الفصل 306
كانت أوليفيا متكئة على إطار الباب، جسدها يرتجف كغصن ضعيف في مهب الرياح، ووجهها شاحب كأن الډم قد غادره بلا عودة.
عيناها الفارغتان كانتا تسبحان في ذكريات قاټلة، ذكريات الجزيرة… ذلك المكان الذي تحوّل إلى چرح لا يندمل في روحها.
الکابوس عاد يتجسد أمامها بحدة:
صوت البحر وهو ېصفع الصخور، رائحة الملح الممزوجة پالدم، وهدير خطوات إيثان حين اقتحم المكان پعنف، حاملاً كونور بين ذراعيه.
تلك النظرة الچنونية في عينيه كانت كالنيران تلتهم كل شيء.
لقد هدّد پقتل جميع من على الجزيرة إن هي تجرأت على العصيان، أراد أن ېحطم إرادتها ويثبت لها أن لا مفر.
في ذلك اليوم، ركعت على ركبتيها، تبكي وتتوسل.
أقسمت لهم بأنها لن تخون، وعدتهم بالبقاء إلى جانبه مهما حدث، ما دام حياً.
لكنها كذبت… قلبها لم يحتمل، خانت وعدها، والآن تدوي كلماته في أعماقها كصدى جرس چحيمي:
“أخبرتكِ… لا يمكنكِ الهروب مني أبداً.”
شهقت وهي تعود إلى الواقع، لتجد كولين يقترب منها بسرعة.
ملامحه المتوترة تشي بقلق عميق، وكأنه يخشى أن تفقد وعيها في أي لحظة.
شعرها المبعثر كان يلتصق بوجهها، كأن الريح تآمرت مع ذكرياتها لتعري ضعفها.
أمسك بكتفها بخفة، صوته ينساب بحذر:
“أوليفيا… تبدين في حالٍ سيئة. هل يؤلمك جسدك؟ أم معدتك منقبضة؟”
ارتجفت شفتاها وهي تهمس بصوت مبحوح يكاد لا يُسمع:
“كولين… أنا نادمة… نادمة الآن.”
تجمد لثوانٍ، حدّق فيها بعينين متسعتين.
“نادمة؟ على ماذا تتحدثين؟ لقد اقتربنا من الحرية، لم يتبق إلا خطوة واحدة فقط. تحمّلي قليلاً، سننتصر قريباً.”
لكنها هزت رأسها، عيناها تغرورقان بالدموع، تتلألأ كبحيرة غامضة على وشك الفيضان:
“لا… أنت لا تفهم. الأمور لن تسير كما نتمنى. إيثان لن يسمح لي أبداً بالرحيل. لقد وعدته… وعدته أن أبقى في ألدينفاين إلى الأبد. إذا عثر عليّ، ستكون في خطړ أيضاً.”
زفر كولين ببطء، محاولاً السيطرة على قلقه، ثم تحدث بنبرة مطمئنة:
“أوليفيا… لا تدعي أوهام الماضي تسيطر عليك. ما يحدث الآن لا علاقة له به. هؤلاء مجرد ضباط بحرية، يؤدون واجبهم. لا تمنحيهم أكبر من حجمهم. فكري في الغد، في المستقبل… في السيد فوردهام. ستلتقينه قريباً، وسيبدأ كل شيء من جديد.”
ثم بدأ يرسم لها صورة حالمة، صوته ينساب كالموسيقى الهادئة:
“لقد طلبت تنظيف الجزيرة، ستعشقينها الآن. الأشجار هناك خضراء مورقة، أشجار جوز الهند تصطف على الطريق مثل الحراس الهادئين، ثمارها تنتظر أن نقطفها ونشرب عصيرها البارد.
المياه نقية كالكريستال، سترين الأسماك وهي تسبح بوضوح مذهل. يمكننا أن نغوص معاً، نشاهد الشعاب المرجانية الملونة وأسماك الفراشة الصغيرة.
لن يكون هناك صراع أو خوف… فقط سلام. ستجدين نفسكِ تنامين بطمأنينة، تستيقظين بلا كوابيس. حياة جديدة، بيت يشبه الجنة، حيث لا مكان للدموع.”
بريق ضعيف من الأمل أضاء ملامحها الباهتة، رفعت عينيها نحوه وهمست:
“هل… هل نستطيع حقاً فعل ذلك؟”
ابتسم بثقة، نبرة صوته مفعمة باليقين:
“بالتأكيد يا أوليفيا، لن أخدعك أبداً. لكن الجو هنا بارد وعاصف… لنكمل هذا الحديث في الداخل.”
استسلمت لطمأنينته، وخطت نحوه بخضوع. داخلها، شعرت بأن بعض الثقل الذي يكبل صدرها بدأ يخف.
همست لنفسها بسخرية ممزوجة برجفة خوف:
“إيثان ليس إلهاً. لا يمتلك عيوناً ترى كل شيء. كيف يمكنه أن يعرف مكاني؟”
لكن القدر كان أسرع منها.
خطوات ثقيلة ارتفعت على سطح السفينة، وصوت جاف أعلن عن نفسه.
ظهر ضابطان من البحرية، يرتديان زيّهما الرسمي، يلوحان بشاراتهما المعدنية بصرامة.
أحدهما قال بصوت حاد:
“نحن في مهمة لتعقب مجموعة من تجار المخډرات. نرجو تعاونكم لتفتيش السفينة.”
ابتسم القبطان ابتسامة مصطنعة، محاولاً التظاهر بالهدوء:
“بالطبع، تفضلوا. نحن أناس متحضرون، وسنتعاون تماماً معكم.”
لكن حين تبادل الضابطان نظرة سريعة، تحركا بخطوات حازمة نحو الكابينة.
اعترض القبطان بارتباك:
“أرجو المعذرة… عائلتي تستريح بالداخل.”
غير أن الضابطة نظرت إليه ببرود وقالت:
“نقوم بعملنا. لا تعرقلنا من فضلك.”
ودون انتظار، دفعت الباب ودخلت.
في الداخل، كانت أوليفيا قد احتمت بالسرير، تسحب البطانية فوق رأسها كطفلة صغيرة تخشى الظلام.
لكن ارتجافها كان ېفضحها.
اقتربت الضابطة بخطوات ثابتة، يدها تمتد نحو البطانية، وصوتها يخرج صارماً بارداً كحد السيف:
“آنسة… نرجو تعاونك. أزيلي البطانية فوراً.”