رواية سجناء الجزيرة للكاتبة أسماء حميدة كاملة وحصرية على موقع دريمسيز الفصل 26_27

Prewedding

هذه الرواية حصري على موقع دريمسيز، ممنوع النسخ منعاً باتاً نظراً لحقوق الملكية الفكرية ومن يخالف ذلك سيخضع للمسائلة.

في سجن الجزيرة.

بعد أن قامتا بتلك المهمة شبه المستحيلة، والفضل كل الفضل عائدٌ إليها بالطبع.

تسطحت إلى جواره، وبدى عليها الإرهاق والتعب، فلها يومان تواصل الليل بالنهار، ساهرةً تعتني به، وبالأساس هذا ليس من اختصاصها، ولكن شيء ما يدفعها لفعل هذا، رابطٌ قوي بينهما ولا تعرف مسماً له.

حتى عندما قررت الإبتعاد لم تقوَ عليه، بمجرد ما أحست به يتألم، حملها قلبها إليه.

أحست صديقتها المقربة “راشيل” بما تُكنه له، فاهتمامها به ونظرة الخوف بعينيها تبوحان بالكثير.

تركتها “راشيل” تأخذ قسطاً من الراحة، وخرجت تحضر محلولاً؛ لتقم بتعليقه لهذا المغيب لا حول له ولا قوة.

على أية حال لا خوف على “غادة” منه، فهو بعالمٍ آخر يحاكي الأموات.

وبالفعل عادت “راشيل”؛ لتؤدي عملها، فوجدت تلك التي كانت تلتقط أنفاسها بصعوبة، وتركت أياها تستريح لعشر دقائق إبان انتهائها من تركيب المحلول، قد انتظمت أنفاسها، تغمض عينيها ويبدو على وجهها الإرهاق والشحوب.

“راشيل” وهي تهزها برفق:

-دكتور “غادة”، “غادة” أفيقي.

“غادة” مهمهمة:

-أمممم، حسناً “راشيل” سأفيق، فقط دعيني أغفو لعشر دقائق.

“راشيل” وهي تهزها مجدداً:

-قومي يا فتاة؟! ارتاحي بغرفتك، وأنا سأتابع الحالة.

“غادة” بنعاس:

-لا، لا، أنا سأتبعها.

“راشيل” بسخرية:

-تتابعي مَن؟! أنتِ من يحتاج إلى المتابعة.

تُحدثي من “راشيل”؟! صديقتنا في غيبوبة هي الآخر.

سحبت “راشيل” ذلك الحامل الطبي ذو العجلات ناحية وضعية السرير الجديدة، تعلق عليه كيس المحلول الذي بيديها استعداداً لتوصيله بوريد زعيم صديقتها.

وزيادةً في دعم الزعيم قامت هي بتنظيف تلك الغرفة التي بدت في حالةٍ مزرية، حتى لا يمر أحد من التفتيش أو المتابعة ويجدها بهذا الشكل ويقع هو أو رفيقتها بمأزقٍ كبير.

مرت أكثر من نصف ساعة ورشيل تداوي ما دمره الداهية.

وبعد أن انتهت عادت مرةً أخرى توقظ تلك الغافية بسلام وكأنها نائمة إلى جوار والدها، فضخامة جسده مقارنةً بحجم “غادة” جعلتهما يبدوان كالجميلة والوحش، حسناً حتى نكن منصفين فلنقل الجميلة ووحشها الوسيم.

“راشيل” بتأففٍ:

-“غادة”، لقد مرت أكثر من نصف ساعة، هيا استيقظي، قد يمر أحد ويجدكِ نائمة هكذا وبتلك الحالة.

رفعت “غادة” رأسها ترمش بعينيها، وهي ما بين الغفوة واليقظة، قائلة:

-خلصنا “راشيل”، لقد استيقظت.

قالت جملتها وهي تفرك عينيها بنعاس، محاولة النهوض، ولكن جسدها متهدل لا يعاونها على ذلك.

في تلك الأثناء دوت صافرة الاستدعاء الخاصة بعنبر المتابعة، ويبدو أن هناك من بحاجة إلى المساعدة، وقد وزع الطاقم الخاص بالتمريض وظائف الإشراف، وكان عنبر المتابعة من قرعتها.

فأسرعت على الفور تهزها لآخر مرة، قائلة بتعجلٍ:

-دكتور “غادة” أفيقي بالله عليكِ، أنا مضطرة للرحيل الآن.

وعندما لم تجد استجابة منها سوى الهمهمات وكلمات غير مفهومة، لم يصلها منها سوى كلمات قليلة:

-أممم، اذهبي “راشيل”، وأنا سأقوم الآن.

تأفأفت “راشيل” وهي تضرب على فخذيها، وذلك عندما وصل إليها صافرة الاستدعاء تنطلق مرةً أخرى، وهنا الأوامر عسكرية وعدم الإلتزام بها يعني التنكيس بالقوانين.

خطوتان حائرتان وبعدها قررت أن تغلق الباب من الخارج بالمفتاح، وتلقيه إليها بالداخل من خلال تلك الفتحة الموجودة بالباب؛ حتى ما إن استيقظت تستطيع الخروج وإن مر أحدهم للتفتيش لن يتمكن من الدخول إلا إذا فتحت هي الباب.

والجيد في الأمر أن بعد تغيير موضع السرير أصبح الآن بعيداً عن مرمى بصر الناظر من فتحة الباب، فهو بمحاذاة الباب بنفس الجدار.
أي أن السرير والباب بجهة واحدة.
 
وبذلك تكن حمتها من جزاء أو لفت نظر، هذا إذا ما لم يتم فصلها؛ فهي نائمة أثناء فترات العمل الرسمية.
وأين؟! في سريرٍ واحد بجوار أحد السجناء.

وهذا يعني فصل عسكري لعدم الالتزام باللوائح والقوانين مما سيؤدي إلى ضياع مستقبلها المهني، ففي تلك الحالة لن يقبل أي مشفى آخر تعيينها بعد تسريحها من المشفى العسكري، هذا إلى جانب الفضيحة.

نفذت “راشيل” ما هداها إليه عقلها مجبرة، فلا خيار أمامها الآن، كما أن ذلك المسجى إلى جوار صديقتها حتى وإن مر الأمر بسلام، وهي ترجح ذلك؛ فقوة بنيته ستجعله يتجاوز تلك الانتكاسة.

أقلها سيلزمه ما بين خمس أو ست ساعات حتى يصدر عنه صوت أو حركة تدل على أنه حي يرزق.

أسرعت “راشيل” تتابع عملها، وبقى عقلها مشغولٌ بها، ولكن ما إن مر بعض الوقت ربما ساعتين أو أكثر لا تعلم، وبدى الوضع مستقر؛ فلم يمر اليوم أية لجان تفتيش، وبتكاثر أعباء العمل بات تركيزها منصب على تلك الحالات التي بحاجة إلى متابعة، تعطيهم كامل انتباهها.

أحلام وردية لا تخلُ من بعض الوقاحة والمجون بطلتها سمرائه، والغمامة السوداء تجسدت إلى أحداث بدت وكأنها واقع ملموس.

وأكدت الرؤى تلك الرائحة التي تخللت حواسه وكأنها ترياق يسري بسلاسة في أوردته مجرى الدم، مستهدفاً عضواً حيوياً بات ملكٌ لها.

الداهية مصدر الرعب، منبع الإجرام، عنوان القوة أصبح خاضعٌ لامرأة.

مهلاً لم يشمله إحساس بالدفء والسكينة؟! ويستشعر حمل يحتل الجانب الأيسر لجسده  ورغم ثقله ولكن ملمسه لين بطراوة!!

وهناك شيء ما يحيط خصره بتملك!!
قدمه اليسرى مخدرة ولا يقو على تحريكها!!

لحظات من الرعب دكت حصون الكبرياء والعظمة، وعقله بدأ يترجم كل ملابسات الواقع على نحو خاطىء.

هل كل ما فيه يعني انتهاء أسطورة المافيا “ريكا”؟!
لا، “ريكا” لو عجزت الشمس عن سطوعها ف”ريكا” لا.
لو ثبتت الأرض وكفت عن دورانها وتواصل ليلها بنهارها، ف”ريكا” لا.
لو تخلت الرواسي عن دورها ومادت الأرض أسفل سفحها، ف”ريكا” لا.
لو اختل نظام الكون وضلت التوابع عن مدارها، فيبقى “ريكا” أسطورة لا تنجلي.

تساءل أي غباء ذاك؟! وما علاقة جرح بالصدر بعجز في الحركة؟!

حتماً هناك شيء خاطئ!!

امتقعت معالم وجهه، فأهدابه مثقلة يريد أن يفرج جفونه؛ ليتحرى الأمر، فلو صدق حدثه سيدفع من فعلها وآمره والمؤيد له الباقي من أعمارهم جزاء لتجرؤهم على تقييد الداهية.

رفع كف يده اليمنى يفرك جبينه بضيق، ومن ثم مسح على وجهه عدة مرات في حركة تلازمه عند الغضب، وكأنه بذلك يستحضر شياطينه استعداداً لشن حرب ضارية.

حسناً لقد امتثلت حواسه تستجيب و بدأت جفونه بالحركة، وها قد اتضحت الرؤية.

التفت برأسه جهة اليسار، وما إن فعل حتى جحظت عيناه بعدم تصديق، رافعاً رأسه بإمالة ناحيتها، ومن ثم أعاد خفضها وهو يغمض عينيه بتأفف، قائلاً:

-بالله “ريكا”، هل جرى شيء لعقلك؟! أتحلم بها وعندما تفيق تراها تشاركك الفراش؟! بت تهزي يا زعيم!!

انتشلته من عالم المستحيل إلى واقع أكثر استحالة، وقد تحركت راحتها مرتفعة إلى صدره العاري، ورأسها المتوسد ذراعه اعتدل لتحط به على كتفه، تدفن وجهها بحنايا عنقه.

وأنفاسها المنتظمة تداعب جانب وجهه ورقبته تصيبه بدغدغة لذيذة؛ انكمشت لها عضلات جسده، وهو يحاول الإبتعاد، فيجدها تقترب؛ تلتمس الدفء.

لا وتزيدها بأنات، وهي تمسح وجهها بعنقه وكتفه.

وقد ضربت جوارحه عواصف رغبة قوية، داخله يصرخ بلوعة:

  • لا هذا كثير ارحمي “غادة”.

وكأنها استمعت، وجاءه الرد مخالف لكل التوقعات، وهي ترفع ذراعها تحيط عنقه، منكمشة على حالها، تدنو بجسدها تضمه إليه.

ضربات قلبه في تصاعد، وحرارته توازيها ارتفاعاً، وأنفاس حارقة يزفرها ببطئ، ووجد حاله يطبق ذراعه عليها يشدد في ضمها إليه ومال برأسه جهتها يتأمل ملامحها مستنكراً؛ فها هي تغفو براحة، وهو يتعذب.

ارتفع رأسها قليلاً فلامست شفاهها وجنته، وباتت أنفاسها قريبة حد الهلاك، فأغمض عينيه يتلذذ بنعومة جسدها بين يديه.

وداخله يقر بأنها إذا استمرت على تلك الحالة وفي وضعهما هذا سيفقد السيطرة، هو بالأساس ينهار.

أخذ يتحسس ذراعها صعوداً وهبوطاً، ولكن بدأ عقله في العمل، قائلاً بلوم:

-لا “ريكا”، “غادة” لا، فإذا أردتها، لن يكن بتلك الطريقة، يجب أن تكون لك بكامل إرادتها.

بالأخير انتصر صوت العقل، فما به ليس رغبة تنقضي بانقضاء اللحظة، هو يريد قلبها وليس جسدها فقط.
“ريكا” رافعاً ذراعه الحر يربت بكفه على خدها، وصوته يأبى الخروج:

-“غادة”، افيقي “غادة”.

“غادة” مزمجرة برفض وهي تتأفف ضامة إياه بقوة، وهو في الأصل غير قادر على الثبات:

-أف، “راشيل”؟! فقط خمس دقائق إضافية.

“ريكا” وهو يرطم رأسه على الفراش عدة مرات، محاولاً السيطرة على حاله، قائلاً باستهجان:

-تتأفف مطالبة بخمس دقائق!! وأنا أقل من دقيقة ولن يمكنني الثبات.

عاود منادتها مجدداً، وهو يحاول الابتعاد، ولكن كلما ابتعد تتشبث به بقوة:

-“غادة” استيقظي، وإلا……

وقبل أن يتم جملته فتحت عيناها التي جحظت بفزع، تنظر إليه بكراهية، وهي تفغر فاها استعداداً للصراخ، فرفع كفه يغلق فمها، وهو يقول:

-اهدئي “غادة”، اهدئي أرجوكِ.

-أممم.

همهمت بها، وهي تهز رأسها برفض، وقد لمعت عيناها بدموع قهر، وهي تسبلها بكسرة، حطمت قلبه.
وهو يشكر ضميراً ظنه مات؛ على يقظته بآخر لحظة.

فبرغم عدم معرفته بمعتقداتها الدينية، وحتى إن عرف فبالطبع يجهل أحكامها.

ولكن فزعها ونظرة البغض بعينيها، والقليل الذي يعلمه عن طباع العرب، أكد له شيئاً طربت له نفسه؛ خاصةً وهي لا ترتدي خاتم زواج، ألا وهو أن سمرائه لازالت عذراء.

فلو كانت غير ذلك لعلمت دون الحاجة لتأكيد أنه لم يسلبها ما دمعت عيناها رثاءً له.

“ريكا” وهو يحاول تهدئتها:

-أقسم بكِ سمرائي، لم يحدث شيئاً.

رفعت بصرها إليه تناشده أن يصدقها، فأجابها بصدق، وهو ينظر إلى عينيها بعمق؛ لربما تلتمس مصداقيته في نظراته لها، ويده لازالت تكمم فمها:

-قسمي بك غير منكس، وإذا كنت تعرفين عني  ما يجعلك تخشينني، فمؤكد سمعتي أن “ريكا” لا يكذب، ولا حاجة لي بالكذب.

هدأت حدة نظراتها،؛ ولكنه أحس بدفء عبراتها على جسده فلازال ذراعه يطوقها، ولازالت تسكن أحضانه.

سألها بألم وهو يرفع يده عن فمها، يمسح بها على وجنتها؛ يزيل دموع عينيها بحنان، فأرادت أن تنهض، ولكنه ظل متشبساً بها، على رغم مقاومتها الخائرة؛ لضعف حالتها، ومراعاة لحالته:

-لِمَ تبكين الآن؟! ألازلت لا تصدقين؟!

كل ما خرج من فمها، كلمات قالتها بنبرة مختنقة:

-دعني “ريكا”.

إذا كان هذا سيريحها، كان سيفعلها، ولكن قابل طلبها بالرفض، وهو يجذب رأسها إلى صدره، يحكم حصار جسدها بذراعيه.

يحتضنها باحتواء، وهو يربت على ظهرها بكفيه، يهدهدها كطفلة بأحضان والدها.

لا تعرف لِم تشعر بالأمان بين يديه؟!

في البداية فزعت عندما أفرجت أهدابها ووجدت حالها معه بهذا الوضع، ولكن عندما أقسم بها أيقنت صدقه، ولا تعرف إذا كان عقلها الذي استرجع ما حدث قبل غفوتها السبب في ذلك، أم قسمه بها الذي لا ينكس مثلما قال.

ولكن ما صدر منه الآن جعلها تنتفض حيث……

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top