رواية سجناء الجزيرة للكاتبة أسماء حميدة الفصل 13 حصري على موقع دريمسيز

Prewedding

هذه الرواية حصري على موقع دريمسيز، ممنوع النسخ منعاً باتاً نظراً لحقوق الملكية الفكرية ومن يخالف ذلك سيخضع للمسائلة.

إذا تحدثنا عن الحيلة والذكاء فحديثنا عنها، وإذا تطرقنا إلى القوة والعناد فحتماً نعنيها، وإذا تغنينا بالفتنة والدلال فبالطبع هي.

غفوة إجبارية أخرى بنفس اليوم، تسجل بها هدفين متتاليتين بنفس التقنية في مرماه، لتعلن انتهاء الجولة الأولى لصالحها أمام صاحب الأرض أمير الدهاء “نك”.

تململ ذلك الجسد الذي يفترش صاحبه الأرض، منكباً على وجهه، يدفع الأرض بكفيه في محاولة؛ للنهوض، ولكنه فشل في ذلك، فاعتدل يتسطح على ظهره، مسنداً ساعده إلى جبهته، محاولاً إبعاد جفنيه المثقلين دون جدوى.

فعلى ما يبدو أن مفعول المخدر الذي حقنته به هذه المرة يفوق تأثير ذلك المنوم الذي وضعته في كأسه بمراحل.

ضغط جفنيه بقوة وهو يفرجهما ببطئ، يتطلع إلى السقف أعلاه بتشوش، وعقله يحاول استيعاب ما حوله متسائلاً عن سبب تواجده في هذا المكان.

ثوانٍ وهب من مرقده جالساً، لاعناً بكل اللغات غباءه تلك المرة، متسائلاً كيف له أن يثق بها مجدداً؟! كيف سمح أن تلهيه براءة ملامحها وجمال وجهها الذي لفت نظره عندما دخل إلى الحانة ورأها تعمل هناك؟!

تلك المحتالة غافلته للمرة الثانية على التوالي.

نظر إلى شرفة الغرفة وجد ضوء الشمس ساطعاً، هذا يعني أنه بات ليلته، متكوماً بأرضية تلك الغرفة الحقيرة.

رفع معصم يده، ليعرف كم الساعة تحديداً، فقد ارتدى ساعة يده الباهظة الثمن من النوع “جيجر لوكولتر” السويسرية التي اشتراها الأسبوع الماضي عندما كان هناك يستكشف سير العمل بفرعهم، حيث دفع مقابلها مبلغاً محرزاً تخطى ٢٠٠,٠٠٠ دولار.

فقد كان يحتفظ بتلك الساعة في درج المكتب مع طبنجته “أدولف هتلر” الأثرية التي اشتراها من مزاد علني بعدما رسى العطاء عليه مقابل ٥٠٠,٠٠٠ دولار.

هل أستمع أحدهم إلى صوت تهشم أرضية الغرفة أسفله؟ بعدما رفع معصمه ولم يجد ساعة يده، فاتجهت راحته تلقائياً إلى غمد مسدسه المعلق بالحزام الجلدي الخاص بمنطاله ولم يجده أيضاً، ضارباً بقبضته الأرض إلى جواره بقوة، وقد اشتعلت مقلتيه بغضب مقيت.

استقام من مجلسه مترنحاً، محاولاً الاتزان، باحثاً عن باب داخلي بتلك الغرفة البالية، ولكنه لم يجد، زأر قائلاً بنبرة مغتاظة، فقد أراد أن يغتسل؛ عله يفيق من تلك السكرة:

-أين باب الحمام اللعين ذاك؟!

لفت نظره وجود حوض اغتسال صغير معلقاً بإحدى زوايا الغرفة، فالتوى ثغره بابتسامة ساخرة متوجهاً إلى حيث يوجد، ماداً يده يدير مقبض الصنبور الذي انفجرت منه الماء دفعةً واحدة، ينبعث في كل الاتجاهات مما أدى إلى تبلل ثيابه كلياً.

تراجع إلى الخلف خطوتين يبتعد عن مرمى الماء المنبثق، رافعاً قدمه، يركل الحوض بقوة، يصب عليه كامل غضبه وثورته، مهشماً إياه، محيله إلى فتات منثورة بجميع الأرجاء، وهو يزرع الغرفة ذهاباً وإياباً، يود لو يراها أمامه في تلك اللحظة؛ سوف يقحم يده بفمها مخرجاً قصبتها الهوائية.

أخذ يلكم راحته اليسرى بقبضته الأخرى عدة مراتٍ بغيظ، وهو يفكر كيف سيجدها فبالتأكيد فرت بما نهبته إلى حيث لا تطالها يديه.

لحظات قليلة من التفكير، ثم تهللت ملامحه ببسمة نصر، وطفقت لذة الحماسة من عينيه، وهو يحادث نفسه قائلاً:

-الهاتف، سيكون من سوء حظها إذا كان الهاتف لازال بحوزتها.

*في مكان آخر لم نذهب إليه، تجلس عذراءنا اللعوب، ممسكة بيدها هاتفه الذي سيصبح سبب نكبتها أو شيء آخر لا نعرفه حتى الآن.

فبعد أن قامت بمغافلته للمرة الأولى، وسلبته حافظة النقود والهاتف وطاقم الذهب المزين لرقبتها وكاحلها، وقبل أن تغادر الحانة قامت بفتح الهاتف ببصمة يده وتغيير بصمة المرور إلى بصمتها هي، فقد أعجبها ذلك الهاتف كثيراً.

وللحق تلك مرتها الأولى التي تتحامل فيها على أحدهم، أو أن تسرق هاتفاً، فعندما كان “أستيڤ” يجبرها على مرافقة أحد من زبائن الحانة، وبعد أن تدس له الحبوب في الشراب أو الطعام، كانت تختلس مبلغ من حافظته شيء يعينها، ولا يستحق الذكر بالنسبة له، فعلى كل حال قد أخذت أجرها مقابل ذهابها معه مقدماً.

كانت أيضاً تبتز بعضاً من هؤلاء المغفلون بطريقة غير مباشرة بتلك الصور التي التقطتها لهم معها، بعد أن يغلبهم النعاس، كأن تختلق قصة عن سرقة هاتفها المحمل عليه تلك الصور، ويريد السارق الوهمي مقابل استردادها له خمسون أو مائة ألف دولار كحد أقصى.

أو تبدي إعجابها بخاتمٍ أو ساعة يرتديها الزبون وتطلبها كتذكارٍ منه، يذَكِّرها بلقائهما، وأشياء من هذا القبيل.

لكنها تلك المرة تغاشمت بسبب المعاملة التي عاملها بها، ويده التي تطاولت عليها، ولسانه الذي نعتها بالعاهرة صاحبة الجسد المستهلك؛ فأرادت تلقينه درساً لا ينساه.

بعد أن تخلصت من شريحة الجوال الخاصة به، وكذلك شريحة هاتفها، معتقدة بذلك أنه لن يتمكن من الوصول إليها عن طريق تتبع أي من الشريحتين، خاصة وأن “أستيڤ” الذي أرشده عن عنوان الفندق الذي تقيم فيه لديه رقم هاتفها الخلوي.

اشترت خطاً آخراً بِاسْمٍ مستعار، وألحقته بالهاتف.

وها هي الآن بعد ليلةٍ قضتها في التنقل من مكانٍ لآخر، ظناً منها أنها بذلك تضلِّله.

تجلس بأحد المكاتب التابعة لواحد من سمسارة بيع الشقق والوحدات السكنية، تنتظره؛ لينهي مكالمته مع صاحب الشقة التي أراها صورها، وقد أعجبتها كثيراً، وتريد معاينتها على الطبيعة.

وقد أخبر صاحب المكتب مالك الشقة أنه سيرسل أحد تابعيه؛ ليمده المالك بمفتاح الشقة محل التفاوض؛ لتقوم المشترية بمعاينتها، ليتمموا إجراءات البيع.

كانت تلك الجالسة تعبث بالهاتف، غير منتبهة للمكالمة التالية التي تلقاها الجالس على مكتبه، تستكشف إمكانيات ذلك الجهاز الذي بيدها، ومن ثم ضغطت أناملها على معرض الصور الموجود بالهاتف، وبدأت تتنقل بينها تتأمل صاحبها، وبدنها يقشعر بتأثرٍ بالغ عندما غافلتها ذكرى تلك القبلة التي ستخلدها روحها ما حيت.

رفعت يدها تتلمس شفاهها وعلى ثغرها، ابتسامة بائسة، فمنذ متى والحياة تعطيها ما تمنت، وعندما قررت أن تقتنص منها ما لها، عبثت مع الشخص الوحيد الذي حرك بداخلها براكين خامدة من الأحاسيس التي تستشعرها للمرة الأولى.

حسناً ستلقي تلك القبلة وصاحبها ببئر الحرمان خاصتها، وستتغافل عن ما أحسته بين أحضانه، وهو يعلمها كيف تكون قبلة الغرام.

ابتسامةٌ ساخرة احتلت مكان تلك البائسة على شفاهها، وهي تلعن هذا الحس الرومانسي الحالمي الذي تمكن منها، عن أي غرام تتحدث؟! فبأول لقاء لهما عاملها كبائعات الهوى وفتيات الليل المدنسات.

وبلقائهما الثاني أراد أن يحظى بما لم ينله في المرة الأولى، وعلى الأغلب لن تكن هناك مرةً ثالثة، فهي لن تسعى لذلك بل وستتجنب وقوعها.

فإذا حدث وتقابلا فلن يكن مبتغاه جسدها المستهلك كما قال حتى وإن كان قوله أبعد ما يكون عن الحقيقة، ولكن ستكن غايته تلك المرة حياتها التي سيزهقها حتماً بأبشع الطرق.

رجفةٌ أخرى كانت من نصيبها، عندما توقف عبث أناملها على صورة له، وهو عاري الصدر يرتدي قبعة رأس ومنطال “cuting” كرعاة البقر، وبيده بندقية صيد يصوبها بِاتجاهٍ ما يغلق إحدى عينيه بتركيز على هدفه، وتخيلت حالها موضع ذلك الهدف.

شهقت بهلع عندما طرقعت أصابع يد صاحب المكتب أمام ناظريها كتنبيه منه عندما لم تستجب لحديثه؛ بسبب شرودها بكتلة الرجولة المهيبة ذاك، وهو يستأذنها في الخروج؛ للرد على مكالمة شخصية، فأومأت برأسها، قائلةً:

-حسناً، خذ وقتك.

خرج صاحب المكتب وهو يرمقها بنظرات شكٍ، يغلق الباب خلفه، قاصداً إحدى الغرف التابعة لمكتبه، تزامناً مع صوت رنين رسالة مُسْتَقْبَلة على حساب”What’s up” الخاص به، فأجاب على من بالطرف الآخر، قائلاً:

-يبدو أن الصورة التي أرسلتها قد وصلتني، سأراها وأخبرك إذا كانت هي أم لا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top