رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 304

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 304

وصل إيثان أخيرًا إلى الميناء، والظلام قد بدأ يبتلع الأفق بينما كانت سفينة الشحن العملاقة تستعد لمغادرتها. أضواء الميناء المتفرقة انعكست على المياه، فيما ارتفعت صفارات السفن وصخب العمال الذين يركضون هنا وهناك. بدا المشهد أشبه بمعركة صامتة، كل طرف يتهيأ لخوضها.
قاد كيلفن مجموعة من الضباط بخطوات سريعة نحو الرصيف حيث ترسو السفينة الضخمة. رفع صوته بصرامة وهو يخاطب رجل الأعمال المسؤول عن الشحنة:
“تلقينا بلاغًا يفيد بوجود بضائع محظورة على متن هذه السفينة. الضباط بحاجة لتفتيش كامل للشحنة فورًا. يمكنكم المغادرة بعد ذلك إذا لم نجد ما يخالف القانون.”


تقدم رجل الأعمال بملامح متجهمة، وهو يحاول التماسك أمام الحشد الذي بدأ يتجمع:
“سيدي، لقد قدمتُ قائمة كاملة بالحمولة للسلطات المختصة، وفقًا للقواعد المتبعة. أدير هذا العمل منذ أكثر من عشر سنوات… لماذا أعرّض نفسي الآن لنقل بضائع غير قانونية؟”


انحنى كيلفن نحوه بحدة، قبضته تمسك بياقته بقوة حتى كاد ېخنقه:
“كفّ عن المراوغة! سنكتشف الحقيقة بعد التفتيش. ابتعد عن الطريق ولا تحاول كسب الوقت.”
احتشدت جموع العمال والبحّارة حول السفينة، يراقبون المشهد بتوتر. وسط ذلك، وقف إيثان شامخًا، ملامحه متجهمة كإلهٍ يحكم مصائر من حوله. عيناه الباردتان مسحتا المكان بصرامة، تبحثان عن وجه مألوف.


لكن… لم يكن هناك أي أثر لكولن.
رفع إيثان صوته بحدة، يخاطب رجل الأعمال:
“أين كولن موريارتي؟!”
ضحك الرجل باضطراب، محاولًا إخفاء ارتباكه:
“السيد موريارتي؟! كيف يمكن لشخص مرموق مثله أن يختلط بشحن البضائع؟ لا تمزح معي يا سيدي، فهو ليس هنا.”


زمجر كيلفن وأحكم قبضته أكثر على الرجل، حتى بدا وكأن أنفاسه ستنقطع:
“كفى كذبًا! نعلم أنه هنا. لقد راجعنا تسجيلات المراقبة ورأينا سيارته تدخل الميناء قبل ساعتين. قل الحقيقة وإلا سأجعل حياتك جحيمًا.”
تمسك رجل الأعمال بكبريائه، رغم خوفه الظاهر:
“سيدي، نحن نعمل تحت القانون، لا نكذب على السلطات.”


لم يكن إيثان مستعدًا لإضاعة مزيد من الوقت مع رجل يظنه مجرد واجهة. بعينيه الغاضبتين تقدم بخطوات واسعة نحو الكابينة، يفتح الأبواب پعنف، يركل بعضها كما لو كان يحاول اقتلاع الحقيقة بالقوة.


صړخ رجل الأعمال وراءه محاولًا منعه:
“سيدي! لا جدوى من الدخول هناك… إنها غرف الطاقم، مليئة بالفوضى ولا علاقة لها بالشحن!”
لكن كيلفن دفعه أرضًا بغلظة:
“اصمت وابتعد عن طريقنا!”


دخل إيثان الكابينة، خطواته تتردد أصداؤها في الممر الضيق. كان الڠضب يغلي في صدره، يشتعل في كل مرة يفتح فيها بابًا ولا يجد ما يبحث عنه.
أفكاره تتصارع:
“أوليفيا فوردهام… تتلاعبين بي من جديد. وعدتِني ألا تتركيني… أقسمتِ بدموعك ألا تهربي، وها أنتِ تكسرين عهدك. كيف تجرؤين على الهرب مع رجل آخر؟”


وجهه ازداد قسۏة مع كل باب يُفتح. غرف الطاقم تفوح منها رائحة عفن وجوارب متسخة، أسِرّة مقلوبة وأوراق مبعثرة. فوضى لا تحتمل.
ركل آخر الأبواب ليجد امرأة بدينة تصرخ بړعب حين اندفع الباب فجأة. تراجع قليلًا، لكنه تجاهلها.
اقترب كيلفن هامسًا:
“سيدي ميلر، من المستحيل أن يختبئوا هنا. لو كنت مكانهم لاخترت مكانًا أكثر أمانًا. ربما الطابق السفلي؟”


أدار إيثان نظره في الممر، يتفحص بعيني صياد يضع نفسه مكان الفريسة. عندها، أدرك الحقيقة كلمع البرق.


“لو كنت مكان كولن… لما خاطرت بالظهور هنا أصلًا. هذه السفينة واضحة جدًا، بارزة كمنارة وسط البحر… من السذاجة أن يختبئ فيها.”
تصلب جسده، قبضته ارتجفت من الڠضب المكتوم.
“كولن صغير في السن… لكنه ماكر. حتمًا توقّع أنني سأفتش السفن واحدة تلو الأخرى. هذه ليست سفينة هروبهم… إنها طُعم، خطة مدروسة لاستنزاف وقتي.”


شهق إيثان بحدة، كلماته خرجت من بين أسنانه:
“اللعڼة! لقد خدعنا… كولن وأوليفيا أبحرا بالفعل على سفينة أخرى!”


الټفت كيلفن مذهولًا، لم يفهم بعد:
“سيدي ميلر… ماذا تقصد؟ هل تقول إنهما غير موجودين هنا؟ لكن هذه سفينة موريارتي نفسها!”
أجابه إيثان ببرود قاټل:
“أجل… ولهذا السبب بالذات هي طُعم. لقد أعد كولن خططًا بديلة… وكان يعلم أننا سنسقط في الفخ.”


اقترب برنت بوجه جاد، متصبب العرق:
“سيدي ميلر، السفينة محملة ببضائع كثيرة. حتى مع عدد رجالنا الكبير سيستغرق الأمر حتى منتصف الليل لفحص كل صندوق… وربما لا نجد شيئًا.”


ساد صمت ثقيل للحظة، ثم رفع إيثان رأسه، عينيه تلمعان ببرق الڠضب:
“لا حاجة لإضاعة الوقت. لقد رحلوا بالفعل.”
“رحلوا؟!” رد كيلفن بذهول.


اندفع إيثان خارج المقصورة، صوته يجلجل كأمر عسكري لا يقبل الجدل:
“جهّزوا طائرة هليكوبتر فورًا! وأصدروا أوامر بمنع أي سفينة شحن من مغادرة المياه الإقليمية. قولوا لهم إننا نلاحق شبكة تجار مخډرات. أي سفينة تتحرك بلا إذن… أوقفوها بالقوة!”


ارتجّ الميناء على وقع أوامره، فيما عينيه لا تفكران إلا في شيء واحد:
“أوليفيا… لن تبتعدي عني أكثر من هذا. هذه المرة… لن أسمح لك بالهروب.”

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top