“هل فاز باليانصيب؟ الحمقى محظوظون، أليس كذلك؟”
“حتى لو فاز، هل يعرف أصلاً كيف يشتري تذكرة؟”
امتلأت ردهة الفندق بالجدل، والتشكيك، والهمهمات المتواترة.
في تلك اللحظة، دوّى صوتٌ غاضبٌ في أرجاء الردهة:
“اصمتوا جميعًا!”
كان ذلك زئير غادة، وقد جمعت ما تبقّى من قوتها لتُطلقه. صوتها اخترق الأجواء، فخيم الصمت على المكان، وتوقف الجميع عن الكلام، وكأن الوقت تجمد فجأة.
تابعت غادة بحدة وجرأة غير مسبوقة:
“أيها الحمقى، الأمر واضح كالشمس في كبد السماء، ومع ذلك ترفضون الاعتراف بأن صهري رجلٌ قادر؟! أتظنون أن المال وحده يصنع المعجزات؟ كم من الأغنياء يستطيعون استئجار هذا الفندق بأكمله؟ حتى السيد جاد، بكل نفوذه، لم يستطع، بينما صهري فعلها! أليس هذا كافيًا لتفهموا من يكون؟!”
سكنت الكلمات عقولهم كالصواعق، ولم يجد أحدهم ردًا. كانت كلمات غادة منطقية، بل دامغة، وأسكتت كل معترض.
اغتبطت غادة داخليًا. قبل ساعات فقط، كان المتكبرون يرمقون صهرها باحتقار، والآن وجب عليهم أن يُخفضوا رؤوسهم. أرادت أن يعرف الجميع، بل أن يشهد العالم، أنها—غادة—هي أسعد الحموات.
رغم دهشتها مما حدث، فإن قلبها امتلأ فخرًا. لم تتوقع قط أن يكون هذا “الصهر الغبي” يملك مثل هذه القوة والثروة. ومع غرابة الموقف، لم تجد فيه إلا ما يسرّها. وحين رأت الذهول يلف الوجوه، ازدادت ثقتها، وارتفع رأسها شامخًا.
تقدمت بخطى واثقة نحو روزين، وقالت بجديّة وحزم:
“هل تساءلتِ يومًا لِمَ وافق الرجل العجوز على تزويج جنى لرائد؟ لأنه يحبها أكثر من كل شيء! وهل يسلّم ابنته لضعيف؟ رائد لم يكن يومًا عاديًا، لكنكم كنتم عميانًا. ثم أنتما، لماذا تُصِرّان على الطلاق؟! هل أنتما حمقى إلى هذا الحد؟”
استدارت بعدها إلى روزين وسخرت منها:
“ابنتكِ تلاحق السيد كارم، ولا نعلم إن كان سيتزوجها أصلًا، ومع ذلك تمشين كالطاووس. كم أنتِ مثيرة للشفقة! أشعر بالخجل بالنيابة عنكِ.”
ثم توجهت إلى بلال، ونظرت إليه بازدراء قائلة:
“وأنت، أيها الأحمق، رائد صهرك، هل احترمته مرة؟ لقد كنتَ تتنمر عليه بلا توقف! أحقًا تظن أنه يبتلع ذلك خوفًا منك؟ لا، بل لأنه لا يريد النزول إلى مستواك. أنت جاهل متغطرس.”
أكملت طريقها نحو زهرة، وقالت بنبرة حادة:
“وأنتِ يا زهرة، كم أنتِ متغطرسة في سن صغيرة! حتى وإن تزوجتِ السيد كارم، هل هذا يُبرر نظرتك المتعالية؟ اسألي نفسك، هل هو أكثر وسامة من صهري؟ هل يمتلك نصف ما يملكه؟ لماذا تحتقرين رائد؟”
وبعد أن فرغت من توبيخ الجميع، تنفست بعمق وكأنها تخلّصت من حمل ثقيل، ولم تجد وصفًا لما تشعر به سوى كلمة واحدة:
رائع.
ثم اقتربت من رائد، وقالت بلطف مفاجئ:
“بصراحة، يا رائد… كنت أعلم أنك لست شخصًا عاديًا. كل انتقاداتي لك كانت لتحفيزك، أقسم بذلك. أنا من طبخت وغسلت لك لثلاث سنوات، فلا تُحمّلني ذنبًا، أرجوك.”
نظر إليها رائد بشيء من الحيرة. تغيّر هذه المرأة أسرع من تغيّر الطقس، ومع ذلك، لا يمكن إنكار أنها لقّنت عائلة تيمور درسًا قاسيًا. فابتسم ابتسامة خفيفة وهمس:
“لا ألومك.”
فأضاء وجه غادة، وقالت بفضول جامح:
“صهري، أخبرني فقط… كم تملك من المال بالضبط؟”
لم تكن تهتم بشيء سوى المال، فكل ما يهمها في هذه اللحظة هو حجم ثروة رائد، التي أصبحت شغلها الشاغل.
ابتسم رائد، ورد بثقة لا توصف:
“ثروتي؟ لا يمكن قياسها. لا يمكنكم حتى تخيّل مدى غناي.”
كلمات قليلة، لكنها حملت ما يكفي لتزلزل قلوبهم.
تسارعت نبضات غادة. ظنت أنها وجدت كنزًا حيًا، بل كنزًا سيجعلها تبتسم حتى في منامها.
لكن بلال، الذي لم يستطع تقبل الأمر، قاطع بثورته المعتادة:
“ثروتك لا تُقاس؟! وعن أي تفاخر تتحدث؟ كم تملك؟ أتظن نفسك أغنى رجل في مدينة الشيخ؟”
بقلم الباحث المفقود
رواية أحببته رغم جنونه الفصل 2525
Pingback: رواية أحببته رغم جنونه الفصل 23 بقلم الباحث المفقود – dreamses