داخل سجن الجزيرة.
بعد نجاح ذلك المراقب في تسديد طعنة مباغتة ل”ريكا”، استهدفت صدره وأصابته بجرحٍ غائر.
وتمكن “ريكا” من السيطرة على المهاجم برغم نزيف جرحه، مهددًا إياه بالقتل بأفظع الطرق، إن لم يفصح عن هوية المحرض على قتله.
جحظت أعين المكبل أمامه وهو يهز رأسه برفضٍ، فخفف “ريكا” من قبضته على نحره؛ ليسعل الآخر ملتقطًا أنفاسًا مسلوبة، والحديث يخرج من فمه دفعة واحدة، قائلًا:
-لا، بربك، سأتحدث، مَن أمرني بفعل ذلك هو القائد، والمُوصي بقتلك شخصٌ يدعى “نك”.
“ريكا” وقد استنزفت طاقته، قائلًا بعدم تصديق ف”نك” آخر شخص قد يشك به:
-ماذا تقول؟! هل يجب علي تصديق هراءك هذا؟! أنت تلصق فعلتك ب”نك”؛ لتحمي محرضك.
أخذ الآخر يتوسله أن يرحمه، ويصدق ما قال:
-أقسم، أن هذا هو اسم الشخص الذي ذكره القائد، وهو يتواصل مع أحدهم عبر جهاز اللاسلكي ذاك؛ ليخبره أن يذهب ل”نك” هذا، حتى يعطي زوجتي المال مقابل قتلي لك.
هنا تلاشت طاقته، فقام بتسديد ضربة قوية بقبضته على رأس القابع بين يديه من الخلف، أدت إلى سقوطه أمامه، وبدأ جسد “ريكا” في الترنح قبل أن تبتلعه دوامةٌ سوداء.
تجلس إحدى الحوريات بزيها الأبيض، وقد أنهكها التعب، بعد تلك الجراحة التي أجرتها لهذا الوسيم ذو البشرة القمحية، بملامحه الرجولية، وذقنه الذي أنبت لحية قصيرة زادته وسامة وأضفت على ملامحه جاذبية.
يرقد أمامها على السرير الطبي يحتله بطوله الفارع، وجسده المعضل عاري الصدر كما تشاهده من نافذة غرفة الكشف الخاصة بطاقم الإداريين، في أوقات النزال التي تنظمها إدارة السجن كل يوم ثلاثاء بين المحتجزين كنوع من النشاط الرياضي ينفس فيه السجناء عن طاقتهم، بدلاً من استخدامها في إيذاء بعضهم.
وقد غادر الطبيب المسئول عن عيادة السجناء في طائرة الدعم التي تمد السجن بالغذاء والمؤن اللازمة لهذا العدد من السجناء والضباط والعاملين بالوظائف الإدارية والخدمات كما الحال معها.
من غيرها سيقوم بعمل اللازم في ظروف طارئة كتلك ،فهذا موعد الإجازة السنوية للطبيب، فكل من يعمل بهذا الصرح، لا يستطيع الحصول على إجازةٍ إلا مرةً واحدة في العام لمدة أربعين يومًا.
يعجبها تعترف بهذا فبرغم اختلافهما، ولكنه يعجبها.
هو أحد المساجين، وهي “غادة” طبيبة السجن، مصرية وهو بالنسبة لأصولها العربية أجنبيّ، مسلمةٌ وهو لا يُعرف له ملة ولا مذهب.
مدت كفها الرقيق تتحسس جبهته، تستشعر حرارته، وكأن برؤياه أمامها بهذا القرب نسيت كل ما تعرفه عن الطب ودرسته بالجامعة.
يدها المستكشفة تحولت إلى أخرى مداعبة، تتلمس تقسيمات وجهه بإفتتان هائم.
تنبهت حواسه لشيءٍ قريب من وجهه، ففي أثناء غيبوبته تلك، تلاحقت بمخيلته الأحداث التي مر بها قبل فقده الوعي، وكأنها شريط سينمائي إنتهى لتوه، غافلًا عن مرور أكثر من ست ساعاتٍ على تلك الوقعة.
يشعر بألمٍ حاد في صدره، وسقيع لا يعرف مصدره، وكأنه لايرتدي شيئاً على جزءه العلوي، كما تلتقط أذنه صوت اضطراب أنفاس أحدهم إلى جواره، لا يعرف سبب ارتفاع دقات قلب المجاور له، إذا كانت خوف أو شيء آخر.
وتساءل وهو على مشارف الوعي تاركًا خلفه دوامة اللاوعي تلك، عن نية صاحب اليد القريبة إلى وجهه، وجاءه الجواب من عقله الباطن يؤكد حتمية غدر صاحبها.
فتحفزت حواسه ،متغلبًا على ألمه، وهو يتحكم في الاستمرار بأداء حالة الثبات تلك، حتى يخدع هذا الماكث بجواره، وإذا به يقبض سريعاً على معصم تلك اليد.
جاذبًا صاحبها، وهو ينهض بخفة تناقض حالة الوهن التي كانت تراه عليها منذ قليل، يستبدل الأوضاع.
طارحًا صاحب اليد مكانه على السرير يعتليه، وهو يفرج أهدابه ليتعرف هوية المهاجم تلك المرة.
وما إن وقعت عينيه على وجه مهاجمه، حتى أصبح أسير المهاجم، يتغزل بها ولسان حاله يقول:
-يالا جمال المهاجم، وعيني المهاجم، وشفتي المهاجم.
مال بجسده إليها، فأصبح وجهه قريب إلى وجهها، مشرف عليها بجسده، وساقيه تحاوط جسدها على الجانبين، يجثو فوقها مرتكزًا بركبتيه على السرير.
يتأمل ملامحها بجرأة، ينخفض بنظره وهو يعض بأسنانه على جانب شفته السفلية متفحصًا جسدها بوقاحة، وبرغم حشمة زيها إلا أن نظراته تلك جعلتها تشعر وكأنها ترتدي زي سباحة.
“ريكا” بصوتٍ متأثر لوضيعتهما هذه، وقد بدأ يشك أنه للآن مازال في غيبوبةٍ، يحلم بقربها كما كان يتمنى قبل أن يهاجمه هذا السجين، أو ربما فارقت جسده الروح، قائلًا:
-ماذا فعلت “ريكا”؛ لتنتقل إلى الفردوس؟!
وما كان منها إلا……..
رواية سجناء الجزيرة للكاتبة أسماء حميدة، ممنوع النسخ