رواية مرايا الروح الفصل التاسع 9 بقلم فاطمة الالفي

old people, ship, lonely, windows, old people, ship, lonely, lonely, lonely, lonely, lonely

“الفصل التاسع”

كانت تجلس على طرف السرير، ظهرها منحني قليلًا، كأن جسدها يحمل ثُقلا أكبر مما تستطيع احتماله، أنفاسها مضطربة، وعيناها مثقلتان بالدموع تأبى أن تتوقف.
عندما استمعت لرنين هاتفها، ارتجفت يدها وهي تلتقطه من أعلى الكومود، نظرت لشاشته كأنها وجدت أخيرا ملاذها الذي تبوح ما يثقل روحها المفتتة، وضعتها على أذنها، تجيب بنبرة باكية :
-راكان … أنا محتاجلك أوي..
-على الطرف الآخر، خرج صوته متلهفًا، يتساءل بقلق:
-شو فيكِ مريم ؟ ليش ها الدموع حبيبتي ؟
ثم هتف بصوت دافء: مريم، عم تسمعيني…. ، فيكي تهدي؟
شَهقت بصوت مخنوق، رفعت يدها لتجفف دموعها بعنف، لكن رغم محاولتها، لم تختف آثار الحزن عن وجهها:
-هديل مش بخير، وأنا حاسة بالذنب، مش قادرة أسامح نفسي.
خرجت الكلمات وكأنها انفجارٌ مكتوم، ليست مجرد جملة، بل اعتراف, حمل معه ثِقل المشاعر التي حاولت أن تكتمها طويلًا.

أما راكان لم يقاطعها، ترك لها المساحة، لكي تفيض بمشاعرها الدفينة، لكنه سألهَا بهدوء، كمن يُحاول أن يصل إلى الجذر الخفي للألم:
-ليش؟ شو بها هديل؟
استنشقت بعمق، وكأنها تُحاول أن تجمع شتات نفسها، ثم بدأت تُحكي… عن الماضي، عن السنوات التي ظنت أنها دفنتها، عن الألم الذي عاشته هديل منذ طفولتها، عن والدها الذي كان السبب في كل هذه المعاناة.
وهو يستمع، لم يكن بحاجة إلى الكثير من الكلمات ليدرك حجم الألم، لكن حين تحدث أخيرًا، كان صوته يحمل شيئًا من الطمأنينة التي احتاجت إليها:
-ما تجلدي حالك يا مريم، هديل راح تتعالج وتكون منيحة، ظلك جنبها، لا تفكري بالماضي، انتي مالك ذنب، لا تفكري إلا بهديل وقديش هي بحاجتك.
كان حديثه بسيطًا لكنه حمل معه شيئًا من الأمان، شيئًا من الحقيقة التي لم تستطع أن تُدركها وسط تأنيب ضميرها، لم تكن الكلمات مجرد عزاء، بل كانت طوق نجاة، محاولة لإنقاذها من الغرق في الذنب الذي لم يكن لها يدٌ فيه، ثم همست بصوتٍ أقرب للرجاء:
-أتمنى يكون كلامك صح يا راكان… وهديل تتعافى
حاول زرع الطمئانينة داخلها وقال:
-بأذن الله راح تتعافى وتصير منيحة ، لا تبكي ارجوك ِ، لا تتعبين قلبي وأنا هون بعيد عنكم .
صوته قادرًا على بث الطمأنينة والسكينة داخل قلبها، أنهت مع المكالمة وكأن جبلا من الهموم زال عن كاهلها، عليها أن تكون قوية لكي تجعل ابنتها تتخطى العثرات وتمشي في درب الحياة دون التطلع إلى الوراء، عليها كسر القيود وتحرير الماضي المؤلم من أذهانهم، فيكفي جلدًا للذات….
❈-❈-❈
خيم الليل بظلاله الثقيلة على الطريق، الأضواء تتناثر على الإسفلت مثل قطعٍ متناثرة من الهدوء، لكن داخل السيارة، لم يكن هناك أثرٌ لهذا السكون، بل كانت الأجواء مشتعلة، كأن الغيرة أضرمت نارها بقلب تيا.
لم تستطع التظاهر أكثر، لم تهدأ، كانت تنتظر انتهاء الحفل، فقد كانت مشاعرها لا تزال تُحاصرها، تُطاردها، تجعلها عاجزة عن التفكير في أي شيء آخر سوى تلك اللحظة التي رأته فيها مع لميس، يضحك معها بانسجام، وكأن العالم لم يكن يحمل سواهما.
على حين غرة التفتت إليه، صوتها خرج حادًا، مُحمّلًا بالغضب:
-ممكن تقولي مين لميس دي؟
بينما هو يُركز في الطريق الذي أمامه، لكن طالعها بنظرة خاطفة، كافية ليُدرك أن هذه الليلة لن تمر بسلام، فاستنشق بعمق، ثم أجابها بهدوءٍ مُتعمد، كأنه يُريد أن يُخمد العاصفة قبل أن تطيح بهما:
-أنا عرفتك عليها وقلتلك تبقى مين، بطّلي بقى غيرة مجنونة.
لكن هذه الجملة كانت كافية لتُشعلها أكثر، كأنها صبّت الزيت على نارها، فانفجرت، ارتفع صوتها بحدة، عيناها تحملان خليطًا من الأذى والغضب:
-ما تقولش مجنونة! أنا بحبك وبحافظ عليك!
ابتسم بسخرية، لم يكن يريد أن يُفاقم الأمر لكنه لم يستطع كبح رده الذي خرج بتصحيحٍ ساخر لكلماتها:
-إنتِ ست العاقلين، مش مجنونة، ممكن تسبيني أركز في الطريق؟
لكنها لم تتراجع، لم تكن مستعدة لأن يُنهي الحديث بهذه البساطة، كانت تحتاج إلى إجابة تُشفي شكوكها، إلى تفسير يُخفف من تلك الغصة التي علقت في صدرها:
-لا، مش قبل ما تصارحني، أنا شُفتك منسجم جدًا معاها وبتتكلموا وتضحكوا، افهم أنا إيه؟
زفر بحدة، كان الضجر واضحًا في نبرته، لم يكن يرى المشكلة كما تراها هي، لم يكن يفهم لماذا يتحول لقاء عابر إلى معركةٍ مُشتعلة:
-تفهمي إيه؟ مش فاهم، بطّلي شك فيا بقى! لميس صديقة أيّام الجامعة، ما شوفتهاش من وقت ما اتجوزت مؤنس وسافروا، اتفاجأت بيها النهاردة، شوفتها صدفة بس.
لم تُقنعها كلماته، لم تُهدئها، بل زادت من تساؤلاتها، فتابعت بضيق:
-وفين صاحبك؟ مجاش معاها ليه؟
تأفف بعمق، شعر بالنفاذ صبره، فأجاب بنبرة أكثر حدة:
-هي رجعت لوحدها، ومتفقين على الطلاق.
لم تمنحه فرصةً ليُكمل، لم تُمهله لحظة ليُفسر، بل صرخت بجنون، كأن هذه الجملة كانت القشة التي جعلت الغيرة تتحول إلى عاصفة هوجاء لا يمكن السيطرة عليها.
-يعني هتطلق.. وجايلك أنت القلب الحنين مش كده؟ مقابلتها أنهاردة مش مجرد صدفة ، دي مترتب لها.
بحركة غير محسوبة، ضرب بكفيه محرك السيارة، فقد السيطرة على الفرامل، لم يكن أمامه وقت لاستعادة التركيز، فانزلقت السيارة بسرعة، دارت بهما عدة مرات، ثم اصطدمت بقوةٍ بالرصيف.
توقف الزمن بهما فجأة ، لم يعد هناك أصوات سوى صوت ارتطام الحديد بالرصيف، صوت الفرامل التي لم تستجب في الوقت المناسب، صوت القلب الذي يقرع بجنون داخل صدره.
عيناه متسعة يُحدق أمامه بصدمة، لحظة انحراف السيارة، لم يكن هناك وقتٌ للتفكير، فقط رد فعل غريزي، محاولة مستحيلة لاستعادة السيطرة.
ضُغطت أنفاسه للحظة، لكنه لم يهتم، لم يكن الخوف على نفسه، بل على تيا الجالسة بجواره، على قلبه الذي ارتجف أكثر مما ينبغي.
كل شيء حدث في ثوانٍ لكنه بدا كأنه يتباطأ، كأن الزمن يُمدد عذابه ليجعله يختبر الصدمة بكل تفاصيلها، رأى أمامه الرصيف يقترب، لم يسمع أي شيء سوى دقات قلبه العنيفة، وكأنها تحاول أن تذكّره بأنه لا يزال حيًا.
جسده مشدودًا، لكن عينيه كانت تبحث عنها، عن سلامتها، عن أي حركة تُخبره بأنها بخير، بأنهم خرجوا من هذا دون خسارة، حين توقفت السيارة، خرج صوته مبحوحًا، بالكاد نطق كلماته وهو يلتفت إليها بصعوبة:
-تيا… أنتِ بخير؟ حاسة بحاجة؟
كانت نمكشة على نفسها بالمقعد، جسدها يرتجف بذعر، الان فقط كفت عن الصراخ والانفعال وتملكها الخوف والصمت معا، زفر أنفاسه في محاولة منه لتخفيف عبء تلك اللحظة ، ثم سحبها إليه، طوقها بذراعيه، يحاول أن يطمئنها أنها بخير ولم يحدث لهما شيئًا، خرجًا ناجين، قبل أن تنقلب بهما السيارة في حادث كهذا.
-الحمد لله ، قدر ولطف..
أثر الصدمة محفورا على ملامحها، لم تنبس بشفه، أما عن “نادر” حاول استجماع شتاته وهو يزفر أنفاسه ببطء ، لكي يعاود القيادة مرة أخرى.
أراح جسدها المُتعب بجانبه وبدء يقود سيارته بهدوء ومن حين لآخر ينظر لها متفقدًا إياها ، إلى أن مرت ساعة لكي يصل أخيرا إلى منزله، وكأنها لم تستطيع الوقوف على قدميها ، حملها نادر برفق وصعد بها إلى حيث غرفتهما ، ساعدها على تبديل ثيابها ثم دثرها بالفراش وابدل هو ثيابه ثم مدد بجسده المنهك بجوارها، وضع ذراعه الايسر على جبينه بشرود متذكرًا كل تفاصيل الحادث، منشغل العقل ولا يعلم كيف سيتخذ قرارًا مع هذه الزوجة المجنونة التي سوف تقتلهما بنوبة جنون كهذا..

❈-❈-❈

تراقصت خيوط الشمس الذهبية على أسطح المباني ، وامتد نورها ليغمر المدينة بدفئها ، يوقظ أولى لحظات اليوم ، بينما الهواء يحمل نسمات ناعمة تُعلن بداية الصباح ..
وضوء الشمس يتسلل برفق عبر النوافذ، يلامس الأجواء بهدوء داخل الغرفة، كانت راما تقف أمام المرآة، تُهندم ثيابها، تمشط خصلاتها البنية بانسيابية، بينما على مقربة منها، كانت هديل تُنهي انتعال حذائها، تُراقبها بنظرة تحمل استعجالًا لطيفًا، وهمست بصوت خافت:
-هنتأخر كده يا راما!
رفعت راما حاجبها بخفة، نظرت إليها وأرسلت لها غمزة مرحة، ثم هزّت كتفيها بلا اكتراث:
-ما في تأخير، تعي بحط لوجهك ميكاب!
ضحكت هديل بخفة، لكنها التقطت حقيبتها ودفتر محاضراتها وهي تهز رأسها بإصرار:
-لا يا شيف، شكرًا، أنا كويسة كده!

غادرت الغرفة بخطوات مسرعة، تبعتها راما بعد أن ضحكت برقة، تعلم أن هديل ليست ممن يُحبون التفاصيل الصغيرة في الزينة.
لكن قبل أن يخرجن من المنزل، كانت هناك محطة إلزامية: الإفطار.
لم تسمح لهما”مريم” بالذهاب دون تناول شيء، فالتقطت هديل لقيمات صغيرة فقط لترضيها، ثم طبعت قبلة سريعة على خدها قبل أن تغادر باتجاه باب المنزل.
أما راما، فكان لديها حلٌ آخر، أعدّت لنفسها شطيرة جبن، أمسكت بها وهي تسير بجوار هديل، تقضم منها بلا استعجال، بينما كانت تودع مريم بابتسامة دافئة.
استقلتا سيارة أجرة، نحو الجامعة، وقد كانًا طوال الطريق منشغلين بالثرثرة المعتادة، الأحاديث الصغيرة التي تُلون صباحهما دون أن يشعرن.
فاليوم، بعد انتهاء المحاضرات، كان لهديل خطوةٌ جديدة، موعدٌ عند الطبيبة، وهذه المرة ستذهب وحدها، وشجعتها راما بحماس، دفعتها لمواجهة الأمر بثقة، و يتشاركان الضحك والكلمات التي تُشعر هديل بأن هذه التجربة ليست مُقلقة على الأطلاق.
من يراهما لأول مرة، يظن بأنهما شقيقتان، يعتقد أن بينهما رابط الدم، لكن بمجرد أن تتحدث راما، تنكشف لكنتها الفلسطينية، تُضيف إليها شيئًا يميزها، شيئًا يجعلها مختلفة عن هديل، رغم أن بينهما ما هو أقوى من مجرد اللغة… إنه رابط الروح.

❈-❈-❈
لم ينم طوال الليل، كانت الأفكار تحاصره، يملأ رأسه صخبٌ لا يمكن إسكاته، بحاجة إلى أن يتحدث، أن يُفرغ ما بداخله، أن يجد شخصًا يسمعه دون أحكام.
منذ شهور، كان يتابع مع حاتم، زوج الطبيبة ضي، كان يستمع له، يُشاركه مخاوفه، لكن بعد وفاته، شعر أن هناك شيئًا ناقصًا، أن هناك حديثًا لم ينتهي، أن عليه أن يذهب إلى ضي، إلى المرأة التي ربما كانت ستفهم طبع زوجته أكثر من أي شخص آخر.
في الصباح حسم أمره، نظر إلى تيا، كانت غافية، لم يُرد إيقاظها، فقط اكتفى بأن يتأملها للحظات، ثم نهض ليستعد للخروج.
استقل سيارته، لكن طريقه لم يكن مباشرًا إلى العيادة، كان عليه أولًا أن يُصلح ما أفسدته حادثة الأمس، أن يُعيد التوازن إلى السيارة التي حملت توتره وغضبه في الليلة الماضية.
توقف عند ورشة الميكانيكي، ترك السيارة هناك، ثم غادر إلى أقرب مقهى، جلس وحيدًا، يراقب الناس، يحتسي قهوته بصمت يُشبه ارتباك داخله.
مرّت ساعتان، ثم عاد إلى الورشة، وجد أن السيارة قد انتهى إصلاحها، دفع النقود، تفحصها سريعًا، ثم قادها إلى العيادة، حيث ينتظره الحديث الذي يحتاجه أكثر من أي شيء آخر.
في غضون نصف ساعة كان يصف نادر سيارته أمام العقار، ثم ترجلا بهدوء وسار اتجاه مدخل البناية، استقل المصعد وصولا بالطابق الثالث ، توقف أمام باب العيادة مباشرة، دلف بخطواته الثابتة، تحدث مع مساعدة الطبيب وأخبرها ، يريد التحدث مع الطبيبة ولا يوجد موعد مسبق، تركته لتخبر الطبيبة أولا ، وبعد لحظات عادت تقول له:
-دكتور نادر ، الدكتورة ضي هتقابل حضرتك بس بعد انتهاء كل الجلسات ، هي بتعتذر لحضرتك لأن في مواعيد محددة
-مافيش مشكلة ننتظر
اتخذ مقعد قصي بزاوية العيادة، ثم بدء بالعبث في هاتفه لكي يشعل نفسه ولم يشعر بمرور الوقت..

❈-❈-❈

داخل الجامعه
كانت هديل تُحاول جمع أغراضها، تُنهي آخر لمسة على دفتر محاضراتها قبل أن تُغادر القاعة، حين شعرت بشيءٍ يُعيق طريقها… شاب يقف أمامها، حاجزًا بين خروجها وبين الفرار من هذا اللقاء غير المتوقع.
نظراته كانت هادئة، محمّلة بشيء لا تستطيع تفسيره، أما ابتسامته، فقد كانت أكثر ثقة مما ينبغي.
قال بصوت واثق، لكنه لم يكن متعجّلًا، كأنه يُراهن على شيءٍ لا تعرفه:
-هديل… ممكن نشرب حاجة في الكافيه ونتكلم؟
جفّ حلقها بتوتر، كأن أحدًا سكب عليها دلو ماءٍ بارد، جسدها ارتجف في داخله، حرارة المفاجأة تلاعبت بملامحها، وعقلها لم يُمهلها وقتًا للتحليل، فقط دفعها للرفض.
هزت رأسها سريعًا، رفضت دون كلمات، ثم فرت من أمامه، كالفأر المذعور الذي يهرب من مصيره، وكأن بقاءها للحظة إضافية أمامه سيُشعل في داخلها شيئًا لا تستطيع التحكم به.
ظلّ يُراقبها وهي تختفي في الممر، لم تتبدل ابتسامته، لم يظهر عليه الاستسلام، كان يرى في هروبها شيئًا من التحدي، شيئًا جعله أكثر رغبة في الركض خلفها حتى تسمح له ببدء علاقة بينهما.
أتَ صديقه معتز، الذي كان يراقب المشهد بعين ساخرة، ثم ربت على كتفه قائلاً ببرود:
-ها يا سادن، البنت نفضتلك.
ضحك سادن بصوت عالٍ، وكأنه لا يرى في رفضها إلا بداية ستجمعهما معا لا محالة
قال معتز بمرح لا يخلو من العناد:
-مش قولتلك بلاش هديل بالذات؟ دي شكلها معقدة.
لكن سادن لم يكن يرى التعقيد، كان يرى شيئًا آخر، شيئًا أكثر وضوحًا:
-بس مافيش غيرها داخل قلبي ودماغي.
نظر إليه معتز بسخرية، لم يُصدق تمامًا حماسه، فسأله بتهكم:
-ده إيه بقى يا روميو؟ حب ولا لعب؟
لكن سادن لم يُجب بالكلمات المعتادة، بل دندن بصوته العذب، عيناه تشتعلان بالحماس، وكأنه يتحدى كل شيء أمامه:
-ضحك ولعب وجد وحب.
ضحك الاخير بسخرية، ثم لوى شفتيه بضجر:
-وكمان عبدالحليم حافظ؟!
لم يكترث لحديثه، التقط أنفاسه قليلًا، ثم نظر إليه وهو يتنهد بعمق:
-بقولك إيه يا ميزو، فكّك مني، يلا سلام، أنا مروح.
ضرب معتز كفًا على الآخر وهو يراقبه يبتعد عنه، يهرول خارج قاعة المحاضرات، لم يستطع أن يُخفي دهشته، فقط تمتم لنفسه بعدم تصديق:
-لا، ده واضح عليه اتجنن خالص…

❈-❈-❈
كانت تسير بخطوات غير ثابتة، كأنها تائهة وسط الزحام، جسدها يرتجف دون أن تستطيع السيطرة عليه، أنفاسها متسارعة، وكأن الطريق أمامها لا ينتهي.
توقفت فجأة، نظرت حولها، أدركت أنها في منتصف الطريق، السيارات تمر بجانبها دون اكتراث، أصوات المدينة تُحيط بها لكنها لا تصل إليها، كل ما يملأ رأسها هو فكرة واحدة: الوصول إلى العيادة، اليوم موعد الجلسة الثانية.
شعرت أن العالم يُراقبها، لكنها دفعت قدميها للتحرك، ابتعدت عن الزحام، وحين وصلت الحافلة، ركبتها بسرعة، جلست في مقعدها، أغمضت عينيها للحظة، تحاول التقاط أنفاسها.
الطريق لم يكن طويلًا، لكنه كان محمّلًا بالكثير، بأفكارها، بتوترها، بالمشاعر التي لم تعرف كيف تُهدئها.
حين وصلت إلى العيادة، نظرت حولها بتوتر، كانت خطواتها بطيئة، أناملها تقبض على حقيبتها بقوة، وكأنها تتمسك بها لتُبقي نفسها متماسكة، لكنها لم تكن تعلم أن القدر يُخبئ لها شيئًا غير متوقع.
حين رفعت رأسها، وقعت عيناها على شخص لم يكن يجب أن يكون هنا، لم تتوقع رؤيته خارج أسوار الجامعةأستاذها
تجمدت مكانها، وتلاقت النظرات، لم يكن هناك كلمات، فقط صدمة واضحة على وجهيهما، ارتباكٌ تسلل بين النظرات، سؤالٌ غير منطوق:

  • لماذا أنت هنا؟
    و هو ينظر إليها باستغراب، لم يكن يتوقع أن يراها في هذا المكان، أما هي، فشعرت أن الأرض تبتلعها،ونبضات قلبها تسابق الزمن، لكن هل ستختار الفرار كما فعلت من قبل؟ أم أنها هذه المرة ستواجه دون خوف ؟

❈-❈-

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top