رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 108 رواية حتى بعد الموت

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 108

كان برنت سريعًا، حاسمًا، لا يحب ترك الأمور معلقة. في اليوم نفسه، أنهى الإجراءات القانونية، وتمكّن من الحصول على شهادة توثيقية رسمية تؤكد ملكية أوليفيا لمنزل فوردهام. الأمور التي ظنت أوليفيا أنها ستستغرق أسابيع، تمّت في ساعات فقط، وكأن يدًا خفية تزيح العوائق أمامها.

وقفت أوليفيا أمام بوابة المنزل، تتأمل تفاصيله كما لو أنها تراه لأول مرة. كيف استعادت هذا المكان؟ كيف أصبح لها من جديد بعد أن كاد يُنتزع منها إلى الأبد؟ كانت تعرف الجواب جيدًا.

لقد خاطرت بكل شيء من أجل كونور، اندفعت دون تفكير حين رأت الطفل يوشك أن يسقط. لم تكن تفكر في مارينا، ولا في منزل، ولا في سمعة. كان دافعها لحظي، غريزي، إنساني.

حتى وإن كان كونور ابن مارينا… فهو طفل، بريء، لا ذنب له.

ابتسمت أوليفيا لنفسها بسخرية، مرّت يدها على الجرح الذي ما زال حديثًا على حاجبها. جرح بسيط، لكنه يحمل ثمنًا عظيمًا. حصلت على منزل فوردهام مقابله، منزلها الذي سُلب منها ذات يوم.

وفي كل مرة تُغمض عينيها لتنام، تتكرر ذات الصورة: مارينا وهي تجبرها على الركوع أمام الجميع، تُذلّها بلا رحمة.

تتشنج قبضتاها كلما عادت الذكرى.

قضت أوليفيا اليومين التاليين بقدر من الهدوء الذي لم تعرفه منذ زمن. لم يكن الأمر متعلقًا باستعادة منزلها فقط، بل إن إيثان لم يظهر في الأفق. لم تره، لم يتواصل معها، لم يُطل بوجهه البارد أو صوته المتعجرف.

كان غيابه نعمة… أو لعله العاصفة التي تسبق الإعصار.

في إحدى تلك الظهيرات، كانت جالسة بهدوء في المطبخ، تأكل بعض حبات الكرز التي أعدّتها إيفرلي في طبق صغير مزيّن بالنعناع.

رنّ هاتفها فجأة، رسالة واردة من كوفر.

فتحتها بتراخٍ، لم تتوقع شيئًا هامًا، ولكن ما رأته في اللحظة التالية جعل الكرزة تسقط من بين أصابعها قبل أن تصل إلى فمها. بل لم تتوقف الكرزة فقط، بل سقط الهاتف نفسه من يدها، وارتطم بالأرض بقوة.

نظرت إليها إيفرلي وهي تمضغ قطعة كرز، شفتيها ملطختان بلونه الوردي. لاحظت على الفور تغيّر وجه أوليفيا.

“ما بكِ؟ وجهكِ أصبح شاحبًا فجأة. هل سقطت الأسهم؟ أم أن أحد المشاهير تم القبض عليه في فضيحة مدوية؟”

لم تجب أوليفيا. كانت تتعرق. التعرّق البارد الذي يأتي مع الصدمة، مع الخوف، مع الحقيقة القاسية التي لا تُصدّق.

اقتربت منها إيفرلي، لم تفهم شيئًا. نظرت إلى الهاتف الذي كان لا يزال شاشته مفتوحة.

رأت الصور…

حادث سيارة. شاحنة كبيرة خرجت عن الطريق، اجتاحت المساحة الخضراء المحيطة، قبل أن تصطدم بسيارة سوداء، وتسحقها حتى لم يعد لها ملامح.

رفعت إيفرلي حاجبيها بدهشة:
“أليست هذه سيارة والدك؟ هل أنتِ بخير؟ ما هذه الصور؟ لماذا تنظرين إليها الآن؟”

أجابت أوليفيا أخيرًا، لكن صوتها كان مبحوحًا، مرتجفًا:
“انظري إلى الصور الأخرى، إيف…”

أخذت إيفرلي الهاتف منها بحذر، وبدأت تقلّب الصور واحدة تلو الأخرى. وفجأة… توقفت أنفاسها.

“أليس هذا… إيثان؟”

نعم، إيثان. واقف تحت شجرة قريبة، يراقب الحادث. لم يكن يصرخ، لم يهرع للمساعدة. لم يركض، لم يتصل بالإسعاف.

كان يقف هناك بهدوء مريب.

ضوء الشمس المتسلل بين أوراق الشجر رسم خطوطًا غريبة على وجهه، جعلته يبدو أشد برودة، أكثر قسوة، كما لو أن الطبيعة نفسها تواطأت مع نواياه.

نظرت أوليفيا إلى إيفرلي، كانت عيناها تلمعان بدموع لم تسقط بعد، ويدها كانت رطبة من العرق.

أمسكت بيدها بقوة وهي تهمس بصوت مكسور:

“إيف… هل تظنين أن هذا مجرد صدفة؟”

“ماذا تعنين؟”

هزّت أوليفيا رأسها، كانت على وشك الانهيار، لكنها تماسكَت لتقول:

“لم يكن مجرد حادث سيارة، لم يكن عرضيًا… لقد خُطط له مسبقًا.”

“ليف، لا تتسرعي… ربما كان فقط موجودًا هناك بالصدفة.”

لكن أوليفيا هزّت رأسها بعنف، أمسكت بذراع صديقتها بقوة أكبر.

“في اليوم نفسه، وقعت ثلاث حوادث سيارات على نفس الطريق، في نفس الوقت. كانت الشوارع مغلقة تمامًا، تأخر وصول سيارة الإسعاف لأكثر من ساعة. أبي… لو حصل على علاج فوري، لما تعرّض لتلك الأعراض الخطيرة، لما قضى عامين في المستشفى، طريحًا، يعاني بصمت.”

ثم قالت بنبرة شديدة:

“إيف، إيثان خطط لهذا! أراد أن يموت والدي في موقع الحادث، ولم يكن في نيته تركه ينجو.”

شهقت إيفرلي بصوت مسموع، كانت على وشك النفي، لكن أوليفيا تابعت:

“تعرفين من هو؟ لقد قام بتلقيح الزهور برماد بشر ذات مرة. رجل مثل هذا… لا يتورع عن شيء. طالما يريد شيئًا، سيناله مهما كان الثمن. ظننتُ أنه فقط يريد إفلاسنا، الانتقام المالي، لكن… لا. كان يريد رأس أبي. هذا ليس رجلًا… إنه شيطان!”

كانت أوليفيا تبكي، وتبتسم في آنٍ واحد، ابتسامة مرعبة، متكسّرة، تحمل من الألم أكثر مما تحمله من تعبير.

وقفت إيفرلي مذهولة، عاجزة عن الرد، عن الدفاع، عن التصديق الكامل أو التكذيب. الحقيقة أمامها، في الصور. لكن إثبات النية؟ شيء آخر.

قالت بصوت متردد:
“ليف… أنا فقط… لا أعرف ماذا أقول.”

همست أوليفيا، بصوت مخنوق:

“أنا أعرفه، إيف. أعرفه أكثر من أي أحد. هو من قتل والدي.”

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 109 رواية حتى بعد الموت

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top