الفصل 307 كانت أوليفيا تشعر بقلق خانق، قلبها يخفق كطبول الحړب.
وقفت أمام المرآة الصغيرة المرتجفة بين يديها، وضعت المكياج على عجل، محاوِلةً أن تبدو كأنها امرأة أخرى.
غيّرت لون بشرتها إلى درجة أغمق قليلًا، ورسمت بعض النمش بعناية على وجنتيها، علّها تتمكن من خداع العيون التي تلاحقها.
حتى أقرب الناس إليها قد يترددون لحظة قبل أن يتعرفوا عليها بهذا المظهر.
ببطء، كأنها تخشى أن ينكشف قلبها قبل وجهها، سحبت البطانية من فوق رأسها.
نظرت إلى الضابطة التي اقتربت منها، وابتسمت ابتسامة واهية وهي تقول بصوت مبحوح:
“سيدتي، هل هناك مشكلة؟ أشعر بدوار البحر… أعتذر عن هذا المظهر.”
تبادلت الضابطة نظرة سريعة مع زميلها، ثم أخرجت دفترها الصغير، تحدثت بصرامة رسمية:
“نحن نحاول القبض على مجموعة من تجار المخډرات. نرجو تعاونك. لن يستغرق الأمر سوى بضع دقائق من الاستجواب.”
بدأت تطرح أسئلتها، رتيبة كطلقات ناعمة:
“اسمك؟ عملك؟ وجهتك؟ كم عدد الأشخاص على متن السفينة؟”
تمكنت أوليفيا، رغم ارتباكها، من الإجابة ببرود متماسك. كل كلمة كانت كقطرة ماء على جمر متقد.
وعندما بدت الضابطة على وشك الانصراف، توقفت فجأة، كأن فكرة طارئة خطرت لها، وأخرجت من جيبها علبة دواء صغيرة.
“أحضرت معي أدوية لدوار البحر… إنها فعالة، جربيها.”
مدّت أوليفيا يدها بتردد، وفي اللحظة التي قبضت فيها على العلبة، ارتجف قلبها.
كانت الضابطة تحدق في ذراعها العاړية، في بشرتها الفاتحة التي تناقضت بشكل صارخ مع لون وجهها البرونزي المزيف.
شعرت أوليفيا وكأن الأرض اهتزت تحتها، لكن الضابطة لم تقل شيئًا.
أغلقت دفترها وأعادته إلى حقيبتها، ثم قالت بنبرة خالية من المشاعر:
“بالشفاء العاجل.”
خرجت بخطوات واثقة، تاركة وراءها أوليفيا مڼهارة، ظهرها ملتصق بالسرير وعرق بارد يتصبب منها.
حين غادر الضابطان السفينة، التقت نظرات أوليفيا وكولين، وفي أعينهما لمعة انتصار صغيرة.
ابتسم كولين ابتسامة شاحبة وهو يهمس:
“لقد مرّ الأمر بسلام. لكن علينا أن ننتظر قليلًا قبل أن نكمل رحلتنا.”
أومأت أوليفيا برأسها، لكن قلبها كان لا يزال قلقًا.
كان الليل يزداد حلكة، المطر يهطل بلا توقف، يضرب النوافذ بقسۏة، يرسم خطوطًا متشابكة كدموع السماء.
بعد أن أخذت حمامًا ساخنًا يخفف من توترها، ارتدت ثوب نوم أبيض رقيق، وأسندت رأسها إلى اللوح الخشبي للسرير.
ضمّت سنوبول الصغيرة إلى صدرها، وفي تلك اللحظة فقط استطاعت أن تفتح كتابها وتقرأ.
سحر الكلمات أخذها بعيدًا، حتى أنها أوشكت أن تنهي نصف القصة قبل أن تدرك شيئًا مريبًا: السفينة لم تتحرك بعد.
رفعت رأسها نحو النافذة.
هناك… وسط الظلام الموحش، لمع ضوء بعيد يرقص فوق سطح البحر الأسود.
تثاءبت، وبدأ النعاس يتسلل إليها، لكنها لم تُكمل إغلاق الكتاب.
صوت غريب دوّى فجأة، اخترق صمت الليل.
صوت مروحة طائرة!
ارتجف قلبها، قفزت واقفة، والكتاب يسقط من يديها على الأرض.
“هليكوبتر؟ في مثل هذا الطقس؟”
المطر كان يهطل بغزارة، والرياح عاتية، من يجرؤ على الطيران في هذه الظروف؟
انتابها هاجس مرعب: هل يكونون تجار المخډرات؟ أم أن إيثان وجدها أخيرًا؟
تصاعد صوت الطائرة أكثر وأكثر، حتى بدا كأنه فوق رأسها مباشرة.
حتى سنوبول رفعت رأسها منزعجة، تنظر من النافذة بعينيها الصغيرتين.
وفجأة… وقع بصر أوليفيا على المشهد.
الصدمة شلت جسدها للحظة.
السفينة صارت محاطة بزوارق بحرية، تشكل حلقة خانقة حولهم.
الأضواء الكاشفة انطلقت كالسيوف، تخترق عتمة الليل وتصوب نحوهم.
ارتجف قلبها أكثر، وغمرها إحساس بالحصار.
ركضت بخطوات مسرعة خارج المقصورة، لتجد كولين واقفًا على سطح السفينة، يواجه الأضواء المبهرة.
الموج كان يزأر حولهم، والرياح تزمجر كوحوش طليقة، والسفينة الصغيرة تتأرجح كقشة في محيط هائج.
كانوا محاصرين كما لو أنهم فرائس في عرين الأسود.
كولين الټفت نحوها، عيناه تعكسان مرارة الحقيقة، وقال بصوت خاڤت كأنه يعترف بخطأ قاټل:
“آسف يا أوليفيا… يبدو أننا تعرضنا للخداع.”
شحب وجهها وهي تحدق في الأمام.
هناك، بارجة حربية ضخمة تتقدم ببطء، عظيمة كوحش معدني، فيما سفينتهم بدت أمامها مجرد سلحفاة صغيرة أمام سلحفاة عملاقة.
وعند مقدمة تلك البارجة، وقف الرجل الذي لم يغادر كوابيسها قط.
إيثان.
كان معطفه الأسود يرفرف في وجه الريح، يقف بثبات كجنرال لا يهتز.
وراءه كان برنت، يرفع مظلة ليحميه من المطر، وكأنه ظلٌّ وفيّ لا يغادر سيده.
إيثان وضع يديه على السور، جسده شامخ كجبل، وعيناه تتوهجان ببريق متوحش.
أطلق صوته الذي شقّ ضجيج الأمواج، صدى يعرفه قلبها جيدًا:
“ليف… لا يمكنكِ الهرب مني.”