الفصل 100
أمسكت نوران بشعر مرام بعـ’ـنفٍ لم تألفه من نفسها، وعيناها تشـ’ـتعلان غضـ’ـبًا حارقًا وألمًـ’ـا متراكمًا ظلّت تكبته لسنوات. شهقت مرام، لكنّ قبضة نوران كانت أقوى من أن تردعها شـ’ـهقة أو صـ’ـرخة.
قالت بصوت متشظٍ بالغـ’ـضب والمرارة:
“أليس أحمد في نظركِ رجلاً مثالياً؟ أليس هو الحبيب الذي تتفاخرين به؟ الرجل النقي، الوفي، الذي لا يخطئ؟ وأنا… أنا، من أكون في هذه الرواية الكاذبة؟ ظِلّ امرأة تُمحى؟ سأجعل الجميع يعرف الحقيقة، مرام… سيعلمون أن هذا الرجل المثالي، الذي تتباهين به، له ماضٍ تحاولين دفنه… زوجة سابقة! امرأة تم التخلي عنها كأنها لم تكن! وأنا أملك كل الأدلة… وسأفـ’ـضحك أمام الجميع، دون تردد.”
كانت تعرف أن تهـ’ـديدها لن يهزّ أحمد، فهو لم يكن يومًا مهتمًا برأي الناس، ولا تعنيه صورتُه أمام الآخرين. رجل جاف، متعالٍ على العواطف، لا يسعى لإرضاء أحد. لكن مرام… مرام كانت شيئًا آخر. امرأة تعيش على صورتها، وتتنفس من خلال انطباع الآخرين عنها. كل خطوة لها محسوبة، وكل كلمة مدروسة. لم يكن سهلًا عليها أن ترى ذلك الصرح الاجتماعي يتداعى أمام عينيها.
تراجعت مرام خطوة إلى الخلف، وكأنها تلتقط أنفاسها من تحت الماء، ثم صرـ’ـخـ’ـت بانكسار وذعـ’ـر:
“فهمت! فهمت، نوران! هو مجرد منزل… منزل الهاشمي، سأعيده لكِ… فقط، أبعدي السكين، لا تؤذـ’ـيني، أرجوكِ!”
اقتربت نوران أكثر، حتى كادت أنفاسها تحـ’ـرق خد مرام، وهمست في أذنها ببرود قـ’ـاتل كالسّمّ البطيء:
“وإن فكرتِ للحظة أن تقتربي من أحمد مجددًا… سأمـ’ـزق سمعتكِ أمام الجميع. أنتِ امرأة ذكية، يا آنسة الزهراني، وتفهمين أن الانهيار الاجتماعي مؤلم أكثر من الطعـ’ـنات. فاسلمي ما تبقّى من كبريائكِ، وابتعدي.”
لطالما اعتقدت نوران أن مثل هذه المشاحنات لا تليق بها، كانت ترى نفسها أرقى من الدخول في مهاترات النساء الغـ’ـيورات. لكن هذه اللحظة… كانت لحظة مختلفة. شعرت بشيء يشبه النشوة. لذّة الانتـ’ـقام، ومتـ’ـعة الانتصار، حتى وإن كانت مؤقتة.
مرام، التي كانت دومًا تتبختر بكبريائها وتغلف كلماتها بالغطرسة، شعرت أن فروة رأسها تُنتزع، وأن تلك الهالة المصطنعة من الكمال تتلاشى أمام هذه المرأة التي ظنتها يومًا ضعيفة ومنكسرة.
“نعم، نعم… سأفعل ما تقولين… فقط، أزيحي السـ’ـكـ’ـين… رقـ’ـبتي تؤلـ’ـمني!” توسّلت مرام بصوت مرتـ’ـجف، وكانت عينها تدمع من مزيج بين الذعـ’ـر والذل.
كانت حافة السـ’ـكـ’ـين تلامس عنقـ’ـها، ملطـ’ـخة ببقعة دـ’ـم صغيرة، لكنها كافية لتبعث الرسالة: نوران قادرة على أن تؤذي… وقادرة على أكثر.
قالت نوران بنبرة خافتة، لكنها أشبه بالطعـ’ـنة:
“تذكّري هذا الألـ’ـم جيدًا… لأن المرة القادمة، لن تكون مجرد تهـ’ـديد.”
“أفهم! أقسم أنني أفهم!” صاحت مرام، منكـ’ـسرة كليًا، وقد أيقنت أن الخيار الوحيد للبقاء هو التراجع بصمت.
عندها فقط، حررت نوران قبضتها، وأسقطت السـ’ـكين على الأرض كما تُسقط حملًا ظلّ ينهش كتفها. مرام، وقد اختلطت دموعها بمساحيق وجهها، لعنت حظها في سرها، ثم دفعت الخادمة التي حاولت مساعدتها، وهرعت إلى الطابق العلوي، تركض كمن يحاول الفرار من ماضٍ يطارده. كانت تريد فقط أن تغسل العجين عن وجهها… أن تنقذ ما تبقى من كرامتها.
في الأعلى، كان بكاء رُكان يشقّ سكون البيت كجرس إنذار. المربية، رغم محاولاتها المستميتة لتهدئته، لم تفلح. كان الطفل ينتحب بحرقة، ينادي بإصرار مؤلم:
“ماما… ماما!”
وبينما كانت تحاول احتـ’ـضانه، انزلق هاتفها من جيبها وسقط أرضًا. زحف الطفل الصغير نحوه، التقطه بيديه المرتجفتين، وهمهم بصوت مكسور:
“أبي… أبي… اتصل بأبي.”
وقفت المربية حائرة، بين أوامر صارمة بعدم الإزعاج، وبين عيون الطفل المتوسلة. أخيرًا، وتحت وطأة بكائه، رضخت. فتحت مكالمة فيديو مع أحمد، كما فعلت في مرات قليلة ماضية حين كان الطفل يمرض أو يحزن بشدة.
وكما توقّعت، أجاب أحمد في اللحظة ذاتها.
ظهر وجهه على الشاشة، ولكن ما شدّه لم تكن المربية، بل عينا رُكان، المحمرتان من شدة البكاء، وصوته الذي خرج مختنقًا:
“أبي!”
قطّب أحمد حاجبيه. لم يكن من عادة رُكان أن يبكي، حتى عندما يسقط أو يُصـ’ـاب، كان دائمًا قويًا بشكل يثير الدهشة.
“ماذا حدث؟” سأل بصوت بارد، يخفي قلقًا خفيًا.
أجابت المربية بصدق وتردد:
“معذرة، سيد القيسي… الطـ’ـفل بدأ يتصرف بغرابة منذ أن استقبلنا ضيفًا في المنزل. تعلّق بها بشدة، ثم بدأ في البكاء حين ابتعدت عنه. حاولت تهدئته، لكنه لم يهدأ.”
“ضيف؟” كرر أحمد، وقد بدأ الشك يتسلل إلى نبرته.
ترددت المربية، ثم قالت:
“أظن أنهم نادوا عليها باسم السيدة الهاشمي…”
ما إن سمع الطفل ذلك الاسم، حتى اندفع فجأة نحو النافذة الواسعة، كأن حواسّه كلها اشتعلت. صعد فوق مقعد صغير، والتصق بزجاج النافذة وهو يصرخ بحرقة واشتياق:
“أمي! أمي!”
كانت نوران في الحديقة، تمسح شعرها بمنشفة مبلّلة، تجهل تمامًا أنها أصبحت في نظر رُكان ليست مجرد زائرة عابرة… بل كل عالمه.
انتظروني يوميًّا في تمام الساعة التاسعة مساءً، مع فصول جديدة مشوّقة!
رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك كاملة من هنا
رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 101 رواية حتى بعد الموت
😭😭😭😭النهاييةة
الروايه راءعه جدااااا لكن ما يرفع ضغطي هو موقف م ام من أحمد لماذا لا تذهب بعيدا عنه و تنتظر مصيرها داءما تذل
نفسها جابتلي الضغط
ليه مفيش فصول جديدة. وصفحة الفصول مرضياش تظهرلي