الفصل التاسع
اندفع قُصيّ ورجاله نحو رائد بخطى غاضبة.
لكن رائد لم يُعر الأمر اهتمامًا كبيرًا. أجاب بهدوء على المكالمة، وقبل أن يُنهيها، سمع صوت فاضل يتحدث بجدية. استمع رائد إلى فاضل بتركيز، ثم قال بصوت منخفض: “حسنًا، فهمت”. وأغلق الهاتف بهدوء.
في تلك اللحظة، كان قُصيّ قد اقترب منه تمامًا. نفث دُخان سيجارته في وجهه بسخرية، وقال بنبرة استهزاء:
“يا أحمق، ما زلت تعرف كيف تُجري مكالمة هاتفية؟ هل لا يزال هناك مَن يساعدك؟ سأمنحك بضع دقائق لتجِدهم، إن استطعت.”
لم يُعر قُصيّ رائدًا أي قيمة، فقد جاء اليوم مدججًا بأكثر من اثني عشر حارسًا شخصيًا، واثقًا من سطوته.
كان رائد يكره قُصيّ من أعماقه، خاصة بعد أن اكتشف كيف خدع جنى. شعر بأن الوقت قد حان ليُلقّنه درسًا لن ينساه. ومع ذلك، كان منشغلاً بالبحث عن جنى، ولم يكن في مزاج لإهدار وقته مع هذا المتعجرف. فتمالك أعصابه وقال ببرود:
“تنحَّ عن طريقي، ليس لديّ وقت لألعابك السخيفة.”
فور سماعه ذلك، اشتعل الغضب في عيني قُصيّ. رمى سيجارته أرضًا وسحقها بحذائه، ثم صرخ بعنف:
“تبًا لك! لا تتظاهر بالجهل! قلت لك، إن لم تُطلقني، سأكسر ساقيك! واليوم…”
انفجار!
لم يُمهله رائد ليكمل تهديده، إذ انقضّ عليه فجأة وركله بكل قوته.
سقط قُصيّ أرضًا مذهولًا، والغضب يتفجّر في عروقه. لم يعتد أن يتجرأ أحد على مواجهته، ناهيك عن ضربه. في المدينة هنا، كان هو السيد، المتنمر الذي لا يجرؤ أحد على ردعه. لكن رائد الهاشمي، ذاك “الأحمق” كما كان يراه، تجرأ عليه مرة أخرى.
تذكر قُصيّ المرة السابقة التي تلقّى فيها ضربة من رائد، لكنّه لم ينتقم حينها، بل لجأ إلى زوجته شاكياً. بالنسبة له، كانت جنى أثمن من كرامته. لكن خُططه سقطت أمام صلابة عائلة رائد، فقرر أن يُنهي الأمر بنفسه.
لم يتوقع للحظة أن رائد سيجرؤ على ضربه مرة ثانية، حتى أمام رجاله المدججين بالأسلحة. اشتعل الغضب في صدره وكتم ألمه، ثم هتف بجنون:
“اقتلــــوه الآن!”
وما إن صدرت الأوامر، حتى انقضّ رجاله، وهم يلوّحون بقضبان الحديد، مهاجمين رائد بشراسة.
في أقل من نصف دقيقة، كانت الأجساد تتساقط واحدة تلو الأخرى، وسقط أكثر من اثني عشر من رجال قُصيّ على الأرض، يتلوّون من الألم.
كان رائد واقفًا في مكانه، شامخًا كجبل، يُحيطه الظلام فيضفي على هيبته طابعًا مهيبًا وغامضًا.
انتصر في المعركة بسهولة، رجلٌ واحد ضد عشرة.
أما قُصيّ، المُلقى على الأرض، فقد نسيَ الغضب، وتلاشى الألم من جسده، ليحلّ مكانه الذهول والخوف. عينيه اتسعتا وهو يشاهد رائدًا يُسقط الرجال كأنهم دمى قماشية، واحدًا تلو الآخر. لقد كان المشهد صادمًا، مروّعًا.
قُصيّ، الذي عرف الحياة وخاض الكثير من المعارك، لم يسبق له أن واجه شخصًا بهذه القوة والسرعة والصلابة. لم يكن يتصور أن من ظنه أحمقًا، يمكن أن يكون بهذه القوة.
وبينما تجمد في مكانه، عاجزًا عن الحركة، رأى رائد يتقدّم نحوه بخطى ثابتة.
لم يتغير تعبير رائد، ظلّ وجهه كما هو، هادئًا، بلا انفعال. لكن كانت هناك هالة من القوة والغموض تحيط به، كأنه شيطان خرج من الظلال. حين اقترب أكثر، شعر قُصيّ برعب حقيقي يخترق أعماقه، حاول الهرب، لكن جسده خذله، وساقاه ارتجفتا كالهلام.
قال قُصيّ بصوت مرتجف: “لا… لا تقترب مني.”
اقترب رائد حتى أصبح واقفًا فوقه، نظر إليه نظرة متعالية، كأنما ملك ينظر إلى عبدٍ متمرد، ثم قال بصرامة لا تحتمل التأويل:
“لا تزعج زوجتي مرّة أخرى.”
ثم رفع قدمه، ووجه له ركلة قوية أرسلته يتدحرج على الأرض كخرقة بالية.
بعد ذلك، غادر رائد المكان، وركب سيارة أجرة. كان السائق مذهولًا من منظر الدماء، لكن رائد اكتفى بالقول بهدوء:
“إلى فندق يو.”
فندق يو، فندق خمس نجوم راقٍ في قلب مدينة الشيخ، يضم مرافق فاخرة للطعام والترفيه.
في قاعة الطعام بالطابق الرابع، جلس ستة رجال حول طاولة كبيرة. ينتمي المجتمعون إلى شركتين: شركة أنجول للديكور، وشركة جرين بارك العقارية.
كانت جنى تيمور، الممثلة الأنيقة لشركة أنجول، جالسة بكل ثقة، تُقابل فراس، مدير شركة جرين بارك العقارية.
Pingback: رواية أحببته رغم جنونه الفصل الثامن – dreamses