الفصل السادس
الفيلا الكبرى، الساعة الثانية ظهرًا.
يجلس رائد الهاشمي بهدوء وثبات على أريكة غرفة المعيشة الفخمة، بينما يقف فاضل بجانبه في وقار وأدب.
بعد صمت قصير قطعه توتر خفي، بادر رائد فاضلًا بسؤاله العميق: “تحدث، ما الذي جئت به من معلومات؟”
أجاب فاضل بوضوح وإيجاز، مستعرضًا ما توصل إليه: “سيدي، بناءً على التحريات التي أجريتها، تبين أن الشيخ تيمور كان ملازمًا الفراش طوال السنوات الثلاث الماضية بسبب اعتلال صحته، ولم يغادر قط حدود المدينة.
بالاضافة إلى إن جميع العائلات النافذة والمؤثرة في مدينتك تعلم بوفاتك. ولم يعلم أحد قط بأمر إنقاذك. تنتمي عائلة تيمور إلى الطبقة الثانية من العائلات ذات النفوذ في هذه المنطقة، وعليه، أرى أنه من المستبعد أن يكون الشيخ قد امتلك القدرة على إخراجك وإعادتك إلى العيش معه دون أن يثير ذلك أدنى شك أو ملاحظة.”
لم يظهر على وجه رائد أي تأثر واضح بكلام فاضل، لكنه تساءل بنبرة تحمل شيئًا من اليأس: “هل تشير بذلك إلى أنك لم تتوصل إلى أي جديد اليوم؟”
أجاب فاضل على الفور بنفي قاطع: “لا يا سيدي، لا يزال هناك خيط أمل. لقد تعمقت في تاريخ هذا الرجل العجوز، واتضح لي أنه خدم في الجيش لسنوات طويلة. لذا، أتساءل: ألا يمكن أن يكون أحد أصدقاء الرجل العجوز هو من أنقذك؟ ومن ثم، قام بتدبير هوية مواطن من السهول الغربية لك، ورتب إقامتك داخل كنف عائلة تيمور.”
“كان الرجل العجوز في الجيش؟” ترددت الكلمات في ذهن رائد، وبدأ وعيه يستعيد شيئًا من الوضوح الغائب.
صمت رائد لبرهة، ثم تحدث ببطء وثقل، وكأنه يفشي بسر عظيم: “إن لم تخني فراستي، فالشخص الذي أنقذني هو نفسه من سيفعل ذلك.”
ثم أضاف بتركيز حاد: “يجب أن يكون هذا الشخص من داخل عائلة الهاشمي.”
عندما نظر فاضل إلى رائد، شعر بعبء ثقيل من التعقيد يكتنف الموقف. فبالنسبة له، لا يمكن إلا لشخص ذي نفوذ استثنائي أن يعيد رائدًا بعد أن سُمِّم بتلك الطريقة المحكمة ويخفي الحقيقة عن الجميع. بدافع فضوله الملِح، سأل: “من هو هذا الشخص تحديدًا؟”
رفع رائد عينيه ببطء ونظر إليه مباشرة، قائلاً بنبرة قاطعة: “لن تجني فائدة من معرفة الكثير.”
خفض فاضل رأسه على الفور وأردف بإذعان: “نعم يا سيدي.”
ازداد تعبير رائد عمقًا وتأملًا. بدا وكأنه يدرك هوية من أنقذ حياته، لكن ظل لغزًا محيرًا: لماذا وكيف استطاع هذا الابن غير الشرعي أن يحل محل والده ويستولي على نفوذ عائلة الهاشمي؟
كان أدهم الهاشمي شخصًا ماكرًا، وهذا ما كان رائد يعلمه مسبقًا. لكنه لم يتوقع قط أن يمتلك مثل هذه القدرة على محاولة قتله.
لقد توارى أدهم الهاشمي عن الأنظار بعمق شديد.
عندما رأى فاضل صمت رائد المستغرق، لم يسعه إلا أن يسأل بتردد: “هل هناك أي أمر آخر تود أن أتولى شأنه، يا سيدي؟”
“لا شيء.” أجاب رائد بحدة موجزة.
ما سيحدث لاحقًا كان شأنًا داخليًا يخص عائلة الهاشمي وحدها. وعلى الرغم من أن فاضل كان أغنى رجل، إلا أنه افتقر إلى النفوذ الكافي للتدخل في مثل هذه الأمور الخاصة بالعائلة.
أومأ فاضل برأسه باحترام وأخرج بطاقة سوداء أنيقة من جيبه. كانت تلك البطاقة السوداء المميزة لبنك النخبة، رمزًا للوجاهة والكفاءة المالية الاستثنائية. كان من المؤكد أن الرصيد المتاح فيها لا يقل عن مئة مليون.
قدم فاضل البطاقة السوداء إلى رائد بكلتا يديه في إشارة إلى التقدير، وقال: “تفضل البطاقة التي طلبت مني تجهيزها.”