هذه الرواية حصري على موقع دريمسيز، ممنوع النسخ منعاً باتاً نظراً لحقوق الملكية الفكرية ومن يخالف ذلك سيخضع للمسائلة
واثق الخطوة يمشي ملكًا، يدك الأرض أسفله دكًا، إذا تخلى عن ذلك الزي الرسمي تحسبه أحد أباطرة العصور الوسطى، يتقدم في قوةٍ وعظمة، يتبعه اثنين من الحرس الشخصيّ، لا يقلا عنه في القامة وضخامة الجسد.
ترتسم عضلات أجسادهم وكأنهم مجسمات شُكِّلت كواجهةٍ لإحدى الأندية الرياضية، إذا لمحتهم عن بعد تحسبهم مقدمون على واحدة من تلك الفتوحات التي خلدها التاريخ.
و بعدسة الزوم المرتكزة على المتقدم لهذين الحارسين في لقطةٍ خلفية، تستطيع أن ترى بوضوح عضلات ذراعيه الخلفية ذات الرؤس الثلاثة بارزة في تناسق ينم عن كثرة تمارين الضغط التي يؤديها صاحبها.
وإذا وُجِّهت العدسة من الناحية الأمامية، سينجلي للمتابع خلف العدسة بروز العضلتين الأماميتين العلويتين لذراعين يُرهقهما ذلك الفَتِىّ في تمارين العقلة والدمبلز، يعلوها أكتافًا مضرسةً بإفتنان.
سنعلو قليلاً بزاوية الرصد للعدسة، لنشاهد ملامح وجه برغم وسامتها إلا أنها تتسم بالحدة، تُخْفي غابات الزيتون الكامنة بمحجريه نظارةٌ شمسية فاخرة، أنفٌ معقوف، شفاهٌ غليظة، ذو ذقنٍ حليق.
وبابتعاد الراصد يستطيع استنباط مدى الثراء الفاحش لتلك الهيئة التي يَطُل بها المرصود من فخامة بذلته العملية السوداء بسترتها المجسمة، أسفلها قميصٍ مشدود على هذا الجسد باللون الرمادي يحجب الرؤية عن الراصد، ولكن له أن يتخيل تربيعة العضلات السداسية للبطن.
يتقدم ومن خلفه الحارسين بِطَلةٍ هوليوودية لأحد نجوم الأكشن، يتهادى على سجادة التكريم الحمراء، يعبر البوابة الإلكترونية التي أصدر ناقوسها إنذارًا لم يعره انتباهًا، يدل على أن العابر تحتها يحمل شيئًا معدنيًا، ولكن إن كانت تلك الآلة تُعَري صاحبها لكشفت عن ذلك الحزام الجلدي الملتف أسفل سترته من الخلف ذو جعبةٍ تتدلى على أعلى جانبه الأيسر، مثبتٌ بغمضها مسدسٌ نصف آليّ من النوع “والتر” ذو الإثنا عشر طلقة.
يسير داخل البهو على جانبه حاجز رخامي، مقسم إلى وحدات مكتبية، يصطف خلفه عدد من الفتيات بزي موحد، ما إن لمحوه مقدماً على بعد، حتى استقمن من مجلسهن، يقفن كفرقة تؤدي التحية العسكرية إلى قائدها.
أومأ إليهن إيماءةً هادئةً برأسه، جلسن جميعهن إمتثالاً لها، فهو رب عملهم، السيد الوسيم “سام چاكوب”.
تقدمت إحداهن تزامناً مع تباطئ خطواته الواسعة في روتينية، تتكرر أحداثها كل صباح، تلقي عليه تحيةً مختصرة، وبيدها ملف به بعض الرسائل الإلكترونية المطبوعة والمرتبة حسب أولويتها، وكذلك عقود المناقصات وقسائم الشراء وخلافه.
مدت يدها إليه بهذا الملف، قائلةً بعملية:
-صباح الخير سيد “سام”، هذه الرسائل الإلكترونية الواردة على حساب الشركة، والحساب الشخصي لسيادتك، ومعها العقود المنتظر إتخاذ قرار بشأنها اليوم.
التقط “سام” الملف، وهو يرمقها بنظرةٍ عابرة، ثم نزع عنه نظارته الشمسية، يصب اهتمامه على ما بيده يتفحصه بأعينٍ خبيرة، يحادثها دون أن يرفع رأسه إليها ، قائلًا:
-أخبريني آنسة ما موعد تسجيل بصمة الحضور اليوم؟!
أجابته بنبرةٍ مهتزة، ونظرات زائغة، لعلمها ما سيترتب على جوابها، فهو على عِلْمٍ بكل ما يدور بالشركة بل مجموعة الشركات خاصته كونه أصبح الوريث الوحيد لعَلَم الإقتصاد “زايد يعقوب” ، فبادرت بحجة:
-أعتذر سيدي، لقد………………
بتر جملتها وهو ينظر إليها بحاجبٍ مرفوع، يقول بسخرية:
-أعلم لقد استغرق منك إبداء كل تلك الزينة وقتاً طويلاً، فتأخرتي عن موعد حضورك 10 دقائق، و20 ثانية، أليس كذلك؟!.
أخفضت رأسها، ولسان حالها يقول:
-تباً لوسامتك مع لسانك السليط هذا.
واستكملت حديثها بصوتٍ مسموع:
-أعتذر سيد “سام” إنها المرة الأولى، وأعدك بأنها لن تتكرر.
“سام” باقتضاب:
-هذا أفضل لكِ.
اتخذ معاينة الأوراق دقائق قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة، ثم ناولها إياها، قائلاً:
-يمكنك إضافة قسائم الشراء إلى الملف الضريبي، وبالنسبة لعقود المناقصات تلك أخبري أصحابها أن عرضهم لا يناسب شركتنا، أما بالنسبة لهذين العقدين أطلبي من العضو المنتدب لديهم بالحضور؛ لمناقشة بنود العقد، ونَسِّقي معهم المواعيد حسب ما يناسب جدول أعمالي.
أجابت قائلةً برسمية:
- أوامرك سيدي.
“سام” وهو يشير لها بأصابعه كعلامة لسماحه لها بالإنصراف، قائلًا:
-يمكنكِ الذهاب، وأخبري السيد “چاسم” أن يوافيني في مكتبي، ثم رفع معصمه ناظراً إلى ساعة يده، مستكملاً:
-بعد 10 دقائق.
غادر دون إنتظار ردها، يجوب أنحاء الشركة؛ لمتابعة سير العمل، وبعدها توجه إلى مكتبه، دون أن يعير إهتماماً لتلك الحسناء التي انتصبت من مجلسها، تهندم من ذلك الثوب القصير الذي ترتديه فور دخوله إلى مكتب السكرتارية ومنه إلى مكتبه، بعد أن اتخذ الحارسان موقعهما بخارج مكتبها.
وهو يعلم كم التوبيخ الذي سيناله من رفيق عمره “چاسم”؛ لكونه طلب منه سابقاً ضرورة تكثيف الحراسة الشخصية له؛ بعد محاولتين لإغتياله خلال شهر واحد، فهو الوحيد الذي يسمح له “سام” بالتجاوز في الحديث معه.
بعد جلوس “سام” على مقعد مكتبه الأنيق المصمم على أحدث طراز عصري معظم أثاثه باللون الأسود الذي يعشقه “سام”، رفع سماعة هاتفه يضغط رقم واحد يوصله بمكتب السكرتارية، فأجابت ذات الرداء المثير؛ ليأمرها، قائلًا:
-استعجلي قهوتي، وما إن يحضر “چاسم” دعيه يدخل فوراً.
أجابت السكرتيرة:
-حسناً سيد “سام”.
وضع سام سماعة الهاتف، ومد يده يضغط زر تشغيل شاشة المراقبة المسطحة أمامه؛ ليتابع ما يحدث أثناء الفترة المتواجد بها داخل الشركة، فهو دائم التنقل بين مكتبه وقاعة الإجتماعات وأحياناً مكتب “چاسم”، وأحياناً أخرى يتوجب عليه مغادرة المقر؛ لحضور جلسات عمل خارجية أو حتى؛ لمقابلة بعض العملاء أو رؤساء الشركات الأخرى فيما يسمى ب “غداء عمل”.
لم يمر وقتٌ يذكر حتى اندفع باب مكتبه، تدخل منه عاصفة هوجاء يسميها “سام” “بلوة حياته”، المتمثلة في الشخص ذاته الذي طلب حضوره “چاسم”.
“چاسم” صديق مقرب ل “سام”، إن لم يكن الأوحد، تمتد صداقتهما لما يقارب 25 عاماً، منذ أن كانا سويًا بالمدرسة الداخلية.
فقد توفت والدة “سام”، وهي تضع مولودها “إسلام” رحمه الله، لذلك كان “سام” يتعامل مع شقيقه، وكأنه ابنٌ له، وقد لازمه طوال الوقت إحساسا بالمسؤولية تجاهه، حيث حرم “أسامة”حنان الأم وهو لازال ابن يوم واحد.
ولم يستطع والدهما الإعتناء بطفلين صغيرين؛ فأرسل “سام” لإحدى المدارس الداخلية، حيث تعرف على “چاسم”، وهو طفلٌ لأبٍٍ مصري وأمٌ لبنانية، وقد هجرت والدته أبيه؛ فأرسله هو الآخر لنفس المدرسة.
ومنذ ذلك الوقت “سام” و”چاسم” صديقان مقربان حتى عندما كَبُرا إلتحقا بذات الجامعة ونفس التخصص “التجارة وإدارة الأعمال”.
وقد عايش “سام” قصة الحب الأسطورية لرفيقه، أثناء فترة الجامعة وكان يرسم ويخطط له كيفية التقرب من “چيسيكا” ، وقد نجحت مساعهما وبالفعل وقعت “چيسيكا” في غرام “چاسم”، وكل الفضل يعود ل”سام”.
والآن “چاسم” و”چيسيكا” ينعمان بحياةٍ زوجية رائعة، وقد أنجبا طفلًا وسيمًا يحمل الچينات المصرية بجمال غربي، وسمياه “أسامة” تيمنًا ب “كيوبيد” حبهما، ذلك الصديق المخلص “سام” الذي ظل أعزبًا حتى يومنا هذا.
“چاسم” بتوبيخ أخوي:
-هل أصابك الجنون “سام”؟! أتريد أن تحرق قلبي عليك؟! ألا تعلم ماذا سيحل بي إذا أصابك مكروه أخي؟! ألم أخبرك منذ يومين بضرورة تكثيف الحرس؟!
“سام” بإستمالة:
-هدئ من روعك يا رجل، بماذا سينفع الحرس إذا أتى أمر الله؟! ثم هل تراني عاجزاً؟! ألا يكفيك زوج الثيران اللذان بالخارج!! ما ينقصهما أن يرافقاني وأنا أقضي حاجتي.
“چاسم” بإبتسامة سمجة:
-يالا حسك الفكاهي؟! هل تنوي أن تأتيني جلطة بسببك يا هذا؟!
“سام” بملل:
-بربك “چاسم” دعنا من هذا الآن، أمامنا مهام كثيرة اليوم.
عودة إلى سجن الجزيرة.
فقد حان وقت تجمع النزلاء؛ لتناول وجبتهم الأساسية بالغداء، ولازال هناك صفٌ طويل أمامه، على كل حال هو لا يشغل باله بطعام السجن هذا، فهناك طعامٌ فاخر يصل إليه في طائرات الدعم التي تأتي إلى السجن، فالمال يصنع المستحيل.
وإذا أراد تجاوز كل من هم بالصف، فهذا أمرٌ ليس عسيرًا، إنه الزعيم .
يكفيهم أن يطل عليهم سواء أكانوا نزلاء السجن أو ضباطه وحراسه، بل القائد نفسه.
منذ أن أتى هنا من أسبوعين ماضيين، وهو يستغل وقت الوجبات؛ ليتجول في الساحة المخصصة للسجناء، حيث ملعب كرة السلة.
نعم فهذا السجن تحت إشراف هيئة حقوق الإنسان.
لم يكن الغرض من تجوله هذا، الترفيه أو التأمل أو حتى الإشتراك في تلك المباريات السخيفة التي ينظمها السجناء تحت إشراف الحرس.
هو يشترك فقط بالنزالات؛ ليحافظ على لياقته البدنية، وليبرز مهاراته في القتال؛ ليعرف الجميع من هو “الزعيم ريكا”.
وللحقيقة هو لا يهتم لأمر الجميع، فكل السجناء على عِلمٍ بماهيته، مَن يهمه تلك الحسناء التي رآها تتطل كالبدر ليلة تمامه من إحدى النوافذ التابعة لطاقم الإداريين بالسجن، وعندما قام بالتحري عنها لم يدله أحدًا.
فهناك فتياتٌ كثيرات يعملن بالسجن في السكنات المخصصة لعنابر إحتجاز النساء والتي توجد بمنأى عن عنابر الرجال وتحت حراسةٍ مشددة أيضاً، بالأخير هو سجن وليس مكانًا للتعارف.
عندما كان يلمحها تقف بالنافذة أثناء تلك النزالات، تتقد حماسته، ويتفنن في أدائه تاركاً المساحة لخصمه؛ ليأتيه بأروع ما لديه، يُبادئه بالتصدي لهجومه بحركاتٍ جهنمية لا يفوقه أحداً في آدائها، ثم يباغته بشن هجومٍ “ريكيّ” على أعلى مستوى، ذلك من أجل لفت انتباهها.
حقًا يستغرب حاله كثيراً، فلقد تذوق من أصناف النساء الكثير، لم يسعى يومًا؛ للفت انتباه إحداهن، على النقيض فهن من يسعين إليه، يُبرزن مفاتنهن، يستميتن من أجل قضاء ليلةٍ واحدةٍ مع الزعيم.