رواية زوجة الرئيس المنبوذة الفصل 181 إلى الفصل 185

زوجة الرئيس المنبوذة

الفصل 181

“سمعتِ ما قاله جدي؟”
قالها مراد وهو يميل برأسه نحوها، نبرته غامضة، لكن في عينيه… شيء آخر لم تستطع تفسيره، مزيج من الحذر والعزم.

تطلعت إليه شيهانة، وسألته بنبرة خافتة، لكنها حادة كالسهم:
“هل هذا يعني أنك ستسمح لي برعاية لين لبضع سنوات؟”

ألم تدرك بعد؟ لقد كان يحاول مساعدتها… بطريقته المعتادة، الملتوية. لم يكن يوافق، لا، لكنه أيضًا لن يتركها تواجه النار وحدها.

رأت في صمته تحفظًا، وفي عينيه تردد. رفعت حاجبًا، واقتربت منه قليلًا، وقالت بنبرة ماكرة، تحمل في طيّاتها دفعة خفية نحو الزاوية:
“ما الخطب؟ هل قلتُ شيئًا أزعجك؟”

أجاب مراد بعد لحظة صمت، ونبرته مشوشة قليلاً، كمن يحاول تلمّس الطريق في حقل ألغام:
“لا… فقط لم أتوقع أن تفتحي الموضوع الآن. كنا قد تحدثنا فيه من قبل.”

رمقته بنظرة جانبية، تحمل لمحة من التحدي، ثم قالت بابتسامة واثقة، وإن لم تخلُ من التوتر المكتوم:
“ربما لم يكن التوقيت الأفضل… لكننا بالفعل تكلمنا عنه، وكنت واضحة بما يكفي.”

ثم تدخّل الجد شهيب، بنبرة هادئة لكن لا تخلو من الحزم:
“هل توافق حقًا على أخذ الطفل؟”

استغلّت شيهانة صمت مراد، وتقدّمت خطوة نحو الجد، قائلة بإصرار:
“لقد قال ذلك. ألم تسمعه؟”

حدّق الجد فيها بغضب واضح، ثم قال بصوت حازم:
“لا تتكلمي إلا إذا طُلب منكِ! ما يهمني هو إجابة مراد فقط!”

ردت شيهانة ببساطة، دون تردد:
“ألم يُجبك بالفعل؟ كلامه لا يمكن تفسيره إلا بهذه الطريقة.”

مراد، في حالة من الحيرة، سكت. كانت أفكاره تتشابك، وكان يكاد يضيع في تلك اللحظة بين كلماتهم المتشابكة.
هل تبالغ في تفسير كلامي هكذا؟ أم أنني فعلًا أخطأت في شيء؟

أصر الجد شهيب على سؤاله، وهو يحدق في مراد بنظرة جادة:
“أخبرني الآن، هل توافق أم لا؟”

توجّهت الأنظار جميعها نحو مراد، وكل لحظة من صمته كانت تثير المزيد من التوتر في الجو. كان الأمر وكأن قرارًا مصيريًا سيُتخذ على أساس همسة صغيرة.

قال الجد، هذه المرة بصوت أكثر تأكيدًا:
“أجِبني، هل توافق أم لا؟”

مراد همّ بالكلام، ولكن قبل أن ينطق بكلمة، قاطعه شيهانة وسحبه برفق قائلاً:
“جدّي، أعتقد أنه من الأفضل أن نذهب لرؤية لين أولًا. لا يجب أن نترك الطفل ينتظر، سنكمل الحديث لاحقًا.”

نظر الجد شهيب إليهما بنظرة محطمة، ثم تركهما يخرجان من غرفة المعيشة بسرعة.

في الممر، توقف مراد وتذمر قائلاً:
“ألم أقل لكِ ألا تذكري مسألة الحضانة أمام الجد؟”

ردّت شيهانة بابتسامة ساخرة:
“لم أعدكِ بذلك أبدًا، أليس كذلك؟”

كافحت شيهانة للتحرر من قبضته، لكنها في تلك اللحظة شعرت بشيء غريب يضغط على قلبها، خيبة أمل غير مفسرة.

قال مراد بصوت منخفض وهو يسحب يده منها:
“لكن ذلك سيثير غضبه، لا أظن أنكِ ستستطيعين تحمل العواقب.”

ردت شيهانة بعينين باردتين، لا مبالية:
“ما أسوأ ما يمكن أن يحدث؟ هل سيقتلني؟”

ضحك مراد بحزن، ثم قال بجدية أكبر:
“بالطبع لا. لكنه على الأرجح سيمنعك من رؤية لين.”

تنهدت شيهانة وقالت، وقد بدا عليها الاستسلام في كلماتها:
“منعي من أخذه، منعي من رؤيته… ما الفرق؟”

خفضت عينيها في ضيق واضح، وكأنها تدفن آلامها بداخلها. وقالت لنفسها؛
إنني على وشك الموت، وإذا لم أتمكن من تغيير مصير لين الآن، فلا شيء سيغير الأمر فيما بعد. رؤيته أو عدم رؤيته لن يصنع فارقًا.

سأل مراد بصوت هادئ ولكنه مليء بالقلق:
“هل ترغبين في الحصول على حضانة الطفل لهذه الدرجة؟”

أجابت شيهانة بصوت حازم، دون تردد:
“نعم.”

نظر إليها مراد بتمعن، وكأنما يقرأ أعماق قلبها، ثم طرح عليها سؤالًا آخر، موجهًا نظره نحو عينيها مباشرة:
“قلتِ إنكِ مستعدة لفعل أي شيء من أجل هذا الهدف، أليس كذلك؟”

رفعت شيهانة عينيها إليه، تحاول أن تنفذ إلى ما وراء النظرات، لكنها لم تكن قادرة على قراءة ما يخفيه. فغمغمت، بصوت امتزج فيه الفضول بالحذر:
“ما الذي يدور في ذهنك؟”

قالها مراد فجأة، كمن يقفز فوق جدار من التردد:
“تزوجيني. تزوجيني مرة أخرى، وسينتهي كل شيء لصالحك. سيكون الطفل لكِ وحدك، ولن يجرؤ أحد على الاعتراض.”

صمتت شيهانة طويلاً. لم ترد، ولم تتحرك. الكلمات تجمّدت في حلقها، وكأنها لا تصدّق ما سمعته.
هل قال ذلك حقًا؟
هل يريد الزواج بي مجددًا؟ العودة إلى ذلك الكابوس، وكأن شيئًا لم يكن؟

شعر مراد بالتوتر يتسلل إلى قلبه، فحاول كسر الصمت:
“ألم تقولي إنكِ مستعدة لفعل أي شيء من أجل لين؟ أليس هذا… أحد تلك التضحيات؟”

رفعت رأسها نحوه، وعيناها تشعّان بتصميم لا يعرف التردد، ثم قالت بنبرة قاطعة:

“أنا مستعدة لفعل أي شيء، وأعدك بكل شيء… ما عدا هذا.”

عبس مراد، وظهر القلق في صوته وهو يسأل:

“لماذا؟ هل… لأنكِ لا تحبينني؟”

نظرت إليه نظرة طويلة، هادئة… لكنها تحمل جرحًا قديمًا لم يندمل. ثم قالت بصوت منخفض، لكنه واضح كالسيف:

“لا، ليس هذا السبب. لقد تزوجتك مرة دون أن أحبك، وكان يمكنني أن أفعلها مجددًا… لكنني لست كما كنت، مراد. لقد تغيّرت.”

أغمضت عينيها لبرهة وقالت لنفسها، وكأنها تقرأ من كتاب القدر فصلاً كتب لها منذ زمن، لا تملك تغييره:

حتى لو تزوجتك، سأموت قريبًا.

وحين أرحل، ستكمل حياتك، ستتزوج بأخرى، وتعود لتبني ما تهدم… أما لين، فسيختفي بهدوء، كأنه لم يُولد أصلًا، سيموت في صمت، لا أحد يلاحظ، لا أحد يسأل.

الفصل 182

لم تكن المسألة مجرد زواج. لم تكن مسألة قلبٍ مكسور أو فرصة ضائعة.
كانت حربًا ناعمة، تُخاض في الظل، داخل عائلة تحكمها القوة لا العاطفة، والمصلحة لا الرحمة.

العائلة التي ينتمي إليها مراد لم تكن أسرة تقليدية. كانت أقرب إلى نظام سلطوي متقن، حيث لكل فردٍ طموحه، ولكل طموح ثمن.
التحالفات تُعقد في صمت، والخناجر تُغرس بابتسامات مصقولة. الجميع يراقب الجميع، والجميع يتآمر على الجميع.

وكان لين، في وسط كل هذا… مجرد طفل.
لكن مكانته لم تكن عادية. فهو الابن الأكبر لمراد، الوريث المفترض، والخطر الذي يجب إقصاؤه.

شيهانة كانت تعرف ذلك جيدًا.
كانت تدرك أن أي امرأة سيتزوجها مراد بعد رحيلها، لن ترى في لين إلا تهديدًا. لن تعترف به، بل ستسعى إلى محوه.
لن تطرده فقط من الدار… بل من الوجود.

ولأنها تعرف، ولأنها تموت، كان عليها أن تسبقهُم جميعًا.
أن تُخرجه من ساحة الصراع، قبل أن تتحوّل حياته إلى حقل ألغام.
أن تزرع فيه ما يكفي من القوة، ليعيش، لا ليرث.

لكنها لم تكن تملك رفاهية الاعتراف.
إن عرفوا أنها على شفا الرحيل، وأنها تخفي ذلك عمدًا، فلن يسمحوا لها بأخذه.
سيشكّكون في كل ما تفعل، ويمنعونها من كل ما تنوي.
وسيبقى لين… وحيدًا، ضعيفًا، وعرضةً لنهاية مأساوية.

كيف يمكنها أن تسمح له بأن يكبر وحيدًا، في هذا العالم الموحش، دون درع يحميه من مخالب عائلة شهيب؟
لكن شيهانة لم تكن تنتظر الرحمة من أحد. كانت قد ابتلعت كل آلامها، دفنت ضعفها، لأنها تعرف الحقيقة: لا أحد سيحارب من أجل لين سواها.

نظرت إلى مراد بعينين تحملان عزمًا جديدًا، ثم قالت بصوت متزن، يخفي وراءه طبقات من الحسابات:
“إن لم تخني الذاكرة، هناك قاعدة في عائلة شهيب… من ينجح في شفاء السيدة شهيب، يُمنح أمنية. أليس كذلك؟”

ضيّق مراد عينيه، وكأن ذهنه يعيد حساباته، ثم سأل بنبرة حادة:
“هل تريدين محاولة تنفيذ هذه المهمة؟”

أجابت شيهانة بثقة تتوهج في صوتها، لا تخلو من التحدي:
“بالطبع.”

ابتسم مراد، لكنها لم تكن ابتسامة حقيقية. نبرة صوته حين ردّ، كانت مشدودة بتوتر دفين:
“ليس أنني أشك في قدراتك، لكن… هل تظنين حقًا أنك قادرة على تحقيق ذلك؟ جدتي تحتاج إلى طرف صناعي بشري مثالي، والتقنيات الطبية ما زالت متخلفة عن ذلك الهدف.”

ابتسمت شيهانة، تلك الابتسامة التي يعرفها جيدًا، حين تكون على وشك الإقدام على شيء لا يمكن إيقافه:
“إذا لم نحاول، فلن نعرف أبدًا.”

رمقها بنظرة طويلة، كأنه يراها للمرة الأولى، ثم سأل ببطء، وقد بدأ يراقبها بتركيز شديد:
“هل تظنين أن هذه ستكون نقطة تفوق جديدة لكِ؟”

أجابت، وعيناها تشعان بتصميم نادر، كما لو أنها تحمل وهجًا خاصًا لا يُطفأ:
“لا أستطيع الجزم، لكني أملك الثقة الكافية لأحاول.”

كان هناك شيء في عينيها… نورٌ صريح، لا يرتجف.
وهذا ما كان يأسره فيها دومًا—لحظات ثقتها، حين تقف وسط العاصفة دون أن ترتجف، تؤمن بنفسها كما لو أن العالم لا يمكن أن يقف في وجهها.

في تلك اللحظة، شعر مراد برغبة عارمة… أن يحتجزها، أن يضمها إليه، أن يحميها من كل شيء، حتى من نفسها.
لكنّه كان يعلم، في أعمق أعماقه، أن تقييدها يعني تدميرها.

لقد كانت حرية شيهانة جوهرها… كما لو أنها طائر فينيق، لا يعرف الاستقرار، لا يعيش إلا إذا حلق.
هي لا تُروّض، لا تُحتجز… بل تُترك لتبلغ السماء.

كبت مراد مشاعره، وألقى بنظرة حارقة نحوها، ثم قال، وعدًا مليئًا بالإصرار:
“حسنًا، بما أنكِ واثقة جدًا، فلتحاولي. إن نجحتِ في ذلك، فسأحقق لكِ أمنيتكِ، وكذلك عائلة شهيب بأكملها.”

في تلك اللحظة، لم يعد مراد مهتمًا بمعركة الحضانة.
لم يكن يريد الطفل فقط، بل كان يريد شيهانة أيضًا…
ماذا لو أعطاها الطفل؟ في النهاية، سيعود لين إليه لأن مراد أراد أن يجعل شيهانة له، كما أراد ابنه.

“حقًا؟” قالت شيهانة، وعينيها تتوهجان بالحماس، وكأن العالم كله قد أصبح ملكًا بين يديها.

أجاب مراد مبتسمًا، وفي صوته لمحة من المغازلة:
“هل أكذب على شخصٍ مهمٍ مثلك؟”

لكن شيهانة كانت سعيدة للغاية بما سمعته، وكانت منشغلة تمامًا بتأكيده على طلبها، رغم أنه جاء بشروط غير واضحة بالنسبة لها.

لم يكن مراد قد نطق بهذه الكلمات ليجذب انتباهها، لكنها لم تستوعب المغازلة التي كانت وراء حديثه، لأنها كانت تركز بشدة على فوزها بالفرصة.

“لكن، كلامك وحده لا يعنيني، أحتاج أن يُقسم جدك عليه أيضًا.” قالت شيهانة بحذر، وتعبير وجهها يعكس جدية متزايدة.
في أذنه، بدا حديثها كطفلة تطلب وعدًا من شخص بالغ، بكل براءة.

كتم مراد رغبة مفاجئة في تدليك شعرها، وأجاب بابتسامة دافئة:
“لا داعي للقلق، فجدي يهتم بجدتي كثيرًا. سيفعل أي شيء من أجلها. في الواقع، إذا كنتِ لا تزالين قلقة، فلنذهب إليه الآن لنتأكد من ذلك.”

ثم سحبها برفق، عازمًا على مقابلة الجد شهيب.

بعد الاستماع إلى عرض شيهانة، كان الجد شهيب يبدو مندهشًا ومتحفظًا في نفس الوقت، فقد قال:
“هل لديكِ ثقة في قدرتك على إنجاز هذا؟”

“أنا واثقة بنسبة 70 إلى 80 في المائة أنها ستكون ناجحة.” أجابت شيهانة بصدق، لكن نبرتها كانت تثير استياءً خفيفًا لدى الجد شهيب.

حدق الجد فيها، ثم ابتسم ابتسامة ساخرة، كانت تحمل في طياتها تهكمًا واضحًا.

قال بنبرة باردة، وكأنما يوجّه إليها درسًا قاسيًا في واقع الحياة:

“يا آنسة، هل لي أن أذكرك أن الكلام أسهل شيء في هذا العالم؟”

الفصل 183

“سأثبت ذلك من خلال عملي”، أجابت شيهانة بثقة.

أطبق الجد شهيب عينيه بتحدٍّ، ونظر إليها بنظرة ثاقبة، تعكس قدرته المدهشة على قراءة الآخرين. كان يعلم أنها لا تمازح، لكنه في الوقت ذاته لم يصدق أنها قادرة على إنجاز المهمة التي تبدو مستحيلة.

على مر السنوات، أنفقت عائلة شهيب مبالغ ضخمة على تطوير هذه التكنولوجيا، لكنها باءت كلها بالفشل. ومع ذلك، لم تكن الحظوظ في صالح شيهانة.

“جدي، لماذا لا تدعها تحاول طالما أننا لا نملك ما نخسره؟” قال مراد بجانبها، وأضاف بنبرة واثقة:
“وعلاوة على ذلك، أنا أؤمن بها!”

“هل تؤمن بها؟” كان صوت الجد شهيب يحمل الدهشة.

“بالتأكيد!” أجاب مراد دون تردد، وكان إيمانه بشيهانة حقيقيًا، رغم أنه لم يعرف تمامًا لماذا.

لقد كان إيمانه بها أقوى من أي شكوك، ويبدو أن شيهانة قد نالت ثقته بشكل غريب.

بما أن مراد قد دعمها، قرر الجد شهيب أن يمنح شيهانة فرصة. أعلن بصوتٍ حازم:
“حسنًا! يمكنكِ المحاولة، وإذا نجحتِ، سأحترم رغبتكِ. وإن فشلتِ، عليكِ الانفصال عن لين طواعيةً!”

“حسنًا، انتهى الأمر. صدقني!” قالت شيهانة بتحدٍّ، وقد أثارت شجاعتها إعجاب الحاضرين جميعهم. كانت تلك اللحظة كما لو أنها تراهن على حياتها، أما النتيجة، فسيكون إما الحصان أو السرج.

بسبب شجاعتها، بدأ الجد شهيب يتطلع إلى نجاحها بشكل غير مفسر.

إذا نجحت، ستكون فرصتها في الزواج مرة أخرى داخل عائلة شهيب حقيقية، وستظل هي ولين في العائلة.
مراد، هو الآخر، كان يحمل نفس الفكرة. أراد الحفاظ على ابنه، وكذلك على الأم.

لكن شيهانة لم تكن على دراية بنواياهم. وإن علمت بها، فإنها كانت ستتجاهل الأمر كليًا، لأنها كانت تعلم أنه لا يمكنهم إجبارها على الزواج إذا رفضت.

ومع ذلك، وصلت الأخبار إلى مسامع السيدة شهيب، مفادها أن شيهانة تعتزم صناعة طرف اصطناعي للسيدة شهيب العجوز.

“ماذا قلتِ؟” حدّقت لمياء في الخادمة بدهشة، وعيناها مليئتان بالشك.
“شيهانة قالت إنها تستطيع صنع ما تحتاجه السيدة ؟”

أومأت الخادمة برأسها، مؤكدة:
“هذا صحيح، هذا ما قالته الآنسة شيهانة. السيد العجوز وافق على منحها فرصة، وكذلك السيد الشاب.”

ضحكت لمياء ساخرًا، وقد أبدت استهزاءً شديدًا:
“من تظن نفسها شيهانة هذه؟ هذا التحدي أسهل قولًا من فعل.”

ثم أضافت الخادمة بلهجة أقل حماسة:
“السيدة شيهانة قالت أيضًا إنها تستطيع الحصول على النتيجة في أقل من شهر.”

وفي هذه المرة، تجمدت ابتسامة لمياء على وجهها. نظرت إلى الخادمة في صدمة واضحة.

حتى الجدة التي كانت جالسة إلى جانبهما رفعت عينيها عن رسمها، وقالت بصوت ناعم خالي من العاطفة:
“هذه الفتاة لديها مثل هذه الثقة؟”

“يبدو أنها تمتلك ثقة بالنفس لا تصدق.” أجابت الخادمة، وقد شعرت بالاحترام ولكن أيضًا بشيء من التحفظ.

“يا سيدتي، أنا متأكدة أن شيهانة هذه تمزح فقط. إنها لا تعرف المأزق الذي تورطت فيه. وبغض النظر عن عدم توفر التكنولوجيا، فإن صنع طرف اصطناعي مثالي في أقل من شهر أمرٌ مستحيلٌ تمامًا.” كان في نبرة الخادمة استخفافٌ واستهزاءٌ واضحين تجاه شيهانة.

لم يكن الأمر يتعلق بعدم رغبتها في دعم شيهانة، ولكن على مدار العقود الماضية، استنفدت عائلة شهيب موارد هائلة دون أن تحقق تقدمًا في هذا المجال. فكيف لها أن تنجح حيث فشل الآخرون؟

علاوة على ذلك، فإن هذا النوع من التكنولوجيا يتطلب معرفة معقدة وغامضة في مجالات الكمبيوتر والبرمجة، وهو ما لم يتوصلوا إليه بعد.

الجدة لم تكن تحمل الكثير من الأمل، لكنها في الوقت ذاته، كانت تعرف أن رغبتها في استعادة ذاتها كاملةً لم تضعف بمرور الوقت، بل أصبحت أكثر إصرارًا.
كانت هذه أكبر أمنياتها، وإذا لم تتمكن من تحقيقها قبل وفاتها، فإنها قد تُحرم من الموت بسلام.

نظرت إلى ذراعها المفقودة، ورمشت عينيها في اشمئزاز،
وكان الألم الذي تسببه تلك الذراع المفقودة هو أكبر جرح في جسدها، والأشد قسوة في قلبها.

الفصل 184

كانت السيدة الجدة العجوز تعلم تمامًا أنه لن يكون هناك راحة لقلبها المتألم إذا لم تُشفَ هذه الندبة الجسدية، وكانت تعلم أن أي أمل، مهما كان ضئيلاً، هو أفضل من اليأس. لذلك، قررت ألا تتخلى عن أي فرصة. بأمر صارم، قالت:
“دعوها تُحاول! إذا نجحت في ذلك، فأخبروها أنها تستطيع طلب أي شيء، وإذا كان في حدود قدراتي، فسأمنحها إياه بكل سرور!”

لكن لمياء، التي كانت تراقب الوضع عن كثب، شعرت بشيء من القلق. خفق قلبها بشدة، لكنها سرعان ما تمالكت نفسها.
“هذه شيهانة لا تستطيع النجاح في ذلك!” قالت في نفسها.
لقد أقسمت أن ترى شيهانة تُخفق، لأن فشلها يعني الحفاظ على مكانتها في العائلة، ولن تسمح لأحد بأن يهدد ذلك.

لكن الأخبار وصلَت بسرعة إلى غرفة المعيشة. كما توقعت شيهانة، كانت ربة البيت مستعدة للسماح لها بالمحاولة، وأكدت لها أنه إذا نجحت، فستحصل على أي شيء تطلبه.

نظر الجد شهيب إلى شيهانة بنظرة حادة، كان تهديده خفيًا ولكنه حاضر في كل كلمة قالها:
“الآن وقد منحتِها الأمل، من الأفضل ألا تخيبي ظننا. وإلا فلن ترى ابنك مجددًا طوال حياتك. في الواقع، لا تظني أنك ستتمكنين حتى من زيارة مدينة تي مرة أخرى!”

بدلاً من الشعور بالضغط، شعرَت شيهانة بالارتياح. كانت تدرك الآن تمامًا مدى الاهتمام الذي يكنه الجد شهيب لزوجته السابقة. وأعطاها ذلك تأكيدًا على أنهم لن يتراجعوا عن وعدهم مهما حدث.

أجابَت شيهانة بهدوء، تتسلح بثقة لم تهتز:
“لا تقلق. لن أعدك بشيء لا أثق بقدرتي على إنجازه.”

“من الأفضل أن لا تفعلين ذلك!” حذرها الجد.

ثم جاء الطلب الذي طالما انتظرته. “هل أستطيع رؤية ابني الآن؟” قال الجد بحزم.
تسارعت نبضات قلب شيهانة، ولكنها لم تسمح لنفسها بأن تظهر قلقها. لم يكن خوفها مرئيًا، لكن مراد كان قادرًا على أن يشعر بتوترها.

عندما نظر إليها، شعر بشيء غريب في قلبه، خليط من العواطف التي لم يكن قادرًا على تحديدها بشكل كامل. ربما كان الغيرة من بين تلك المشاعر، فهو شعر بالتهديد من الاهتمام الكبير الذي تكنه شيهانة لابنها، ذلك الحب الذي خصصته فقط له.

ضحك في سره، محاولًا أن يسيطر على أفكاره المتشابكة، وأقسم أنه سيعمل جاهدًا ليكون هو أيضًا جديرًا بحبها.

وفي اللحظة التالية، دخل لين إلى غرفة المعيشة. كان يرتدي قميصًا بأزرار وشورتًا منقوشًا، وكان مظهره أنيقًا وأميرًا. كانت سلوكه المهذب وملابسه تمنحه هالة من الرقي.

كان الأمير الأجمل والأجمل على الإطلاق.

في عينيه كان بريق شيهانة الداكن، وفي أنفه كان لمحة من مراد، مع هدوء يكاد يكون مثاليًا. كان مزيجًا من أفضل صفات والديه.
لم يكن هناك شك في أنه أجمل طفل رآته شيهانة في حياتها.

لم يكن لين مجرد طفل عادي؛ كان قادرًا على أن يثير إعجاب حتى أكثر الناس عزلة. لكن بالنسبة لها، كان هو كل شيء.

عندما رأت عينيه، أدركت أنها على استعداد للتخلي عن كل شيء من أجل أن يكون سعيدًا.

لقد أصبح فهمها أعمق وأكثر وضوحًا. أصبحت تعرف تمامًا لماذا كانت عائلة شهيب تعتز به إلى هذا الحد. لقد كان ثمينًا للغاية.

والآن، أدركت أيضًا سبب غضب الجد شهيب من طلبها. ولكنها لن تتراجع، فهي كانت عازمة على تغيير مصير لين.

تقدمت شيهانة نحو ابنها، خطواتها كانت غير واعية كما لو كانت فقدت نفسها في تلك اللحظة. كان لين يقف أمامها، ينظر إليها بهدوء، لكن عينيه كانت مشبعة بالترقب. كان قوامه النحيل مماثلًا لقوامها، وجامدًا كما لو أنه مثقل بتوتر عميق.

توقفت شيهانة أمامه، جثت على ركبتيها، وتطلعت في عينيه الجميلتين. كلماتها خرجت مليئة بالندم:
“لين، سامح أمك على تأخرها…”

الفصل 185: أنت فقط

عندما غادروا قصر عائلة شهيب القديم، كانت الشمس قد غربت.

سار مراد في المقدمة بقامته الشامخة، بينما تبعته شيهانة. ساد بينهما صمتٌ مفعم بألفةٍ خفيةٍ يصعب تفسيرها.

شعرت شيهانة بإلهامٍ مفاجئ، فاستدارت لتجد “لين” واقفًا عند مدخل الفيلا، يحدّق إليها بصمتٍ عميق.

قرأت في عينيه التردد والخوف من الفراق.

هي الأخرى شعرت بالحزن ينهش قلبها. لو كان الأمر بيدها، لاحتضنته وهربت به بعيدًا عن كل شيء.

لكنها كانت تعلم أن ذلك لن يُجدي.

وللتأكيد على جديّته، منعها الجد شهيب من رؤية ابنها قبل إنجاز ما وعدت به. وإن فشلت في الوصول إلى نتيجة خلال هذا الشهر، فقد توعّد شخصيًا بمنعها من رؤية ابنها إلى الأبد.

لقد أعطته كلمتها، والجد لا يسمح لأحد بالتراجع عن وعدٍ قطعه.

الفشل لن يمر بلا ثمن.

ومع ذلك، لم تكن شيهانة قلقة من المهمة نفسها. بل كانت تشعر أن شهرًا كاملًا طويلٌ جدًا، وكانت تتمنى لو تتمكن من رؤية ابنها قبل انقضائه.

رنّ صوت مراد المنخفض بجانبها:
“إذا أردتِ رؤيته، تعالي إليّ. سأتأكد من أن تحصلي على فرصة لرؤيته.”

ابتسمت شيهانة بخفة، وقالت بلطف:
“لا بأس.”

كان عليها كبت رغبتها العميقة في رؤية ابنها، لتتمكن من تركيز كل طاقتها على المهمة. وإلا، فإنها ستقضي كل دقيقة تفكر فيه.

لقد كان من الصعب قمع غريزتها الأمومية، لكن السنوات الثلاث التي مرت منذ طلاقها، حيث مُنعت من رؤيته، كانت قد درّبتها على التحمل.

الشهر القادم سيكون حاسمًا، ولا مجال لأي تشتت.

تماسكت، واستدارت بعيدًا عن نظرات ابنها التي كادت تهزّ عزيمتها.
“هيا بنا.”

نظر إليها مراد بتمعن، لكنه لم ينبس بكلمة. اكتفى بمساعدتها على فتح باب السيارة. بعد أن صعدت، دار إلى الجهة الأخرى وجلس خلف عجلة القيادة، ثم شغّل المحرك.

من خلال مرآة الرؤية الخلفية، رأت أن لين لا يزال واقفًا في مكانه، يحدق بها بعينين ساكنتين.

شعرت بالدموع تتجمع في عينيها. عادت بها الذاكرة إلى لقائهما الأول منذ طلاقها.

نعم، كان هذا اليوم أول مرة يتحدثان فيها وجهًا لوجه منذ ثلاث سنوات.

كانت تتوقع منه الغضب أو العتب، لكن مشاعره جاءت صافية وبريئة.

لم يلومها على غيابها، ولم يسألها عن الماضي. بل قال لها بكل بساطة:
“ثلاث سنوات ليست طويلة، لقد كنت أؤمن بأنكِ ستعودين. وها أنتِ هنا، فكيف لي أن ألومك؟”

سألته شيهانة، وقد فاض قلبها بالألم:
“ولكن… ماذا لو لم أعد؟”

أجابها بصوت واثق:
“لكنّكِ عدتِ، أليس كذلك؟”

قالت له، وعيناها تفيض دموعًا:
“أعتذر على جعلك تنتظر. لا بد أن الانتظار كان صعبًا…”

فرد وهو يهز رأسه بلطف:
“لم يكن ممتعًا، لكنني كنت أملك أبي. أما أنتِ، فليس لديكِ ابن آخر.”

نظرت إليه شيهانة بحنانٍ لا يُقاس، وتمتمت:
“يا صغيري الساذج… بالطبع ليس لي سواك. ما دمتَ حيًا، ستكون ابني الوحيد.”

لسببٍ ما، شعرت حينها بأنها بحاجة إلى أن يسمع تلك الكلمات منها.

ابتسم لين ابتسامة مشرقة أضاءت ملامحه، وقال بحماس:
“وأنا أيضًا، ليس لديّ سوى أم واحدة. وأقسم، أنكِ ستكونين أمي الوحيدة إلى الأبد!”

ضحكت شيهانة من قلبها.
لقد كانت تلك حقيقةً، لكنها مع ذلك لمست أعماق قلبها.

حتى الآن، بمجرد تذكّر كلمات ابنها، ارتسمت على شفتيها ابتسامة رقيقة.

التقط مراد تلك الابتسامة التي ازدهرت على وجهها، وتعَمّقت نظراته إليها.وفجأة، قال بصوتٍ خافت ولكنه واثق:
“حتى لو فشل المشروع خلال هذا الشهر، سأمنحكِ حضانة لين.”

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top