سجناء الجزيرة للكاتبة أسماء حميدة الفصل الخامس حصري على موقع دريمسيز

Prewedding

عودة إلى سجن الجزيرة.

أيمكن أن يتمنى الإنسان شيئاً، ويخلص في الدعاء، مستحلفًا كل قوىًّ خفيةٍ كانت أم جلية، أن تشاطره الرجى، فيتحالف معه القدر الذي عانده، وتُعْتَمَدُ أمانيه؟!

ليس بملحدٍ، ولا هو برَجُل دينٍ واعظ، هو مؤمنٌ بالألوهية، ولكن لكثرة التشتت وتباين التوجهات، ضاع هو ما بين البحث عن نهجٍ، وما تقدمه الحياة من مغرياتٍ.

لكن ما ترسخ في نفسه، أنه إذا أراد الإنسان شيئاً بقوة، وسعى وراء تلك الإرادة، فلن يحرمه منها الكيان الذي منحه الحياة.

ارتجف جسدها القابع أسفله، وأنفاسه الحارة تضرب صفحة وجهها، تبعث حالة من التيه في نفسها، ذراعيه القويتين تحاصرها من كلا الجانبين، كلمات خرجت من شفاهه امتلكت قلبها، وهو يقول بتلقائية:

-جميلة أنت سمرائي!!

لا لن تبقى ساكنةً هكذا، قربه خطرٌ عليها، ذلك العنفوان الذي يلوح بعسليتيه التي غامت برغبة، تنبؤها بهلاكٍ قادم.

رفعت كفيها تدفعه بعيداً عنها، ودون قصد ضغطت على جرحه المقطب، فأغمض جفنيه بقوة، وهو يئن بألم يرجع جسده إلى الخلف، وقد ارتشحت ضمادة صدره بالدماء، دليل على تضرر جرحه.

رفع كفه يتلمس موضع الألم، وهو مغمض العينين، يحاول تنظيم أنفاسه.

بعد فك حصارها، أسرعت تحط بقدميها أرضًا بعد تلك الوضعية المخزية، تتلفت حولها وكأنها تبحث عن شيء فقدته، لا تدري ما يجب عليها فعله.

وبعد لحظات من الضياع، مدت يدها إلى علبة الإسعافات الأولية الموضوعة على مكتبها، تعود إليه سريعاً.

ترددت كثيراً قبل أن تمد يدها تبعد راحته الموضوعة على الجرح، وهي تجاهد في إخراج صوتها، قائلة بخوفٍ حقيقي، ولكن التقطه هو على نحو خاطئ.

“غادة”:

-أمجنون انت؟! ماذا تفعل؟!

تلك القوة الزائفة التي تقمصتها تبخرت، فبمجرد استماعه لنبرتها المستهجنة، توجه بنظره إليها، قائلًا:

-ما بك سمرائي؟! لم تصرخين هكذا؟! ماذا سيظن مَن بالخارج؟!

“غادة” باندفاع:

-أَصرخ من أفعالك؟!

“ريكا” متسائلًا ببراءة مصطنعة:

-عن أي أفعال تتحدثين؟! أنا لم أفعل شيئاً بعد، لقد قاطعتيني.

“غادة”:

-دعك من الحديث، واستلقي على ظهرك، حتى أمارس عملي.

“ريكا” قائلًا بعبث:

-لما العجلة؟! ألن نتعرف أولًا؟!

“غادة” بتأفف وهي تشير إليه بسبابتها ناحية الوسادة:

-قولت استلقي على ظهرك.

” ريكا” بإصرارٍ:

-لا، أنا لا أحب تلك الوضعية، الأخرى كانت أفضل.

عبث، ما يقوله عبث، اقتربت تضع تلك الحقيبة على الطاولة المجاورة للسرير، وهي تعقد ذراعيها أسفل صدرها تحادثه وكأنها تحاور طفل صغير:

-اتفقنا، حسناً لا تستلقي، فقط اجلس، وارجع جزءك العلوي إلى الوراء.

جلس ” ريكا” على حافة السرير وهو يرجع جسده إلى الخلف كما طلبت تلك الحورية، يتكأ بمرفقيه على السرير:

-وبعدها؟!

“غادة”:

-حقًا، لا أفهمك، بعد ماذا؟! ماذا تتوقع أن أفعل؟ هل سأقتلك مثلاً؟!

“ريكا” وهو ينظر إليها بوله:

-لقد فعلتها.

“غادة” بعدم فهم، تتساءل ماذا فعلت، هذه أول مرة تراه فيها عن قرب، فبخلاف ذلك كانت تشاهده في أثناء تلك المباريات عن بعد، بل وكانت تنتظر ذلك اليوم الرياضي للسجناء؛ كي تراه.

ولا تعلم لما هو تحديداً؟!

تجاهلت ما قاله، واستدارت حول التخت، فأصبحت خلفه، تميل بجذعها إليه، محاولة إزالة تلك الضمادة عن الجرح.

وهذا اللئيم يرفع رأسه إليها، يتأمل وجهها، وزرقة المحيط بعينيها، وهي تحاول جاهدةً التركيز في عملها، وبات تنظيف ذلك الجرح أصعب بكثيرٍ من تلك الجراحة التي أجرتها له منذ ساعتين.

فقبل ذلك الوقت كانت تجلس في نفس الغرفة تُدَوِّن ما ينقصها من أدوية وعلاجات، فطائرة الدعم تأتي إلى السجن كل أسبوع، ويجب عليها تجهيز قائمة بالإحتياجات الطبية؛ لتسليمها إلى القائد حتى يرسل إشارة بها.

ولكن هناك شيء دفعها؛ لتتوجه ناحية النافذة، وعندما رأته بالأسفل وهذا الشخص يتبعه انتفض قلبها رعبًا، وما إن انقض عليه يغافله.

حتى أسرعت على الفور إلى مكتب القائد، تدفع بابه، و ما إن مثلت أمامه حتى انعقد لسانها، ولا تعرف بماذا تخبره.

فوجدت نفسها تتحدث سريعاً بكلماتٍ غير مفهومة، وجمل غير مترابطة، ولكنه استشف أنها تتحدث عن شجار بين السجناء، وأن أحدهم قد أصيب.

وكونه الموشي عَلِم أنها تقصد ما ينتظر نبأً عنه من هذا المستأجر للتنفيذ، وإن توانى عن إتخاذ الإجراءات بهذا الشأن، ستتوجه أصابع الإتهام إليه، فلابد وأن يتصرف بطبيعية؛ حتى لا يشك في أمره أحداً.

وبناء على ذلك ضغط على زر الطوارئ، فتحفزت القوة المأمنة للسجن، وتوجه القائد وعدد من الحراس حيث أشارت هي إلى مكان الواقعة.

ولا تعرف كيف تحاملت على نفسها، لتتماسك بعد دخول الحرس، وهم يحملونه بتلك الهيئة وهو غارق في دمائه إلى غرفة العمليات الملحقة بالسكنات الإدارية، والتي أسرعت على الفور تعطي أمراً لطاقم التمريض بتجهيزها.

وتسائلت مَن سيساعدها هي على التجهيز؛ لتقوم بإجراء تلك الجراحة، لهذا الذي هيمن على فكرها دون لقاء، وحين التلاقي تجد نفسها مطالبةً بإنقاذ حياته.

سألها ونظراته المربكة مصوبةٌ إلى شفاهها الوردية المرتجفة:

-أين كنتِ؟! منذ الأسبوع الماضي وأنا آتي كل يوم في موعد الوجبات أسفل شباككِ؛ حتى أراكِ.

أكان ينقصها حتى يزيدها عليها، رفعت جسدها تبتعد عن مرمى بصره؛ حتى لا يلحظ ارتباكتها.

ولكنه لم ينتهي منها بعد، فقبل انسحاب يدها عن موضع الجرح، التقط معصمها يجذب جسدها إلى موضعه، مقربًا كفها إلى شفتيه، يقبل باطنه، وهو مغمض العين، ومن ثم ثبت راحتها على صدره العاري، يثقله بكفه، مقربًا إياه إلى مضغته النابضة داخل ضلوعه.

الأمر الذي جعلها……….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top