اكتشاف مفجع في معرض علمي: أم تتعرف على ابنها بعد سنوات من اختفائه

في أحد أركان مدينة ألمانية هادئة، حيث يصطفّ الزوار في طوابير طويلة أمام مبنى زجاجي مدهش، انطلقت فعاليات معرض “عوالم الجسد” (Body Worlds)؛ ذلك المعرض الشهير عالميًا الذي يُظهر أجسادًا بشرية حقيقية أُزيل عنها الجلد وكُشفت تفاصيلها العضلية والعظمية بدقة علمية لافتة. الزائرون، مدفوعون بالفضول أو الرغبة في التعلم، يدخلون ليشاهدوا تشريح الإنسان كما لم يُرَ من قبل.

لكن في أحد الأيام، دخلت امرأة في الخمسين من عمرها تُدعى “ماريا” إلى المعرض كأي زائرة أخرى. ملامحها شاحبة، عيناها تبحثان عن شيء مجهول. وبينما تتجول بين الأجساد المحنطة، توقفت فجأة أمام نموذج معين، واقفًا بلا جلد، مائل الرأس، كأنه ينحني للأرض بحزن.

حدّقت طويلاً، ثم همست:
“ده مش مجرد نموذج… ده ابني.”

ظنّ الحراس أنها تتوهم. لكن ماريا لم تكن امرأة عادية. كانت أمًا فقدت ابنها الوحيد “كريستوفر” قبل سبع سنوات، واختفى حينها دون أثر أثناء عمله في أحد المستشفيات الخاصة. لم يصدّقها أحد في البداية، لكن إصرارها على أن ملامح الجمجمة، شكل الأنف، بنية العضلات، وحتى ميل الرأس… كلها تشير إلى ابنها، دفع القائمين على المعرض تحت ضغط إعلامي هائل للموافقة على إجراء فحص الحمض النووي.

وبعد انتظار دام أسابيع، جاءت الصدمة الكبرى:
نتيجة التحليل أكدت أن الجثة تعود فعلًا إلى كريستوفر.

هكذا، تبيّن أن الابن الذي اختفى سُجّل كمجهول الهوية بعد وفاته في حادث غامض، وتم التبرع بجثمانه دون علم أسرته لأغراض بحثية، لينتهي به المطاف جزءًا من معرض يتنقّل بين العواصم.

ماريا، التي انهار عالمها من جديد، بدأت معركة قانونية لاستعادة رفات ابنها ودفنه بكرامة في بلده، لكن إدارة المعرض رفضت ذلك، معتبرة الجثة “عنصرًا بصريًا علميًا لا يمكن التخلي عنه”. فالمعرض يستخدم تقنية “البلاستينيشن” (Plastination) التي ابتكرها الطبيب الألماني غونتر فون هاجنز، والتي تحفظ الجثث عبر استبدال السوائل بأنسجة بلاستيكية، وتعرضها بشكل يُستخدم للتعليم الطبي.

لكن القصة أعمق من مجرد حالة فردية.
معارض مثل “Body Worlds” واجهت مرارًا انتقادات لاذعة تتعلق بمصادر الأجساد المعروضة، وشفافية التبرعات، وحتى شبهات حول استخدام جثث لسجناء مجهولين، خصوصًا من الصين وروسيا.

في عام 2004، تم إجبار إدارة المعرض على إعادة جثث قيل إنها تعود لسجناء أُعدموا، بعد اكتشاف علامات إصابة بطلق ناري في الرأس. كما أن سجل التبرعات، رغم الإعلانات الرسمية، لا يخضع لمراجعة مستقلة في كثير من الحالات.

ورغم كل الجدل، لم تفقد ماريا إيمانها، وعادت يوميًا تقف أمام الجثة المعروضة، تنظر إليها طويلاً، تمسح دمعة خائنة، وتهمس بصوت مرتجف:
“عرفتك من عضمك يا كريستوفر… حتى لو الدنيا كلها نسيتك، أنا لأ.”

لكن الحكاية لم تكن مجرد مأساة شخصية، بل صفعة على وجه النظام العلمي والتشريحي المعاصر، وفتحت الباب لسؤال يوجع الضمير الإنساني:

هل من حق العلم أن يحتفظ بجسد إنسان، إذا كانت ذاكرته لا تزال تنبض في قلب من يحبّه؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top