رواية أحببته رغم جنونه الفصل الحادي عشر

رواية أحببته رغم جنونه

الفصل الحادي عشر 

علم رائد أن جنى تقيم في فندق “يو” في تلك اللحظة بفضل فاضِل، إلا أن رائد لم يطلب من الأخير مرافقته؛ بل كانت تلك رغبة فاضِل الشخصية. كان يشعر بالقلق من وقوع رائد في مأزق، لذا أوعز إلى مجموعة من مرؤوسيه بمرافقته إلى الفندق دون تردد.

في تلك الأثناء، وبينما كانت الكلمات تُلقى، خيّم صمت ثقيل على الحضور، حتى أن وقع سقوط دبوس على الأرض كان ليسمع. جمد الجميع في أماكنهم، وقد اعتراهم الذهول، كأنهم منحوتات من الخشب.

يا له من رجل يُدعى فاضِل! إنه من أنبل الرجال، وقد حلّ هذه المرة ضيفًا على مدينة الشيخ. جميع الشخصيات البارزة في المدينة تمنّوا تناول العشاء برفقته، لكن أحدًا لم يحظَ بهذا الشرف. والمثير للدهشة أنه أبدى احترامًا بالغًا لرائد، حتى أنه نعته بلقب “سيدي”. أليس في ذلك ما يُثير الدهشة والتساؤل؟

أما نايف رعد ومن كانوا إلى جانبه، فقد بدت عليهم علامات الذهول الكامل.

رائد لم يُلقِ بالًا لأي من ردود الأفعال، كان كل ما يشغله في تلك اللحظة مراقبة جنى التي احتضنها بين ذراعيه. كانت بالكاد تقوى على فتح عينيها من شدة النعاس، فالټفت فاضِل إلى رجاله وأمر بجدية صارمة: “أنهوا ما بدأتم به، ولا أريد أي إزعاج.”

ثم مضى رائد مغادرًا، حاملاً جنى بين ذراعيه.

في نظره، لم تكن هناك أولوية تفوق عودة جنى إلى منزلها لتستريح جيدًا.

في صباح اليوم التالي، وعند الساعة الحادية عشرة والنصف، استيقظت جنى من نومها. لم تفتح عينيها إلا عند الظهر، وقد أحست بصداع كاد أن يشطر رأسها. كان الإحساس مزعجًا إلى درجة يصعب وصفها، لكن بعد لحظات استعادت وعيها تدريجيًا، وتذكّرت أنها شربت مضطرة الليلة الماضية.

لم تعتد جنى على شرب المشروبات البيضاء من قبل، وقد اتضح لها أنها لا تملك قدرة على التحكّم بعد الكأس الأول. فقدت ذاكرتها تمامًا، ولم تعد تتذكر ما جرى بعد تلك اللحظة، ولا حتى كيف عادت إلى المنزل.

وبينما كانت تسترجع هذه التفاصيل، رفعت اللحاف بسرعة وقلق، وأخذت تتفحّص جسدها بعينين مرتابتين. ولما وجدت ملابسها سليمة تمامًا، تنفّست الصعداء.

نهضت من السرير وتوجّهت إلى الحمام لتأخذ دشًا سريعًا، ثم خرجت من غرفة النوم.

ما إن غادرت، حتى أبصرت والدتها، غادة، منشغلة بإعداد الطعام في المطبخ، فسألتها بقلق:
“أمي… كيف عدتُ إلى المنزل الليلة الماضية؟”

أجابت غادة بهدوء وهي تقلب الطعام في المقلاة:
“لم تردّي على مكالماتي، فخرجت أبحث عنكِ. وعندما عدت، وجدتكِ نائمة في سريرك. لا أعلم كيف وصلتِ إلى المنزل. لكنّ سؤالك هذا غريب… كم شربتِ من الشراب الليلة الماضية؟”

سكتت جنى، وأطبقت شفتيها دون أن ترد، ثم انسحبت جانبًا وأخرجت هاتفها. اتصلت بمساعدتها، صفاء، وما إن ردّت، حتى سألتها جنى على الفور:
“ما الذي حصل الليلة الماضية؟ كيف عدتِ إلى المنزل؟”

أجابت صفاء:
“لا أعلم، كنتُ أنا أيضًا غير واعية، واستيقظت هذا الصباح في بيتي. عائلتي قالت إن موظفي الفندق هم من أعادوني، ربما حصل معكِ الأمر ذاته.”

شعرت جنى بالارتياح فور سماع ذلك، ثم سارعت بالسؤال:
“هل تمكّنا من إتمام الصفقة مع شركة “شركة جرين جاردن العقارية؟” 

قالت صفاء بخيبة أمل:
“آه، لا تذكري ذلك. فراس كان كاذبًا للغاية. لا يوجد منزل جديد لتجديده ضمن مشاريع شركة جرين جاردن للعقارات. لقد خدعنا، وطُرد الآن من الشركة.”

بعد سماع كلمات صفاء، غمر اليأس جنى. كانت قد أمضت يوم أمس بأكمله في عجلة من أمرها لإنجاز هذه المهمة، وبعد تواصلها أخيرًا مع الشركة، ظنت أن الأمور قد سارت في الاتجاه الصحيح. لكن من كان يتوقّع أن فراس يخدعها هكذا؟

كانت جنى غاضبة ومحبطة، لكنها لم تمنح نفسها وقتًا للتفكير. فاليوم هو آخر يوم في الشهر، وإن لم تُبرم الصفقة التي تبلغ قيمتها 20 مليون دولار، ستفقد وظيفتها.

قالت بعزم:
“سأذهب إلى الشركة الآن.” ثم أغلقت الهاتف.

رائد، الجالس على الأريكة في غرفة المعيشة، سمع كل شيء ورأى جنى وهي تغادر. لم يستطع إلا أن يقول:
“فقط… لا تشربي مجددًا.”

عندما تذكّر رائد ما حدث الليلة الماضية، انتابه الخۏف. كانت جنى ضعيفة أمام الشراب، وكانت ضعيفة للغاية. لو لم يصل في الوقت المناسب، لوقعت في ورطة كبيرة. لم يكن يهمه إن تذكرت أنه أنقذها، ما يقلقه حقًا هو أن تقع في نفس المأزق مرة أخرى، ولهذا ذكّرها بلطف.

لكن جنى كانت تحت ضغط شديد. وعندما سمعت كلامه، ردّت بانفعال:
“هل تظن أنني أشرب لأني أحب ذلك؟ كل ما فعلته كان لأجل العمل!”
كان خطړ الفصل يهددها، وعائلتها بأكملها تعتمد عليها. لم يكن خيار فقدان الوظيفة مطروحًا أبدًا.

وبعد أن أنهت كلماتها، غادرت المنزل مسرعة.

ركضت غادة من المطبخ وصاحت بها:
“جنى، تناولي فطورك قبل أن تذهبي!”

لكن جنى ردت وهي تخرج:
“لا وقت لديّ للإفطار.”

تنهدت غادة، ثم التفتت إلى رائد پغضب وقالت:
“إذا طُردت جنى، فاذهب أنت إلى الچحيم!”

عندما وصلت جنى إلى الشركة، اتجهت مباشرة نحو قسم الأعمال.

في منتصف الطريق، اعترض طريقها بلال، وقد بدا وكأنه يتربص بها. ابتسم بسخرية وقال:
“جنى، سمعتُ أنك لم تأتي للعمل هذا الصباح. هل استسلمتِ أخيرًا؟ هل تستعدين للمغادرة؟”

لطالما كانت علاقتها مع بلال سيئة، لا سيما بعدما شوه رائد، سمعته في نظر الإدارة. كان بلال يشعر بالإهانة كلما رأى رائد، ويتمنى لو يتخلص منه. لم ينسَ بعد كيف صړخ عليه رائد في المرة الأخيرة، وظلت تلك اللحظة عالقة في ذهنه.

أما جنى، فكانت تكره بلال بدورها. ردّت عليه ببرود:
“هذا لا يعنيك.”
ثم تجاوزته دون أن تعيره اهتمامًا، وتابعت طريقها نحو قسم الأعمال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top