رواية حتى بعد الموت الفصل 41

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 41

وضعت نوران سلة الفاكهة على الطاولة القريبة بخفة، ثم قالت بصوت هادئ ممزوج بالقلق:
– “إنها صديقتي. جئت فقط للاطمئنان عليها، لن أطيل. سأغادر حالما أطمئن أنها بخير.”

لكن المديرة لم تُبدِ أي مرونة. نظرت إليها بنظرة قاسية ورفعت يدها مشيرة إلى الباب:
– “ذلك ليس ضروريًا. قربها من أي أحد سيزيد من اضطرابها. آنسة الهاشمي، أرجوكِ، غادري فورًا.”

لم تكن نوران قد التقطت أنفاسها حين اقتربت بيل منها فجأة، تحتضن الوسادة الصغيرة كأنها كنز ثمين، وتدسّها بين ذراعيها بيأس، عيناها ترجوانها وكأنها في لحظات الفقد الأخيرة:
– “خذي طفلي، واهربي به بعيدًا… سأُشغلهم لبعض الوقت. أرجوكِ، لا تضيّعي الوقت، اركضي!”

وبينما كانت الكلمات لا تزال تتردد في هواء الغرفة، خطفت بيل سلة الفاكهة وألقتها بكل ما أوتيت من قوة نحو الطبيب الواقف في الزاوية:
– “سأقتلك أيها الشيطان! سأمزقك إن لمست طفلي! سأقتلك، أقسم بذلك!”

سادت لحظة من الصدمة، تلتها فوضى عارمة، إذ اقتحم الحراس المكان بسرعة خاطفة، يرتدون خوذاتهم وستراتهم الثقيلة، مدججين بأجهزة صعق كهربائي. لم تمر ثوانٍ حتى سقطت بيل على الأرض إثر صدمة كهربائية مباشرة. حملها أربعة رجال إلى سريرها بعنف، وقيّدوها بأحزمة جلدية مشدودة.

كانت لا تزال تصرخ بهذيان وهي تتوسل:
– “أعيدوا لي طفلي! لا تأخذوه مني، أرجوكم… إنه كل ما أملك!”

بدأ صوتها يخفت تدريجيًا بعدما أُعطيت جرعة مهدئ قوي، وعيناها تغلقان ببطء شديد، كأنها تسلّم روحها للنسيان. ثم سقطت في غيبوبة مؤقتة.

وقفت نوران في زاوية الغرفة مذهولة، عاجزة عن التحرك أو الكلام. قلبها ينبض بعنف، وجسدها يرتجف. كانت تشعر وكأنها في سجن مغلق، لا مستشفى. الأطباء هناك لم يكونوا سوى سجانين في زيّ أبيض.

كانت بيل، رغم كل شيء، تبدو بريئة جدًا في لحظة فقدان وعيها، كأنها طفلة نامت أخيرًا بعد معركة طويلة مع الكوابيس. وقبل أن تتمكن نوران من قول كلمة أو طرح سؤال، اقتادتها الممرضة خارج الغرفة بسرعة.

في طريقها للخروج، التفتت نوران إلى الخلف. من زاوية الباب، لمحت الدكتور غالاوي يصرخ في وجه إحدى الممرضات بحدة، كان غاضبًا لأنهن سمحن لنوران بالدخول دون إذنه.

وبينما كانت تنظر إليه، رفع غالاوي رأسه فجأة، والتقت عيناه بعينيها. لحظة صمت طويلة تخللت التحديق، ثم حوّل نظره عنها بسرعة، وقطع حديثه دون سبب واضح.

شعرت نوران بشيء غامض يتحرك في قلبها. كانت متأكدة أن هناك أمرًا غير طبيعي. الطبيب لم يكن مجرد شخص من الطاقم الطبي. نظراته لم تكن غريبة عنها، رغم أنهما… لم يلتقيا من قبل.

بحسب ما قاله أحمد، فإن ما حدث لبيل وقع بعد امتحانات الثانوية العامة مباشرة. اختفى فجأة ذلك الشاب جاد من حياتها، ثم توالت الانهيارات. فقدت جنينها، تدهورت حالتها النفسية، وتم إرسالها إلى هذا المستشفى… للعلاج.

لكن شيء ما في القصة لم يكن واضحًا. بيل كانت تكرر حديثها عن “الطفل”، دون أن تشير إلى والده. لم تذكر جاد. لم تذكر أي رجل. لكن نوران بدأت تطرح على نفسها سؤالًا غريبًا… هل كانت بيل تحمل ذكرى مكبوتة؟ ذكرى مخيفة، ربما… تتعلق بوالدها؟

للبحث عن إجابات، قررت نوران الذهاب إلى منزل بيل القديم، بيت عائلة سامي. ولكن المفاجأة كانت أن المنزل أصبح مملوكًا لشخص آخر. باعه والد بيل منذ عام، بعد أن هاجر مع زوجته إلى الخارج.

كان أمرًا غريبًا. لماذا تخلوا عن ابنتهم بهذه البساطة؟ خصوصًا وهي في وضع لا يُحسد عليه. عائلة سامي كانت عائلة متوسطة الحال، بالكاد يُدبّرون معيشتهم، فكيف لهم أن يسافروا للخارج؟ حتى وإن كان الابن الأصغر عالمًا مشهورًا، لم يكن الأمر منطقيًا بالكامل.

قررت نوران التحدث مع رايان مرة أخرى. كان هو الشخص الوحيد الذي تستطيع سؤاله دون خوف. وكالعادة، لم يرفض دعوتها.

– “آنسة الهاشمي، كيف يمكنني خدمتك هذه المرة؟”

– “رايان، لديّ سؤال بسيط… هل تعرف بيل سامي؟”

أومأ برأسه بتنهيدة حزينة:
– “أجل، بالطبع. تلك الفتاة المسكينة. انهارت فجأة قبل عامين تقريبًا. سمعت أن الضغط الدراسي عليها كان هائلًا، خصوصًا من العائلة. للأسف، حالتها النفسية لم تصمد.”

– “هل كانت على علاقة بأحد؟ أي صديق؟”

هز رايان كتفيه بنفي قاطع:
– “لا. كانت جديّة جدًا. تركز فقط على دراستها، وتبتعد عن الشباب. الوحيد الذي كانت تسمح له بالاقتراب منها هو السيد الهاشمي.”

توقفت نوران عند اسمه. قالت ببطء:
– “والدي؟”

ابتسم رايان بأسف:
– “أجل، والدك. كان رجلًا طيبًا. ساعدهم جميعًا، جودي، بيل، وحتى أنجيل – الفتى الذي مات صغيرًا. لقد كان والدك بمثابة أب لهم. وكان يعلّق على بيل آمالًا كبيرة. لقد أحبطه ما حدث… لو كان يعلم، لأصابه الحزن العميق.”

جميع فصول الرواية من هنا

رواية حتى بعد الموت الفصل 42

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top