رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 271

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 271

لفت الصوت الحادّ لمكبرات الصوت انتباه الحاضرين في القاعة على الفور، كما لو أن موجة كهربائية اجتاحت المكان بأسره. توقفت الموسيقى فجأة، وجمُدت الابتسامات على وجوه الضيوف. في لحظة، تحولت الأنظار إلى الشاشة العملاقة المعلّقة في مقدمة القاعة. التقط الإعلاميون، الذين كانوا يتجولون بين الضيوف بحثًا عن لقطات لحفل الخطوبة الفاخر، كاميراتهم بسرعة ووجّهوا عدساتهم نحو الشاشة، مستعدين لتوثيق ما بدا وكأنه حدث طارئ.

ظهر على الشاشة مشهد البحر الأزرق الممتد بلا نهاية، أمواجه تتلاطم برفق تحت سماء صافية. وفجأة، قفزت صورة غريبة في وسط الإطار: شخص مجهول الملامح يرتدي زي باندا ضخم، رأسه الكروي وعيناه السوداوان تحدّقان مباشرة في الكاميرا. لم يكن صوته واضحًا بسبب التشويش، ولم يكن في مظهره ما يشي بهويته. كان كيانًا غامضًا بالكامل، وكأن شخصًا ما أراد محو كل أثر لوجهه وصوته.

ركض كيلفن بخطوات سريعة نحو إيثان، الذي كان واقفًا على مقربة من المنصة، وهمس له بلهجة مستعجلة:
– “لقد تم اختراق أنظمة الكمبيوتر لدينا… كل الشاشات تحت سيطرتهم الآن.”

لم يرد إيثان بكلمة، بل ألقى نظرة حادة باتجاه برنت. كانت تلك النظرة وحدها كافية لإيصال الرسالة. فهم برنت على الفور ما هو مطلوب منه، وانسحب بخطوات محسوبة نحو زاوية القاعة، حيث يمكنه العمل على تتبع إشارة البث ومحاولة تحديد موقع مصدرها.

لكن شيئًا آخر كان يثير القلق… مارينا لم تظهر حتى الآن. كان من الواضح أن أمرًا خطيرًا قد حدث، وأن هذا الظهور المفاجئ ليس إلا بداية سلسلة من الأحداث.

وقف إيثان بثبات، يضع يديه خلف ظهره، وملامح وجهه مشدودة بغضب مكتوم. لم يكن قد خطط لحدوث أي طارئ في هذا اليوم، لكن المجرم الذي خطط لهذه اللحظة اختار التوقيت بعناية، وكأن هدفه تحطيم الصورة المثالية التي حاول إيثان رسمها أمام الجميع. كان الأمر مدروسًا بدقة، من اختيار المكان إلى لحظة التنفيذ.

بدأ عقل إيثان يعمل بسرعة، يبحث عن استراتيجيات للتعامل مع الموقف. برنت، من جهته، بدأ بالفعل بمحاولة تعقب الإشارة، لكن هذا سيستغرق وقتًا، وواجب إيثان الآن أن يشتري له هذا الوقت بأي وسيلة ممكنة.

حدّق إيثان في الشاشة ببرود متعمد، ثم سأل بصوت منخفض لكنه مسموع:
– “هل هي معك؟”

كان متأكدًا أن الفاعلين تركوا أجهزة تنصت أو كاميرات صغيرة في محيطه، كما فعلوا من قبل حين زرعوا كاميرات تجسس في مكتبه. تذكر جيدًا كيف وجد بعض الأدلة، لكن ما إن بدأ رجاله بالبحث حتى اختفت تلك الأجهزة فجأة، وكأن أصحابها كانوا يراقبونه عن قرب طوال الوقت.

انتظر إيثان أن يظهر العقل المدبر وراء هذه اللعبة، لكن لم يتوقع أبدًا أن يحدث ذلك خلال حفل خطوبته.

في هذه الأثناء، بدأ الضيوف يتبادلون النظرات القلقة. البعض ظن أن الأمر مزحة ثقيلة، والبعض الآخر أحس بأن شيئًا جللاً يجري في الخفاء. كانوا يجدون صعوبة في تصديق أن مارينا قد تكون اختُطفت بالفعل، لكن التوتر كان يتصاعد مع كل ثانية تمر.

حتى المؤثرون الذين كانوا يبثون الحفل مباشرة عبر هواتفهم الذكية، والذين عادة ما يملؤون الأجواء بالتعليقات والضحك، صمتوا فجأة وبدأوا يكتفون بتصوير المشهد دون تعليق.

قال الشخص الذي يرتدي زي الباندا بصوت مبحوح وواثق في آنٍ واحد:
– “عن من تسأل؟”

تسربت الدهشة إلى الحاضرين، فهذه الجملة لم تكن جوابًا مباشرًا، بل بدت كإشارة إلى وجود شخص آخر غير مارينا. بدأت الهمسات تتصاعد بين الضيوف، والجميع يحاول تخمين المقصود.

شعر إيثان ببرودة تسري في أطرافه. فجأة، تذكّر مكالمة أوليفيا صباح ذلك اليوم، حين اتصلت به بلهجة ساخرة لتهنئه على خطوبته. كان تصرفها غريبًا، فهي عادة ما تتجنبه، لا سيما بعد كل ما حدث بينهما. تساءل في نفسه: هل كانت تلك المكالمة إنذارًا مبكرًا؟ هل هي الآن في خطر؟

قبض إيثان يديه خلف ظهره حتى ابيضت مفاصله، وسأل ببرود يخفي عاصفة من الغضب:
– “ماذا تقصد بذلك؟”

رفع الشخص الذي يرتدي زي الباندا كتفيه بلا مبالاة، وقال:
– “بالضبط ما سمعت. خطيبتك… ليست الوحيدة معي.”

سرت موجة من الصدمة بين الحاضرين، حتى قبل أن يكمل:
– “لديّ أيضًا زوجتك السابقة.”

لمعت العيون في القاعة، وتفجرت الهمسات كشرارة في حقل جاف.
– “زوجة سابقة؟! منذ متى كان لإيثان زوجة؟”
– “ألم يقل دومًا إنه عاش سنواته العشر الماضية مخلصًا لحبه الوحيد؟”

بدأت النظريات تنتشر كالنار، وارتبط الأمر فورًا بما تسرّب قبل فترة عن رؤيته مع امرأة غامضة على متن سفينة سياحية. الآن، بدا وكأن تلك الإشاعات كانت صحيحة، بل وأخطر مما توقع الجميع.

في وسط هذه الفوضى، قطع البث صورة الباندا، لتظهر لقطة بانورامية للبحر. السماء صافية، طيور النورس تحلق، والأمواج تلمع تحت أشعة الشمس. لكن هذا الهدوء البصري تحطم عندما ظهرت المرأتان المعلقتان على ارتفاع شاهق، تتأرجحان مربوطتين بحبال خشنة فوق المياه.

كانت مارينا ترتدي فستانها الفاخر، وجهها مغطى بعصابة، لكن الدموع التي انسابت من أسفلها كانت واضحة حتى من مسافة التصوير. أما المرأة الثانية، فكان النصف العلوي من وجهها مغطى، ولم يظهر سوى ذقنها وشفتيها المضغوطتين بعصبية.

في تلك اللحظة، شد إيثان قبضتيه بقوة لدرجة أن أظافره غرست في راحتيه حتى نزف الدم. كان يدرك أن هذا ليس مجرد عرض استعراضي… بل بداية لعبة حياة أو موت.

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top