الفصل 101
اندفعت شهد بعنف، كأن عاصفة عاتية ضربتها، لترتطم بالحائط بقوة. ارتج جسدها من الصدمة، وتراقصت أمام عينيها نجوم وامضة، كأنها شظايا ضوء تتلاشى في العتمة.
في تلك اللحظة، دوى صوت قوي عبر الغرفة:
“توقفوا فورًا! ما الذي يجري هنا؟”
كان رئيس الشرطة قد دخل لتوه، يتبعه وفيق، وعيناه تمسحان المكان بحزم.
ما إن رأى الشرطيان رئيسهما حتى تبدلت تعابير وجهيهما على الفور. تراجعا بسرعة، وأرخيا قبضتيهما عن شيهانة.
وبعد أن تخلّيا عنها، كاد جسدها المنهك أن ينهار، لكن وفيق تحرّك بسرعة وأمسك بها قبل أن تهوي إلى الأرض.
“آنسة شيهانة!” قالها بقلق وهو يسندها، وعيناه تبحثان في ملامحها عن أي أثر للأذى. “هل أنتِ بخير؟”
التقطت أنفاسها بصعوبة، وحاولت أن تثبت قدميها بمساعدته قبل أن ترد بصوت خافت لكنه ثابت: “أنا بخير.”
لكن شهد وورد لم تكونا بخير على الإطلاق! فقد أدركتا أن الأمور بدأت تنقلب ضدهما، خاصة مع ازدياد عدد الشهود في الغرفة. خطتهما كانت على وشك الانهيار.
حاولت ورد استعادة زمام الأمور بسرعة، فتقدمت بخطوات واثقة قائلة بصوت حازم:
“رئيس الشرطة، من الجيد أنك هنا. شيهانة أطلقت اتهامات باطلة ضد شركة مجد، مما تسبب لنا بضرر بالغ. يجب إلقاء القبض عليها فورًا! لن نسمح بأن تمر هذه الإهانة دون عقاب، وسنتخذ جميع الإجراءات القانونية لمحاسبتها بتهمة التشهير!”
لكن قبل أن تكمل جملتها، دوّى صوت صفعة عنيفة، قطعت كلامها في منتصفه.
التفت الجميع في ذهول، ليجدوا شهد وقد جمدتها الصدمة، بينما خدها المتورم يشهد على الضربة التي تلقتها.
رفعت يدها المرتجفة إلى وجهها، تشعر بحرارة الصفعة تلسع بشرتها، قبل أن ترفع نظراتها ببطء نحو شيهانة، التي كانت تقف أمامها بثبات، وملامحها تحمل مزيجًا من القوة والغضب.
“أيتها الحقيرة! كيف تجرؤين؟!” صرخت شهد بجنون، واندفعت نحو شيهانة محاولةً تمزيقها بأظافرها.
لكن شيهانة لم تتراجع. أمسكت بذراع شهد المرفوعة وأحكمت قبضتها عليها، ثم دفعتها بقوة للخلف.
تعثرت شهد بكعبها العالي، فقدت توازنها وسقطت على الأرض، ليصدر صوت التواء كاحلها مع سقوطها.
“آآآه!!” صرخت من الألم وهي تمسك بكاحلها المتورم.
“شهد!” هرعت ورد إليها بفزع، وانحنت بجانبها، تمسك بيديها بقلق: “ابنتي العزيزة، هل أنتِ بخير؟”
كان الألم يمزق ملامح شهد، لكن الغضب كان أشد. شهقت بعنف، ثم صاحت بصوت مرتعش من الانفعال:
“أمي… يجب أن أقتلها… سأقتلها!”
حاولت الوقوف، لكن الألم كان أقوى من إرادتها. انهارت مجددًا بين ذراعي ورد، تلهث بغضب، بينما شيهانة تراقبها ببرود.
رأى رئيس الشرطة أن الأمور تخرج عن السيطرة بسرعة، فصاح بصوت صارم هزّ المكان:
“هذا مركز شرطة! من يتجاوز حدوده سيُحاسب بالقانون!”
لكن ورد لم تأبه لتحذيره، فقد كانت الغضب يشتعل في عروقها. صرخت بجنون، وعيناها تقدحان شررًا:
“ألم ترَ كيف آذَتْ تلك المرأة ابنتي؟ هل ستتركها تفلت بفعلتها؟!”
لكن رئيس الشرطة لم يكن في مزاج يسمح بالمزيد من الفوضى. استدار نحوها، وبصوت غاضب وبّخها بشدة:
“وماذا عن ما فعلتموه بالآنسة شيهانة؟!”
في الواقع، لم يكن الرئيس منحازًا لشيهانة، لكنه كان يدرك تمامًا أنه مسؤول عن الفوضى التي حدثت. فهو من سمح لرجاله بالتعامل معها بقسوة، ولم يكن ليتدخل لولا دخول وفيق المفاجئ إلى مركزه.
لم يكن يتوقع أن يُرسل مراد رجاله لإنقاذها، ولم يكن ليستوعب أن رجلًا في مكانة مراد يهتم بتلك المرأة المجهولة إلى هذا الحد.
لو حدث مكروه لشيهانة، لكانت أيامه كرئيس شرطة معدودة.
لكن شهد وورد لم تدركا هذا التوتر الذي يعيشه رئيس الشرطة. في نظرهما، لا يزال مركز الشرطة بأكمله تحت سيطرتهما.
وفي لحظة عنادٍ مجنونة، نهضت شهد أخيرًا. كانت تشعر بالإهانة تحرق كرامتها، ولن تقبل بالسقوط هكذا! بكل ما أوتيت من قوة، هاجمت شيهانة.
لكن شيهانة كانت أسرع، تراجعت برشاقة في اللحظة الأخيرة، لتخطئ شهد هدفها وتهوي أرضًا مرة أخرى.
“شهد!” صرخت ورد، وركضت نحوها، وجهها شاحب كالقماش.
لكن رئيس الشرطة فقد صبره تمامًا. التفت إلى رجاله، وأصدر أمره بحزم:
“أيها الرجال، افصلوهم فورًا! اضربوا كل من يرفض التعاون!”
سادت لحظة من الفوضى قبل أن يتدخل رجال الشرطة ويفصلوا الطرفين عن بعضهم بالقوة. هدأت الأجواء أخيرًا، لكن نظرة شهد إلى شيهانة كانت تحمل من السُمّ ما يكفي لقتلها ألف مرة.
بمساعدة ورد، وقفت بثبات، لكن في داخلها، كان الغليان قد وصل إلى ذروته.
هذه الإهانة لن تمر دون انتقام.
الفصل 102
تجول الرئيس بعينيه في الغرفة، مراقبًا التوتر المتصاعد. كان واضحًا أن الرياح بدأت تتغير، لكن هل استطاعت ورد وشهد إدراك ذلك؟
أخذ نفسًا عميقًا، ثم قال بهدوء، لكن بصوت يحمل نبرة حاسمة:
“سيدة مجد، أتيتُ لأبلغكِ أن السيدة شيهانة قد أُفرج عنها بكفالة. سيتم فتح تحقيق أوسع حول ادعاءات التشهير، لكن حتى هذه اللحظة، هي امرأة حرة.”
تصلبت ملامح شهد، وكأنها تلقت صفعة غير متوقعة. “ماذا قلت؟!” صاحت بغضب.
كرر رئيس الشرطة كلامه بوضوح أشد، وأضاف:
“السيد مراد هو من دفع كفالتها، مما يعني أنها تستطيع المغادرة فورًا.”
ساد صمت ثقيل في الغرفة. تبادلت شهد وورد نظرات مذهولة.
مراد؟ دفع كفالة شيهانة؟
كان الأمر أشبه بمشهد درامي مستحيل. كيف يمكن أن يحدث هذا؟
لقد انفصل عنها منذ سنوات، ولم يكن بينهما أي تواصل… فلماذا يساعدها الآن؟ لابد أن هناك خطأً ما.
لكن شهد لم تكن من النوع الذي يتقبل الهزيمة بسهولة. رفعت رأسها بشراسة وقالت بتهديد واضح:
“هذا مستحيل! حتى لو خرجت الآن، لن تفلت بهذه السهولة! لقد شوهت سمعتنا وألحقت أضرارًا فادحة بشركة مجد، والجميع هنا رأوا كيف هاجمتني! سأقاضيها بتهمة الاعتداء المتعمد! وإن لم تقم الشرطة باعتقالها فورًا، فسأرفع دعوى ضدكم جميعًا بتهمة التقصير وانعدام الكفاءة!”
لكن صوتًا جديدًا اخترق الأجواء، صوت كان أكثر ثقةً وهيمنةً من صوت شهد الغاضب.
“هذا رائع.”
تقدم رجل أنيق يرتدي بدلة رسمية، وقف بثبات وسط الغرفة، وعيناه تحملان قوة القانون ذاته.
“لأننا أيضًا سنقاضيكِ أنتِ ووالدتكِ بتهمة الاعتداء المتعمد!”
ارتبكت شهد، وحدقت فيه بعدم تصديق.
تابع الرجل كلامه بنبرة حاسمة:
“أنا المحامي كامل. عندما دخلنا هذه الغرفة، رأينا كيف أعتديتم على الآنسة شيهانة. وبعد فحص إصاباتها، سنرفع القضايا المناسبة. لن يفلت أحد منكم من العقاب!”
ثم التفت ببرود نحو شهد وورد وأضاف بابتسامة هادئة، لكنها تحمل تهديدًا ضمنيًا:
“وبالمناسبة، من الآن فصاعدًا، الآنسة شيهانة هي موكلتي. أي شكاوى أو ادعاءات ضدها تمر عبر مكتبي. يمكنكم مناداتي بالسيد أو المحامي كامل… سررت بمعرفتكم.”
كانت الغرفة بأكملها صامتة، لكن الجميع شعروا أن القنبلة قد انفجرت.
وعندما التفت محامي الذي أحضرته شهد، ورأى من يقف أمامه، شحب وجهه فورًا.
المحامي كامل؟!
أفضل محامي في المدينة… رجل لم يخسر قضية واحدة في حياته!
إن مواجهته في المحكمة ليست سوى انتحار مهني!
شعر محامي ورد بندم ينهش قلبه.
كان يظن أن هذه القضية مضمونة، فشيهانة لم تكن تملك المال لتوكيل محامٍ قوي، وكان يعتقد أن الفوز سيكون سهلًا ومربحًا. لكن الحظ خانه هذه المرة.
المحامي كامل…
أحد أعظم المحامين، رجل لم يخسر قضية واحدة في حياته. والآن، أصبح في صف خصمهم.
لقد انتهى الأمر.
لكن شهد وورد لم تدركا بعد خطورة الموقف.
نظرت ورد إلى المحامي كامل بغضب، وحدقت فيه بعينين تقدحان شررًا قبل أن تزمجر ساخرة:
“ومن تظن نفسك لتقاضينا؟ مجرد محامٍ صغير؟ لا تكن فضوليًا أكثر من اللازم، فقد ينتهي بك الأمر مقتولًا في خندق ما!”
ساد صمت ثقيل للحظة، ثم ارتسمت على شفتي المحامي كامل ابتسامة هادئة، لكنها كانت تحمل في طياتها خطرًا خفيًا. نظر إلى ورد بنظرة باردة قبل أن يرد بصوت ناعم، لكنه نافذ كحد السيف:
“رائع! يبدو أن لدينا تهمة جديدة على الطاولة. تهديد محامٍ أثناء تأدية واجبه؟ لا تقلقي، ستصلك رسالة الدعوى قريبًا، سيدة ورد.”
شحب وجه ورد، واتسعت عيناها بصدمة، بينما كانت تحاول الرد، لكن قبل أن تنطق بكلمة، أمسكت شهد بذراعها وهمست لها بتحذير عاجل:
“أمي، توقفي! لا تقولي شيئًا آخر!”
بدأت ورد تدرك ببطء أن كفة الميزان لم تعد تميل لصالحها.
السلطة هنا لم تعد ملكًا لهم.
ومع ذلك، لم تكن شهد مستعدة للاعتراف بالهزيمة بهذه السهولة. استدارت نحو رئيس الشرطة، نظرتها مليئة بالجليد، وسألت ببرود:
“أيها الرئيس، هل هذا يعني أنك ستسمح لشيهانة بالمغادرة اليوم؟”
الفصل 103
قال رئيس الشرطة بحزم: “أعدك أننا سنواصل التحقيق في قضية التشهير المزعومة ضد شيهانة، لكن لن نحتجزها اليوم.”
ضغطت شهد على أسنانها غيظًا، لكنها اضطرت إلى التظاهر بالهدوء. أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تقول ببطء، وكأنها تبتلع غضبها:
“حسنًا إذًا، سأنتظر نتيجة تحقيقك.”
كان عليها أن تتراجع مؤقتًا، لكنها كانت واثقة من أن التهمة ستثبت في النهاية.
شيهانة لن تستطيع الفرار إلى الأبد.
حتى لو لم تتمكن من إسقاطها اليوم، فهناك وقت لاحق. ولم تمانع في أن تجعلها تتعرق قليلاً قبل ذلك.
نظرت شهد إلى شيهانة ببرود، وعيناها تتوهجان بالوعيد:
“شيهانة، اعتبري نفسك محظوظة اليوم. لكن لا تظني أنك ستنجين مني! سأطاردك حتى آخر الدنيا!”
شعرت شهد بالغرور وهي تتفوه بهذه الكلمات. فبفضل دعم شركة مجد، كانت لديها السلطة والموارد لسحق أي شخص يعترض طريقها.
لكن ماذا عن شيهانة؟
كانت مجرد مطلقة، وربما حصلت على بعض المساعدة من مراد، لكن ذلك لن يستمر طويلًا. في النهاية، لن يكون قادرًا على إنقاذها كل مرة.
بمعنى آخر… شيهانة انتهت. لم تكن نِدًّا لهم!
ولكن، وكأنها قرأت أفكارها، ابتسمت شيهانة بسخرية وقالت بهدوء:
“أهذا صحيح؟ شهد، لدي شيء أريد إخباركِ به.”
عبست شهد بحيرة، ثم ردت بحدة: “ما هو؟”
اقتربت شيهانة خطوة بخطوة، وكل حركة منها كانت تنبض بالثقة والقوة. ثم همست ببطء، وكأنها تلقي لعنة محكمة على شهد:
“إن لم تستطيعي إسقاطي اليوم… فسيكون دوركِ غدًا.”
لسبب غير مفهوم، شعرت شهد بقشعريرة تسري في جسدها. كان هناك شيء في نبرة شيهانة، في نظرتها الثابتة، جعل قلبها يبرد.
لم تستطع تفسير ذلك، لكنها للحظة، شعرت وكأن شيهانة رأت مستقبلها—وكأنها متأكدة من النتيجة.
لم تكن شهد من النوع الذي يعترف بالخوف بسهولة. رفعت ذقنها بتحدٍّ، وحدّقت في شيهانة بثبات، تحاول التمسك بجرأتها.
لكن شيهانة لم تتراجع. لم يكن في نظرتها غضب أو وحشية، بل سيادة. تلك الهالة القوية التي أحاطت بها جعلت شهد تشعر، ولو للحظة… أنها الفريسة، وليست الصيادة.
اجتاحها شعور غير مألوف، مزيج من التوتر والخجل. للحظة، بدت أصغر شأنًا أمام شيهانة.
ظهر ذلك جليًا على وجهها.
“شيهانة، ماذا تنوين فعله؟ أحذركِ، لا تبالغي!” نطقت شهد بتحذير، محاولة استعادة سيطرتها، بينما كانت شيهانة تقترب منها بخطوات واثقة.
لكن ما لم يكن أحد يدركه، أن هذا الموقف تحديدًا هو ما تكرهه شيهانة أكثر من أي شيء آخر—أن تشعر بأن هناك من يريد التقليل منها، أن تُعامَل وكأنها ضعيفة.
شهد أرادت أن تجرّها إلى ذلك الإحساس، أن تحطم كبرياءها، أن تجعلها تشعر بالعجز.
لكن شيهانة… كانت دائمًا العقبة التي لم تستطع تجاوزها.
ضحكت شيهانة بصوت هادئ، لكنه يحمل ثقة مزعجة، كجرسٍ يرن في ظلام الليل—جميل، لكنه مشؤوم. ثم قالت بثبات:
“مغرورة؟ حسنًا… افتحي عينيكِ جيدًا، لأنكِ من الآن فصاعدًا، سترين الغرور الحقيقي!”
استدارت ورحلت، لكن لم يكن هذا انسحابًا، بل بداية.
هذه المرة، لن تكتفي بالدفاع عن نفسها…
سيحصل كل شخص على ما يستحقه.
وسيُدرك الجميع أن شيهانة ليست شخصًا يمكن العبث معه!
خرجت من مركز الشرطة، وخلفها وفيق، يراقبها بحذر.
أما وفيق، فكان يكنّ لها احترامًا غامضًا، لم يفهمه حتى هو. اقترب منها وسأل بلطف:
“سيدة شيهانة، إلى أين أنتِ ذاهبة؟ هل تحتاجين إلى توصيلة؟”
لم تهدر وقتها في الرد أو المجاملات.
بنظرة ثابتة، أشارت إلى الأمام وأجابت بحزم:
“سأذهب إلى… مسابقة الهاكرز!”
الفصل 104
عند العودة إلى ساحة المنافسة، كانت الأجواء تسير بسلاسة.
امتلأت القاعة بالرؤساء التنفيذيين وممثلي الشركات المشاركة، وكل منهم يراقب مجريات الحدث بترقب.
تم تخصيص منطقة لكبار الشخصيات، حيث جلس المستثمرون والمطورون لمتابعة التطورات، يلقون بين الحين والآخر نظرات سريعة نحو أرض المنافسة، متابعين مجريات الأحداث بحذر.
في مقابلتهم، عُلّقت شاشة عملاقة تعرض أسماء برامج الحماية المختلفة، إلى جانب الوقت الذي استغرقه كل مخترق لاختراقها. أما العمود الأخير، فقد أظهر متوسط الوقت الذي صمد فيه كل برنامج أمام محاولات الاختراق.
كلما كان المتوسط أطول، كان البرنامج أكثر كفاءة، إذ يعني ذلك أن المتسللين احتاجوا إلى وقت أطول لتجاوز دفاعاته.
بحلول هذه اللحظة، كانت معظم البرامج التي طوّرتها الشركات الصغيرة قد سقطت.
وكما هو الحال كل عام، كانت هذه الشركات أولى الضحايا، مجرد تضحيات في معركة التكنولوجيا الكبرى.
أما برنامج الأمان الرئيسي لشركة هُوا، والذي طوّرته مجد جروب، فقد كانت الآمال معلقة عليه. الجميع توقعوا أن يصمد حتى النهاية.
وقف مجد، الرئيس التنفيذي، متألقًا كالمعتاد.
فقد مرّت نصف ساعة منذ بداية المنافسة، وبرنامجه ما زال صامدًا!
جميع البرامج الأخرى تعرضت للاختراق مرة واحدة على الأقل… باستثناء برنامج واحد فقط!
حينها، التفت أحد الحاضرين إلى مجد بابتسامة ذات مغزى وقال:
“الرئيس التنفيذي مجد، ألا تعتقد أن هذه السنة تزخر بالكثير من الخبراء الخفيين؟ بعيدًا عن التطور التكنولوجي الواضح، انظر إلى برنامج إكس بي سي مانجر —لم يُخترق بعد! قد يكون منافسًا حقيقيًا لبرنامجك كينغ كونغ لأمن الإنترنت ! علاوة على ذلك، سمعتُ أن هذا البرنامج من ابتكار شركة ناشئة بالكامل… ربما حان الوقت لنا، نحن المخضرمين، أن نترك المجال للشباب!”
تنهد الرئيس التنفيذي العجوز الجالس بجانب مجد، وكانت في تنهدته رسالة خفية:
شركة جديدة وغير معروفة قد تتفوق على منتجك الرائد.
لطالما هيمنت شركة كينغ كونغ لأمن الإنترنت على السوق، وكان كل منافس لـ مجد يتحيّن الفرص لإلقاء تعليق ساخر كلما سنحت له الفرصة.
لكن هذه المرة، لم يكن الأمر مجرد تعليق عابر.
لاحظ مجد بنفسه اسم “إكس بي سي مانجر” يلمع على الشاشة.
شعر بشيء غريب تجاه هذا البرنامج… وكأنه يحمل بصمة شاهر.
تجولت عيناه في القاعة حتى استقرت على شاهر وسط المنافسة، متيقظًا، وهادئًا، ومسيطرًا على الوضع.
تقلّصت عينا مجد، وتحوّلت نظرته إلى شيء أكثر برودة وحدّة.
“الرئيس التنفيذي وهيب، صحيح أن الجيل الجديد يملك موهبة لا يمكن إنكارها، لكن هذا لا يعني أن عرشنا سيسقط بهذه السهولة. قد ترونهم تهديدًا، أما نحن في شركة مجد… فلا نراهم أكثر من موجة عابرة.”
قالها بصوت ثابت وواثق، فابتسم الرئيس التنفيذي وهيب ابتسامة ماكرة وردّ:
“إذن، هل يعني هذا أنك واثق تمامًا من أن منتجك لا يُهزم، أيها الرئيس التنفيذي مجد؟”
الجميع يعرف كبرياء مجد.
لطالما كان متغطرسًا، لكنه لم يكن يتحدث من فراغ—بل من ثقة مطلقة بمنتجه.
ضحك بخفة، ثم قال بغرور:
“بالطبع!”
هزّ وهيب رأسه وكأنه كان يتوقع هذه الإجابة، ثم قال بنبرة ساخرة:
“حسنًا، إذن أود أن أهنئك مسبقًا، أيها الرئيس التنفيذي مجد. وعندما تفوز بالجائزة الأولى، لا تنسَ أن تدعو الجميع على مأدبة احتفال!”
رفع أحد الرؤساء التنفيذيين حاجبه وسأل:
“أي مأدبة؟”
التفت وهيب إليه ليشرح، ولم ينسَ أن يُضيف بعض الثناء على كينغ كونغ لأمن الإنترنت، مستغلًا الفرصة لرفع قيمة البرنامج أمام الجميع.
تبادل الرؤساء التنفيذيون الابتسامات، بعضهم بحسد مخفي، وآخرون بإعجاب، لكنهم جميعًا تصرّفوا وكأن مجد قد حسم الفوز بالفعل.
أما هو، فقد تلقى هذه المجاملات بكل جدية.
لن يقبل بأي شيء أقل من المركز الأول.
ومع ذلك…
اسم “إكس بي سي مانجر” ظل يثير في داخله إحساسًا لم يعتده.
بذرة صغيرة من القلق… بدأت تنمو.
الفصل 105
“نعم، سيدي.”
بعد لحظات، قدّم المساعد لمجد مجموعة من الوثائق.
تصفح مجد الملفات بسرعة، عينيه تتنقلان بين السطور حتى توقف عند الصفحة الخاصة بـ “إكس بي سي مانجر”.
كما قال الرئيس التنفيذي وهيب—كانت هذه الشركة مسجلة حديثًا، جديدة إلى درجة أنها لم تكمل أسبوعًا واحدًا منذ تأسيسها!
ولكن هذا لم يكن أكثر ما أثار صدمته.
نظر إلى اسم الممثل القانوني للشركة… فتجمدت يداه على الوثيقة.
شعر بغضب داخلي يكاد يفقده السيطرة، وأصبح نصف عقله يرغب في تمزيق الأوراق إربًا!
الاسم كان… شاهر!
إذن، هذا البرنامج مرتبط به!
رفع مجد عينيه بسرعة، يبحث عن شاهر وسط الحشد.
في تلك اللحظة، انقلب عالمه رأسًا على عقب.
كان متأكدًا أن شاهر لم يعد قادرًا على تطوير أي برنامج جيد، فما بالك ببرنامج يمكنه منافسة “كينغ كونغ لأمن الإنترنت”؟!
ولكن الآن… الواقع كان يسخر من ثقته.
لم يكن من المفترض أن يصمد أي برنامج آخر لهذه الفترة الطويلة أمام الاختراقات، سوى كينغ كونغ لأمن الإنترنت.
وإذا كان شاهر هو العقل المدبر خلف “إكس بي سي مانجر”—فهذا يعني أنه وحش حقيقي.
شعر مجد بالغضب يتأجج في صدره، والحسد يغلي في عروقه.
لا يمكن السماح لهذا بالحدوث!
مهما كان الثمن، “إكس بي سي مانجر” لن يتفوق على “كينغ كونغ لأمن الإنترنت”!
ابتسم ابتسامة خبيثة، ثم التفت إلى مساعده وقال بنبرة باردة:
“أحضر إي تي إلى هنا…”
في هذه اللحظة، كان هناك تبديل للمنافسين داخل منطقة المسابقة.
دخل رجل طويل، بطول 185 سنتيمترًا، يتمتع ببنية جسدية مثالية، مرتديًا بدلة رياضية سوداء وقبعة سوداء.
دخوله لم يثر الكثير من الانتباه في البداية، لكن أولئك الذين لاحظوه شعروا بشيء غير عادي.
لم يكن مجرد مخترق عادي.
كان جودت، الجالس بجانب مراد، يراقب الوضع باهتمام قبل أن يفسر بصوت هادئ:
“هذا هو المخترق الخاص بشركة مجد. يبدو أن مجد يشعر بالضغط بسبب “إكس بي سي مانجر”، وهو الآن يرد على ذلك بأسلوبه الخاص. لكن الأكثر إثارة للاهتمام… هو أن مبتكر هذا البرنامج لديه تاريخ طويل مع مجد. تاريخٌ ليس جميلًا، إن جاز لي القول.”
نظر إليه مراد بتمعن قبل أن يسأل:
“كيف ذلك؟ أخبرني المزيد.”
لم يحتج جودت إلى مزيد من التشجيع، فقد كان ثرثارًا بطبيعته، فانطلق متحمسًا:
“هل سمعتَ من قبل عن شخص يُدعى شاهر؟”
ابتسم مراد ابتسامة غامضة، وقال بحزم:
“بالتأكيد.”
لم يكن الجميع في الصناعة يعرفون شاهر، فقد تم القضاء على شهرته عندما كان في طريقه إلى القمة.
لكن أولئك الذين عرفوه… كانوا يعرفون جيدًا تاريخه مع مجد.
تقول الشائعات إن “كينغ كونغ لأمن الإنترنت” لم يكن في الأصل من ابتكار مجد، بل كان من صنع شاهر، وأن مجد استولى عليه بالقوة.
لم يكن هناك دليل ملموس، لكن كثيرين فضلوا تصديق الشائعات.
بعد كل شيء… مجد لم يكن معروفًا بنزاهته.
ابتسم جودت، ثم اختتم حديثه بصوت هادئ ولكن ثقيل المعنى:
“الممثل القانوني للشركة التي تقف وراء “إكس بي سي مانجر”… هو شاهر.”
تقلصت عينا مراد بدهشة مفاجئة.
وأشار جودت إلى داخل منطقة المنافسة، حيث وقف رجلٌ وسط الحشد، ثم أضاف:
“هذا هو شاهر.”
تبع مراد اتجاه إصبع جودت، وعيناه تتفحصان الرجل بدقة.
لكن فجأة، تردد صوت جودت مرة أخرى، وهذه المرة بصدمة واضحة:
“انتظر… أليس هذا تميم بجانب شاهر؟!”
نظر مراد مرة أخرى، وعيناه تتسعان في دهشة مماثلة.
تميم… يعرف شاهر؟!
كان كلاهما مصدومين.
في تلك اللحظة، وسط أجواء الترقب داخل المنافسة، كان تميم وشاهر يتعرقان بغزارة.
همس تميم بقلق بينما عينه مثبتة على الوافد الجديد إلى المنافسة:
“أخي شاهر، هذا الشخص… إنه من شركة مجد. بمجرد أن جلس، بدأ يهاجم دفاعات برنامجنا بشراسة! ماذا نفعل؟ لا يبدو شخصًا عاديًا على الإطلاق…”
كان الجميع قادرًا على رؤية البرامج المستهدفة من قبل المخترقين، بفضل شفافية المنافسة.
وما أثار القلق الحقيقي…
هو أن مجد جروب قررت فجأة تبديل ممثلها في اللحظة الأخيرة.
وبمجرد أن دخل إي تي إلى الساحة، كان هدفه الأول واضحًا:
“إكس بي سي مانجر”.
إذا تم اختراق البرنامج، فستنتهي المسابقة بالنسبة لهم.
وسيكون من المستحيل هزيمة شركة مجد بعد ذلك!
لا يمكنهم السماح لهذا بالحدوث… بأي ثمن.