رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 266

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 266

تغيّر وجه الدكتورة غالاوي فجأة عند كلمات أوليفيا، كأن جرحًا قديمًا انفتح أمامها. ارتجف صوتها وهي تردّ، لكن نبرتها كانت قاسېة:
“لماذا يُبقيني هذا مستيقظة طوال الليل؟! ليس لدي ما أخشاه. كانت مچنونة على أي حال. لولا رعايتي لها، لكانت قد فارقت الحياة منذ سنوات. أنا فقط من منحها مهلة… ثم أرسلتها حيث تنتمي. كانت حياتها جحيمًا لا يُطاق وهي حية، وأنا فقط أنهيت ذلك.”

رفعت أوليفيا حاجبها، مستغربة من اعترافٍ ينضح بالبرود:
“إذًا… أنتِ من دفعها من المبنى؟”

ضحكت غالاوي ضحكة قصيرة، لكنها لم تكن ضحكة فرح بل خليط من السخرية والاستهانة:
“وماذا لو كنت أنا؟ كل هذا بسببك أنتِ. لو لم تتدخلي في حياتنا وتدخليها إلى مستشفى الأمراض النفسية، لكانت ما زالت تتنفس حتى اليوم. أنتِ السبب في كل شيء.”

شعرت أوليفيا بقشعريرة تسري في جسدها، وأدركت أن أمامها عقلًا مشوشًا يتحدث، شخصًا ربما يحتاج هو نفسه إلى العلاج النفسي. لكن سؤالًا ظل يلحّ في رأسها: لماذا كان اسم بيل يثير هذا الانفجار العاطفي عند الدكتورة غالاوي؟ ما الذي أخفته علاقتهما الحقيقية؟

قررت أن تضغط أكثر:
“وماذا عن طفل بيل؟… هل تعرفين أين هو الآن؟”

اتسعت عينا غالاوي للحظة، ثم أظلمت ملامحها:
“أي طفل؟ لا أعرف شيئًا عن هذا الكلام.”

أوليفيا لم تتراجع، قالت بهدوء مخادع:
“لقد طلبتُ من شخص أن يفحص جسدها. كان هناك علامات تمدد على بطنها، وآثار تشير بوضوح إلى أنها أنجبت يومًا.”

صړخت غالاوي بغضبٍ هائج:
“وما شأنك إن أنجبت أم لم تنجب؟ بيل…”

لكن قبل أن تكمل، اندفع رايان إلى الغرفة، وأحاط كتفي غالاوي بذراعيه، وكأنه يخشى أن ټنهار في أي لحظة.
“اهدئي يا جينيفر، يكفي. انتهى الأمر الآن، لا داعي للحديث معها عن… ذلك.”

توقفت أوليفيا فجأة عند تلك الكلمة المبتورة “ذلك”، كأنها مفتاح لغز لم يُكشف بعد. لماذا يمنعها رايان من الكلام؟ وهل مۏت بيل كان عبئًا على غالاوي حقًا، أم أن هناك سرًا آخر أعمق؟

سحبها رايان إلى الخارج، وخيم الصمت على المكان. كانت الغرفة واسعة، فارغة إلا من برودة الجدران ورائحة الرطوبة. لم يكن يُسمع سوى دقات قلب أوليفيا، وصوت خاڤت لفئران تتحرك في الظلال. كانت تخشى القوارض عادة، لكن الخۏف من المۏت جعل هذا الړعب يبدو تافهًا.

شعرت الفئران بها، اقتربت حتى شمّت جسدها، ثم تراجعت، وكأنها تدرك أن فريستها ما زالت حية.

كانت أوليفيا ممددة على أرضية غير مستوية، ليست خشبًا ولا بلاطًا، بل خليط من الأسمنت الخام والغبار، وكأن المكان لم يكتمل بناؤه أبدًا. تسللت إلى أنفها رائحة نفاذة لمواد كيميائية، فجمعت ما تعرفه: المكان مصنع مهجور، وعلى الأرجح يقع قرب الساحل.

استنتجت من صوت الموج المتقطع أن الموقع قد يكون في ميناء إيست سايد. كان هذا الحي يومًا ما نابضًا بالحياة، عامرًا بالمستودعات والمصانع الكبرى. لكن مع سياسات الحكومة الجديدة وتحويل التجارة نحو الجنوب، ومع التلوث الذي خلفته المصانع الكيميائية، تحولت المنطقة تدريجيًا إلى أرض منسية. هنا، يمكن لچثة أن تتحلل دون أن يكتشفها أحد.

حركت يدها بخفة، تسحب كمّها لتخفي الساعة الذكية التي أهدتها لها كلوي، وكان بداخلها شريحة اتصال خفية. ربما كانت هذه فرصتها الوحيدة لطلب النجدة.

وفي مكان آخر، كان إيثان على متن مروحية تغادر المدينة، يجلس قرب النافذة بينما قلبه يثقل مع كل دقيقة تمر. كان شعورًا غريبًا، خليط من الضيق والحدس، وكأن صوتًا في أعماقه ېصرخ به أن يعود فورًا.

فتح هاتفه، وضغط على صورة أوليفيا في تطبيق المراسلة. تذكر أنها حظرته منذ زمن، وأن آخر محادثة بينهما كانت مكالمات فيديو فائتة قبل ستة أشهر. ألقى نظرة على الرسائل القديمة، معظمها كانت منها، يملأها القلق والحنين، بينما ردوده القليلة كانت باردة وجافة.

لم يعرف حينها لماذا كان يتعامل معها وكأن وجودها أمر مفروغ منه، لكنه الآن لم يشعر إلا بالندم. كانت أوليفيا حبه الحقيقي، ووعد أن يبقى معها للأبد… لكنه كان من جرحها أعمق من أي شخص آخر.

انخفضت المروحية ببطء نحو جزيرة غارقة في أزهار الكرز. كان موسم التفتح في ذروته، والبتلات تتطاير في الهواء مثل وعود لم تتحقق. كان المنظر ساحرًا، لكنه لم يخفف من ضيق صدره. كان من المفترض أن تكون هذه الأزهار هدية لأوليفيا، لكنها لن تراها أبدًا.

على الجزيرة، كان الحشد ينتظر. مراسلون، مصورون، مؤثرون على منصات البث المباشر، كلهم هناك لتوثيق حدث أرادت مارينا أن تجعله لحظة إعلان انتصارها أمام الجميع.

لكن وسط كل هذه الوجوه والعدسات، بحث إيثان بعينيه… ولم يجد مارينا. عقد حاجبيه، وقال ببرود ممزوج بالاستياء:
“أين مارينا؟”

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top