إيلون ماسك يبني المستقبل: تأسيس مدينة “ستاربيز” في تكساس كنموذج لحياة ما بعد الأرض
في خطوة جديدة تعكس طموحه الذي لا يعرف الحدود، أعلن الملياردير الأمريكي إيلون ماسك عن تأسيس مدينة جديدة تُدعى “ستاربيز” في ولاية تكساس. هذه المدينة لا تشبه أي مشروع حضري تقليدي، بل تأتي ضمن رؤية ماسك لبناء مجتمعات ذكية، تدور حول الابتكار والتكنولوجيا واستكشاف الفضاء. بالنسبة لماسك، لا تقتصر المدن على الطرق والمباني، بل هي منصات لإعادة تصور شكل الحياة البشرية، سواء على الأرض أو في الفضاء.
من الحلم إلى الواقع: كيف وُلدت “ستاربيز”؟
بدأت القصة عندما استقرت شركة “سبيس إكس” التابعة لماسك في منطقة نائية تُدعى “بوكا تشيكا” على الساحل الجنوبي لولاية تكساس. كان الهدف الأولي هو استخدام الموقع لإطلاق الصواريخ، وخاصة سلسلة “ستارشيب” المصممة لنقل البشر إلى القمر والمريخ. لكن مع الوقت، أصبحت “بوكا تشيكا” أكثر من مجرد موقع إطلاق، فتحولت تدريجيًا إلى مجتمع صغير يضم مهندسين وتقنيين من مختلف أنحاء العالم.
في عام 2021، لمح ماسك على موقع “تويتر” إلى رغبته في تحويل المنطقة إلى مدينة تُدعى “ستاربيز”. لم يأخذ البعض الفكرة بجدية في البداية، لكنها مع مرور الوقت أخذت تتبلور. وفي مايو 2025، أجري تصويت رسمي بين سكان المنطقة، وكانت النتيجة ساحقة لصالح تحويل بوكا تشيكا إلى مدينة مستقلة.
لماذا “ستاربيز”؟
اسم “ستاربيز” ليس اختيارًا عشوائيًا. الكلمة توحي بقاعدة فضائية أو بوابة بين الأرض والنجوم. بالنسبة لماسك، المدينة ليست نهاية الطريق، بل مجرد نقطة انطلاق نحو الكواكب الأخرى. إنها بمثابة نموذج أولي لما يمكن أن تكون عليه المدن المستقبلية على سطح القمر أو المريخ. ولذلك، فإن تصميمها، إدارتها، وأهدافها تختلف عن أي مدينة تقليدية.
ما الذي يميز مدينة “ستاربيز”؟
- إدارة شبه خاصة
“ستاربيز” ليست مدينة تقليدية تديرها حكومة محلية منتخبة بالكامل من السكان. على العكس، يشغل كبار موظفي “سبيس إكس” المناصب الإدارية الأساسية، بما في ذلك العمدة وأعضاء المجلس المحلي. هذا النموذج يثير جدلًا بين من يعتبره انتهاكًا لمبادئ الديمقراطية المحلية، وبين من يراه تجربة جديدة قد تنجح في إدارة مدن مستقبلية بكفاءة عالية. - التركيز على الابتكار
تم تصميم المدينة لتكون مركزًا علميًا وتقنيًا. لا توجد فيها مناطق صناعية ملوثة أو شبكات مواصلات عتيقة. بدلاً من ذلك، تعتمد على الطاقة الشمسية، وأنظمة ذكية لإدارة المياه والنفايات، وشبكات إنترنت فائقة السرعة. - مجتمع علمي متكامل
يشكل سكان المدينة في معظمهم من مهندسي “سبيس إكس”، وعلماء الفضاء، وخبراء الروبوتات، مما يمنح المدينة طابعًا ثقافيًا وفكريًا مميزًا. يتم التخطيط أيضًا لإنشاء مدرسة تكنولوجية متخصصة للأطفال، بهدف إعداد جيل جديد يتقن مفاهيم الذكاء الاصطناعي والفضاء منذ الصغر. - موقع استراتيجي للفضاء
نظرًا لقربها من خط الاستواء وساحل الخليج، تُعد “ستاربيز” موقعًا مثاليًا لإطلاق الصواريخ، مما يعزز من دورها كمحور عالمي لرحلات الفضاء في المستقبل.
التحديات التي تواجه المدينة الجديدة
رغم الجاذبية التي تحيط بمشروع “ستاربيز”، إلا أن الطريق أمامه ليس مفروشًا بالورود. فالمدينة تقع ضمن منطقة بيئية حساسة تضم أنواعًا نادرة من الحيوانات والنباتات، مما أثار غضب مجموعات بيئية تخشى من الأثر التدميري للأنشطة الفضائية على الطبيعة المحلية.
كذلك، فإن علاقات المدينة بالسكان الأصليين في تكساس، خصوصًا مجتمعات السكان الأمريكيين الأصليين، لا تزال متوترة بسبب ما يعتبرونه إقصاءً لهم من قرارات تخص أراضي أجدادهم.
وهناك أيضًا تساؤلات قانونية حول مدى شرعية قيام شركة خاصة بإدارة مدينة بأكملها. هل “ستاربيز” نموذج لمدن الشركات في المستقبل؟ أم أنها تمهيد لاحتكارات جديدة للسلطة؟
كيف يرى ماسك المستقبل من “ستاربيز”؟
بالنسبة لإيلون ماسك، لا تمثل “ستاربيز” النهاية بل البداية. يقول دائمًا إن مصير البشرية يكمن في أن تصبح “نوعًا متعدد الكواكب”، وهذه المدينة هي أول حجر في هذا البناء الطموح. فإذا نجحت “ستاربيز” في توفير بيئة متطورة، خالية من البيروقراطية، تعتمد على التكنولوجيا، وتوفر معيشة عالية الجودة، فإنها قد تُستخدم كنموذج يتم تطبيقه لاحقًا في مستعمرات فضائية.
المدينة أيضًا بمثابة حقل تجارب ضخم لكل ما تطوره شركات ماسك الأخرى، مثل “نيورالينك” في مجال الدماغ والذكاء الاصطناعي، و”تسلا” في النقل والكهرباء، وحتى “ذا بورينغ كومباني” التي تختبر أنفاق النقل السريع.
ماذا يعني هذا المشروع للعالم؟
إذا نجح مشروع “ستاربيز”، فإنه قد يغيّر مفهومنا بالكامل عن المدن. فبدلًا من أن تكون المدن نتاج تطور اجتماعي واقتصادي طويل عبر القرون، يمكن الآن تصميمها وبناؤها من الصفر وفق رؤية واضحة، وبسرعة أكبر. قد نشهد خلال العقود المقبلة ظهور مدن متخصصة في الطب، في الزراعة الذكية، أو حتى في التعليم فقط.
وبما أن “ستاربيز” مدينة تركز على الفضاء، فإن نجاحها قد يعيد إحياء الحلم البشري بالعيش خارج الأرض، الذي ظل لعقود مجرد فكرة في كتب الخيال العلمي.
الختام
“ستاربيز” ليست مجرد مدينة جديدة على الخريطة، بل هي إعلان بأن المستقبل بدأ بالفعل، وأن الإنسان لم يعد يكتفي بإعادة بناء ما مضى، بل يسعى لتصميم عالم جديد بالكامل. سواء نجحت المدينة في تحقيق طموحات ماسك أو واجهت عقبات لا يمكن تجاوزها، فإنها تمثل تجربة تستحق المتابعة، وقد تفتح الباب لعصر جديد من الحضارة البشرية.