هروب دمية من اتحاد معذب مكتملة(عشق لا يضاهى تمصير أسماء حميدة) الفصل 50

عشق لا يضاهى

الفصل 50

**في فجر اليوم التالي شدّت سيرين وشاحها بإحكام حول عنقها بينما كانت خيوط الفجر تتسلل إلى السماء الرمادية اتجهت سيرين إلى غرفة كوثر التي كانت تستعد لمغادرة المنزل وهي متوترة كفراشة حُبست طويلًا في شرنقتها وتتهيأ الآن للتحليق نحو الضوء.

كانت كوثر تقف أمام مرآتها تتحسس خصلات شعرها بأطراف أصابعها المرتجفة ثم التفتت إلى سيرين بعيون قلقة كسماء موشكة على المطر: 

“سيرين، هل أبدو على ما يرام اليوم؟” 

ابتسمت سيرين متأملة ملامح صديقتها، لقد كانت كوثر جميلة بالفطرة كأن وجهها لوحٌ خُطّ بفرشاة فنان عاشق لعينيها اللوزيتين المتسعتين كبحيرتين صافيتين تعكسان مزيجًا من القلق والتلهف، كانت جنتاها المتورّدتان كبتلات زهرة نديّة وشفتاها المرتعشتان تنطقان بألف سؤال غير معلن. 

“أنتِ فاتنة، كوكي كأنكِ خرجتِ للتو من قصيدة غزل.”، قالتها سيرين بمحبة خالصة.

زفرت كوثر بابتسامة خجولة لكن أصابعها واصلت العبث بحواف فستانها وهي تقول بتوتر:

“مجرد التفكير في لقائه يجعل قلبي يركض كفرسٍ جامح. أخشى ألا أروق له…”

هزّت سيرين رأسها بثقة، مردفة:

“هذا مستحيل. أنتِ أجمل مما يتخيل. لا توجد قوة على وجه الأرض تجعله يكرهك.”

اكتفت كوثر بإيماءة صغيرة من رأسها قبل أن تغادر وهي تجرُّ وراءها خيطًا من الأحلام والاحتمالات. 
 
بعدما ودّعت سيرين صديقتها تسللت إلى غرفتها لكن صوتًا ناعسًا أوقفها عند الباب. 

“أمي؟” 

التفتت سيرين لترى زكريا جالسًا في سريره وعينيه نصف مغمضتين من أثر النوم.

اقتربت منه وجلست عند حافة الفراش، تربت على كتفه برفق قائلة:

“أيقظناك، حبيبي؟” 

لم يجب مباشرة بل مال برأسه قليلًا وسأل بنبرة جادة تفوق عمره الصغير: 

“أمي… هل السيد نادر شخص جيد؟ أعني… هل يستحق كوثر؟”

توقفت للحظة كأنها تقلب ذكرياتها بحثًا عن إجابة، كانت سيرين قد رأت نادر من قبل وتذكرت كم كان ذلك الفتى يحظي باهتمام كل الفتيات في الجامعة بوسامته الهادئة وحضوره الجذاب لكنه لم يكن من عائلة ثرية مما جعل قصته مع كوثر تبدو كحكاية من زمن آخر حيث تلتقي الأرواح رغم الفروق التي تُفرقها الحياة، وهذا كان سبب انفصالهما بالسابق بعد أن اعتمد نادر كل الطرق كي يبعد كوثر عنه حتى لا يكون عائق في طريق سعادتها مع شخص يمكنه توفير حياة مستقرة لها كما تعودت. 

أجابت سيرين بسماحة:

“نعم كوكي تستحق الأفضل دوماً ونادر شخص لطيف بحق.”** 

تأملها زكريا للحظة ثم انحنى إلى الأمام وملامحه غارقة في أفكار عدة وبعد صمت قصير، سأل: 

“وأنتِ؟ هل السيد كارم يعاملكِ بلطف؟”

رفّت عيناها بدهشة أذ لم تتوقع أن يقفز عقل صغيرها إلى هذا السؤال لكنها أجابته دون تردد، كأنها تقنع نفسها قبل أن تقنعه: 

“إنه شخص جيد جدًا معنا.”

تأملها زكريا بتمعن كأنه يبحث في ملامحها عن صدق كلماتها ثم قال بجدية فاجأتها: 

“إذن عليكِ أن تمنحيه فرصة حين نعود، يجب أن تفكري في الأمر أمي، قد يبدو الأمر خطيرًا لكنني واثق أنه قادر على حمايتك.”** 

كلمات صغيرة لكنها هزت شيئًا بداخلها.

نظرت إلى ابنها فوجدت ملامحه قد نضجت فجأة حتى بدا للحظة كأنه صورة عن والده ظافر. 

رفعت يدها ومسدت على شعره في محاولة منها أن تخفف من توتر اللحظة فقالت:.

“ألم تكن أنتَ من طلب مني الخروج بدلاً من كوثر في موعد غرامي بالأمس؟”

تنهد زكريا، متكئًا على وسادته ثم قال:

“بعد حساب الاحتمالات اكتشفت أن فرصة أن تجدي شريكًا مثاليًا هي واحد في التريليون.”

انفجرت سيرين ضاحكة لكنها سرعان ما كتمتها عندما احمرّ وجهه خجلًا، تهمس إليه بفكاهة:

“أنت عبقري صغير، أيها الوغد!”

زفر بنفاد صبر وتمتم بجديته المعتادة: 

“لا تسخري، أمي حتى لو كانت الاحتمالات ضئيلة فلا يزال هناك أمل وأنا لن أسمح لكِ بالتخلي عنه.”

كان قراره واضحًا حين أعلن بحزم:

“سأذهب معكِ اليوم.” 

توقفت سيرين للحظة متخيلة المشهد السريالي:

أن تذهب في موعد نيابةً عن صديقتها… وتأخذ ابنها معها! 

لكن بما أن مدبرة المنزل في إجازة لم تشأ أن تترك زكريا وحده فقررت أن تصحبه معها شرط أن يبقى مع رامي في مكان قريب. 

قبل أن تغادر كوثر المنزل قد ناولتها بطاقة تحمل عنوان المطعم.

لم تكترث سيرين لتزيين نفسها أو اختيار ملابس تلفت الأنظار بل اكتفت بأن تخبئ ملامحها خلف قناع ثم استدارت إلى الباب عازمة على خوض هذا اليوم مهما بدا غريبًا. 

كانت سيرين على وشك عبور عتبة ذلك المطعم الفاخر حين اندفعت من الداخل امرأة أنيقة غاضبة كإعصار داهم، وأخذت كلماتها تطاير في الهواء كسهام مسمومة تستهدف رجلاً لم يُذكر اسمه لكنه كان واضحًا في ثنايا الغضب المرتسم على وجهها: 

“من يظن نفسه؟! كم هو وقحٌ حد الفجاجة! هل يعتقد أنه أمير يتربع على عرش النساء؟ لا أصدق أنه يبدل شريكة موعده كما يبدل ساعات يده! عشر دقائق فقط ثم يُلقي بها كأنها لم تكن!” 

توقفت سيرين عند المدخل، وعيناها تتابعان المرأة حتى ابتلعتها أزقة المدينة، تمتمت سيرين بصوت غير مسموع:

” ثمة شيء مثير للاهتمام هنا، رائحة دراما تتخلل المكان”. 

استنشقت سيرين ببطء ثم تقدمت بخطوات واثقة نحو موظفة الاستقبال وقدمت إليها بطاقة العمل خاصة كوثر.

التقطت الموظفة البطاقة تمرر نظراتها الاحترافية عليها ثم رفعت عينيها إليها قائلة بنبرة هادئة لكنها متحفظة: 

“سيدة كوثر موعدك مُحدد في تمام التاسعة صباحاً، الساعة الآن تشير إلى الثامنة وسبعٍ وأربعين دقيقة، أخشى أنك ستضطرين للانتظار حتى تنتهي السيدة التي بالداخل من موعدها.” 

أومأت سيرين غير مندهشة لكن عقلها كان يعيد ترتيب القطع في هذه اللعبة الاجتماعية المعقدة إذ لم يكن الموعد الأعمى سوى اختبار غير مُعلن، اختيار أشبه بانتقاء جوهرة من بين قطع زجاجية زائفة. 

ورغم أن اسم عائلة “كوثر” وحده كان كفيلاً بفتح أي باب في هذه المدينة، إلا أن هذا الرجل — المجهول حتى الآن — تجرأ على جعلها تنتظر كما لو كانت مجرد رقم آخر في قائمة طويلة. 

ابتسمت بسخرية خفية إذ كان هذا مثيرًا للاهتمام أكثر مما توقعت، فقد هناك شيء في هذا الرجل يجعله يرى نفسه فوق القواعد المعتادة شيء لا بد من كشفه. 

ومع مرور الوقت خرجت امرأة أخرى غاضبة ومنكسرة القلب كزهرة داستها قدم غير مكترثة.

نظرت إليها سيرين للحظة ثم التفتت إلى موظفة الاستقبال التي قالت بصوت يحمل مزيجًا من الحياد والتسلية الخفية: 

“لقد حان دورك، سيدة كوثر.” 

لم تتغير ملامح سيرين ولم تهتز ثقتها قيد أنملة بل سارت بخطى ثابتة داخل المطعم الذي كان قد أُغلق لهذا الموعد حصريًا لكنها لم تجد رجلاً واحدًا بانتظارها كما هو مفترض بل واجهت مجموعة من الرجال تتطاير بينهم السخرية كشرر نار متقدة. 

رفعت سيرين حاجبًا واحدًا تراقبهم بصمت كملكة دخلت إلى ساحة معركة وهي تدرك أنها قد تكون الوحيدة التي ستخرج منتصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top