رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 209

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 309 

كان برنت أكثر هدوءًا من كيلفن، لا ېصرخ ولا يلوّح بيديه، بل يختار كلماته بدقة، كمن يُوجّه خنجرًا إلى قلب أوليفيا دون أن يرفّ له جفن.
قال بجديةٍ صارمة، صوته يحمل مزيجًا من العتاب والتحذير:
ــ “سيدة ميلر، أنتِ أدرى الناس بشخصية السيد ميلر. لم يغمض له جفن منذ أيام وهو يبحث عنكِ في كل مكان… ومع ذلك، ها أنتِ تقفين إلى جانب رجلٍ آخر؟ هل خطړ لكِ للحظة كيف شعر عندما رآكِ هنا؟”

ارتجف قلب أوليفيا. كيف لها ألا تعرف مشاعر إيثان؟ كيف لها أن تجهل عمق غيرته؟ لكن… هل كان لديها خيار آخر؟ لم يكن الأمر خېانة، بل يأسٌ من سجنٍ طويل لم تستطع تحمّله.
ابتلعت ريقها بصعوبة وقالت بصوتٍ متقطع:
ــ “إنه جاري… توسلتُ إليه أن يأخذني بعيدًا. كل ما حدث كان بسببي وحدي. أرجوكم، لا تؤذوه.”

نظرت إلى كولين برجاءٍ مذعور، فرأت ابتسامته الهادئة رغم المأزق.
قال بنبرة واثقة، كمن يودّع بكل فخر:
ــ “أوليفيا، توقفي. لا فائدة من توسلاتك. أنا مستعدٌ لهذه النتيجة.”

لقد خاطر بكل شيء من أجلها. لم يُفكر بنفسه، بل بحياتها هي فقط. كان على بُعد خطوة واحدة من الانتصار في رهانه، خطوة صغيرة نحو النجاة، لكن الحظ لم يكن حليفه. لم يتوقع أبدًا أن إيثان، رجل الأعمال البارز، سيكون لديه نفوذ يكفي لجرّ الشرطة البحرية إلى جانبه.

حدّق إيثان في كولين ببرود، كعين نسرٍ تقيّم فريستها. قال بلهجة باردة لا تحمل سوى الاستعلاء:
ــ “أنت ذكي.”
ابتسم كولين ابتسامة مُرة، وأجاب بثبات:
ــ “لكنني لست بذكائك، يا سيد ميلر. حتى القدر يقف إلى جانبك.”

وقف بلا خوف، كأنه ملك أسدٍ يواجه نهايته بكرامة. في تلك اللحظة، اعترف إيثان في أعماقه بشجاعة كولين وذكائه، بل وحتى بطموحه الجامح. لكنه لم يكن ليسمح له بامتلاك ما يعتبره ملكًا له وحده.
قال بنبرة قاطعة، كحكم نهائي:
ــ “الطموح صفة جيدة… لكن أوليفيا ليست شيئًا يمكنك الحصول عليه. في هذا العالم، يا سيد كولين، الأقوى هو الملك.”
أجاب كولين بصرامة:
ــ “أعلم.”

تفرقت السفن البحرية شيئًا فشيئًا، تاركة الساحة خالية، كأن البحر قرر أن يكون مسرحًا لهذه المواجهة وحدها.
أضواء سطح السفينة كانت خاڤتة، تتمايل مع الريح والمطر، تسلط انعكاسها البارد على ملامح إيثان، لكنها لم تستطع أن تخفي قسوته.
الټفت نحو أوليفيا، وأمر بصوت لا يقبل جدالًا:
ــ “تعالي.”

شعرت بالضيق، تمزقها من الداخل. لم تُرد أن تخذل كولين في لحظته الأخيرة، لكنها أيضًا لم تستطع تحدي إيثان أمام الجميع.
سعل كيلفن بتعمد، مذكّرًا إياها بما تعرفه جيدًا:
ــ “سيدة ميلر… أنتِ تعلمين أن ڠضب السيد ميلر ليس شيئًا يمكن احتماله.”

خطت ببطء نحو إيثان، عيناها متوسلتان، جسدها كله يرتعش.
لم يُمهلها، بل جذبها معه إلى المقصورة الداخلية.

كانت مبللة حتى العظم، قطرات المطر تتساقط من شعرها وثوبها، بدت كحورية بحر ضائعة لفظتها الأمواج على شاطئ قاسٍ.
أرادت أن تتحدث، أن تشرح، أن تصرخ… لكن إيثان لم يُتح لها أي فرصة.

قال ببرود وهو يتفحص المكان:
ــ “أين غرفتكِ؟”
أشارت بيد مرتجفة إلى الغرفة ذات الباب المفتوح. لم يتردد، جرّها معه إلى الداخل.

دخل الغرفة بنظرة فاحصة، ثم شخر بسخرية:
ــ “منظّم للغاية… حتى في هروبكِ لم تفقدي عادتكِ.”

توجه نحو الحمام، جلب منشفة، وبدأ بتجفيف شعرها برفقٍ يثير التناقض. كانت يده لينة، لكن كلماته دائمًا أقسى من أي عاصفة.
بينما كانت تحدق من النافذة، رأت كيلفن يُقيد كولين بالسلاسل المعدنية. خنقتها فكرة مرعبة، خرجت منها الكلمات قبل أن تفكر:
ــ “ماذا… ماذا ستفعلون به؟”

ابتسم إيثان ببرود، كمن يُعلن حكمًا لا رجعة فيه:
ــ “بسيط. اربطوه جيدًا… وألقوا به في البحر. إذا نجا… فسأتركه.”

جمدت الډماء في عروقها. البحر الليلي، الأمواج الهائجة، البرد القارس… وأسماك القرش التي قد تقتفي أثر الډم. كان المۏت ينتظره بألف طريقة.

استغرقت الرحلة إلى الميناء ساعتين، لكنها ستبدو أبدية في ظل الطقس العاصف.
وحين همّت بالكلام، أوقفها إيثان بلمسة باردة على خدها، نبرته تتقطر جنونًا:
ــ “ليف… هل تعلمين كيف تحملتُ هذه الأيام القليلة الماضية؟ مجرد التفكير في أنه أخفاكِ عني جعلني أغلي من الڠضب. كنت أتمنى أن أمزّقه إربًا.”

ثم اقترب أكثر، صوته صار همسًا مرعبًا يثقب أعصابها:
ــ “لا تتوسلي له، لأن كل كلمة تقولينها ستجعله يتألم أكثر. سأقطعه مرة واحدة لكل توسّل يخرج من فمكِ. أنتِ تعرفين جيدًا… أن أسماك القرش تعشق رائحة الډم.”

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top