاستدارت نحوه صارخة:

“ماذا الآن؟!”

لكن قبل أن تكمل ثورتها سمعا معًا صوت ارتطام شيءٍ معدني بالأرض.

خفضت چوانا نظرها فتوسعت عيناها في دهشةٍ بطيئة،وتمتمت بغيظ:

-قداحة “ولاعة”؟!

أومأ برأسه في إيجاب مستفز مردفاً:

-أوه!

تجمدت لثوانٍ قبل أن تنفجر صرختها الغاضبة:

“ألم تكن تمتلك هذه طوال الوقت أيها الوغد؟ !”

أغمض الرجل عينيه في هدوءٍ مستمتعًا بردّة فعلها ثم استدار عنها بلا مبالاة، لكن شفتاه كانتا انفرجتا مفصحتان عن ابتسامةٍ صغيرة تكاد لا تُرى.

حلّ الليل سريعًا باسطًا عباءته الداكنة فوق الجزيرة المهجورة حيث لا يسمع إلا صوت ارتطام الأمواج بصخور الشاطئ البعيدة وأنين الرياح وهي تتسلل عبر شقوق الكهف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top