رواية زوجة الرئيس المنبوذة الفصل 166 إلى الفصل 170

زوجة الرئيس المنبوذة

الفصل 166

هذا ما كانت تريده شيهانة تمامًا.

أن يتذوّق مراد طعم الذنب… أن يختنق به، أن يشعر بوخزه في قلبه كلما نظر إلى تالين، ليفيق من غفلته، ويتركها.

قالت بصوت خافتٍ متعب:

“قلتُ ما طلبتَ مني أن أقوله. أنا مرهقة جدًا من مطاردة الماضي. أرجوكم… إن لم يكن من أجلي، فعلى الأقل، دعوني أرى ابني بسلام.”

ثم استدارت، وصعدت إلى سيارتها، وانطلقت خارج مجمّع عائلة شهيب، دون أن تلتفت خلفها.

ظل مراد واقفًا، يراقب سيارتها المسرعة حتى ابتلعتها الظلال، وقلبه يغلي بمشاعر متضاربة يصعب فهمها.

“مراد… هل ستُصدّقها؟” سألت والدته بنبرة حذرة.

قالت تالين سريعًا، بملامح مرتجفة:

“مراد، أرجوك لا تغضب من عمتي. أنا السبب… اغضب عليّ إن أردت. لا شأن لها بكل هذا.”

التفت إليهما مراد بنظرة باردة، وكأنما يراهما لأول مرة في حياته.

تالين شعرت بانقباض في صدرها؛ تلك النظرة لم تكن لزوجة، ولا حتى لغريبة.

“مراد، أرجوك لا تكن قاسيًا…” مدت يدها نحوه، محاولةً الإمساك به، لكنه تراجع خطوتين إلى الوراء.

ثم استدار، وبصوت خالٍ من الانفعال، قال:
“سأحجز طاولة غدًا… سأجمع العائلتين على الفطور.”

وغادر دون أن يوضح شيئًا.

نظرت السيدة شهيب إلى تالين، وكلتاهما غارقتان في الحيرة.

“عمة، ما الذي يقصده مراد؟” سألت تالين، وعيناها ممتلئتان بالقلق.

ربّتت السيدة شهيب على يدها، وقالت بثقة:

“لا شيء مهم، لا تقلقي. على الأغلب مجرد فطور عائلي بسيط. في النهاية، أسوأ ما فعلناه هو الكذب على شيهانة، ومراد ليس من النوع الذي يحمل الأحقاد.”

وكانت تعتقد أنها على حق.

فلو كان غاضبًا فعلاً، لتكلم، لواجههم، لصاح…

أما سكوته، فإشارة إلى أنه يريد دفن الماضي، وتركه وراءه.

شعرت تالين بارتياح غامر، تبعه ابتسامة صغيرة بدأت تتسلل إلى وجهها.

مراد تجاوز الأمر! لا بد أنه ما زال يحبّها… وإلا لما آثر الصمت.

هذا الأمل، مهما كان هشًّا، كان كافيًا ليُعيد لها ثقتها، ويشعل انتصارًا داخلها.

رعب اللحظات الماضية تلاشى، لتحلّ مكانه نشوة غير قابلة للكتمان.

“شيهانة… هل تظنين أن استعراضك الدرامي هذا سيُعيد إليك مراد؟
هل تعتقدين أنه سيشفق عليك؟ يُعيد لك كرامتك؟ حقك؟

في أحلامك فقط.

هو لم يحبك يومًا، ولن يفعل.

مراد لي… لي وحدي، ولن تتمكني من أخذه مني، لا الآن، ولا يومًا.”

غادرت تالين المكان وهي تمشي بخفة، كأنها تسير على بساط من الوهم، تعيش على حبّ ظنّت أنه حقيقي، لكنه كان مجرّد ظلال.

وكلما أوغلت في أفكارها، زاد شعورها بالانتصار…

في تلك الأثناء، وصلت شيهانة إلى منزلها.

كان تميم ينتظرها، وما إن فتحت الباب حتى قال بسخرية لاذعة:

“ها؟ أختي البطلة… من ذبحتِ هذه المرة؟”

نظرت إليه بتعب، “ذبح؟”

أومأ تميم بجديّة مصطنعة:
“أجل. ألم يكن لديكِ مخطّط اليوم؟ أنتِ لا تخرجين إلا ومعك سكينك الخيالي… على لوح التقطيع. فمن كانت الضحية هذه المرة؟”

لمعت عينا تميم بزُهوق، وكأنّه يستعد لسماع قصة مشوّقة.

تنهدت شيهانة وقالت بلهجة هادئة:

“السكين… لا يزال معلّقًا في الهواء. القرار لم يُحسم بعد.”

“آه، أختي… أرجوكِ لا تقولي لي أن هناك لغزًا جديدًا!” قالها بعبوس.

رن هاتف شيهانة في تلك اللحظة.

رسالة نصية من مراد:

“كونوا في فندق بحيرة البجع، الساعة التاسعة صباحًا غدًا. سأردّ لكم حقكم الذي تستحقونه.”

لم يكن هناك أي تفسير.
لكن شيهانة… فهمت تمامًا.

لمعت عيناها، وارتسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة، وقالت:

“تميم… يبدو أن السكين سقطت أخيرًا… والضحية؟ تالين.”

الفصل 167 

استيقظت تالين في الصباح الباكر، وشرعت في طقوسها اليومية.

عادةً ما تقضي ساعتين على الأقل أمام المرآة، لكنها اليوم استغرقت ثلاث ساعات كاملة في تصفيف شعرها، اختيار فستانها، وتثبيت مكياجها بدقة متناهية.

بسببها، تأخرت عائلة زُهو عن موعدهم مع مراد في فندق “بحيرة البجع”.

لحسن الحظ—أو ربما لسوء الحظ—كان شيهانة قد وصلت للتو أيضًا.

دخل الطرفان من الأبواب الدوّارة في اللحظة ذاتها تقريبًا.

“صباح الخير…” قال الخادم بتهذيب، مرحّبًا بالضيوف. وفي اللحظة ذاتها، التقت عينا شيهانة بنظرات مجموعة تالين التي كانت تقترب.

جمدت خطوات تالين.

ما الذي تفعله شيهانة هنا؟

“لماذا هي هنا؟” تمتمت السيدة زُهو، وتكاد كلماتها تتقطر اشمئزازًا.

رد السيد زُهو ببرود وهو يتجاوز شيهانة بنظرة عابرة:
“دعونا نتابع. لا فائدة من إضاعة الوقت.”

أرادت تالين أن تحذو حذوه… لكن خطوات شيهانة تقدمت بثبات، متقاطعةً طريقهم.

غضبت تالين، وذكريات مشهد الأمس ما زالت تحرقها. أرادت أن تصفعها، أن تمزق قناع البرود الذي ترتديه.

تقدمت تالين بخطوة لتقطع طريقها، وقالت بابتسامة خفيفة تخفي خلفها لهبًا:

“ما الذي تفعلينه هنا؟”

كان في صوتها مزيج من الاستفزاز والتقليل، كأنها تقول: “أنتِ لا تنتمين إلى هنا.”

رفعت شيهانة حاجبًا، ونظرت إليها كما لو كانت تقيّم حشرة مزعجة، وقالت بجفاف:

“وما شأنك؟”

ضحكت تالين ضحكة قصيرة مليئة بالسخرية.

“أوه، شيهانة… من تظنين نفسك؟ مجرد امرأة ساقطة سرقت كل شيء من شهد. هل لديكِ ذرة خجل؟”

من وجهة نظر تالين، كانت شهد الضحية… وشيهانة، مجرد دخيلة أنانية.

حتى إن امتلكت المال الآن، فستبقى بنظرهم أدنى منهم.

لكن شيهانة لم ترد، فقط قالت ببرود قاطع:

“انتهيتِ؟ ابتعدي.”

تقدّمت السيدة زُهو بخطوة وهي تغلي:
“يا فتاة، انتبهي لكلامك! كيف تجرؤين على مخاطبة ابنتي بهذه الطريقة؟”

حتى السيد زُهو، الذي نادرًا ما يتدخل، نظر إلى شيهانة نظرةً قاسية.

قالت تالين بتعالٍ وهي تضع يدها على كتف والدتها:

“دعِكِ منها، أمي. هذه طريقة حديث من لا يملك عائلة حقيقية… لا داعي لأن تنزلي إلى مستواها.”

قهقهت السيدة زُهو، ضاحكةً ببرود:
“معكِ حق. لا يجدر بي أن أضيع وقتي مع فتاة تافهة، بلا أصل ولا ذوق.”

كانت الكلمات مثل السكاكين، لكن شيهانة بقيت ثابتة، تحدق إليهم وكأنها ترى من خلفهم.

“انتهيتوا من المسرحية؟ تنحوا عن الطريق.”

وجه تالين احمرّ من الغيظ، فصاحت:
“شيهانة، أقولها لكِ للمرة الأخيرة… لا يهم كم حاولتِ، مراد لن ينظر إليكِ أبدًا! هو يحبني، وأنا وحدي من يستطيع البقاء إلى جانبه. لن تفرقي بيننا!”

ثم تقدّمت السيدة زُهو بخيلاء وقالت، وكأنها تلقي بقنبلة:

“نحن هنا اليوم لأن مراد دعانا شخصيًا. حجز الطاولة بنفسه. هذا لقاء رسمي، بينه وبيننا، كعائلة.”

أردفت تالين بفخر مقيت:

“تعتقدين أن كشفك للحقيقة بالأمس سيغيّر شيئًا؟ أنتِ واهمة. مراد لم يغضب مني، بل دعا والديّ لمقابلته. هذا يؤكد مكانتي في حياته… أما أنتِ، فلا شيء.”

ثم بصقت كلماتها الأخيرة باحتقار:

“بصراحة، لو لم يكن والدك يتوسل ويجبر العائلة على الزواج منكِ، هل تظنين أن عائلة شهيب المحترمة كانت ستقبل بكِ؟”

الفصل 168 

“يا للأسف… القاذورات مهما صُقلت، تظل قاذورات.”
قهقهت السيدة زُهو بازدراء، ترمي كلماتها نحو شيهانة كسهام مسمومة.

رددت تالين ضحكتها بتلذذ:
“البعض عليه أن يتقبل مكانته في الحياة. لا يكفي القليل من الحظ ليجعل منكِ شيئًا حقيقيًا. الحياة في القمة ليست للجميع.”

رفعت شيهانة نظرها إليها، وابتسمت بسخرية مفاجئة. ثم حدّقت في تالين نظرة حادة كالشفرة، وقالت:
“بمعنى آخر… تعتقدين أن الحياة كُتبت باسمك؟”

أجابت تالين بفخر متعجرف:
“بالطبع! أنا ومراد نعرف بعضنا منذ الطفولة. هو لا يرى غيري، وأنا الوحيدة التي تناسبه. كنا سنكون معًا منذ زمن لولا تدخلكِ القذر، ورفضك مغادرة عائلة شهيب. لو كنتِ تملكين ذرة كرامة، لانسحبتِ من البداية. مراد لا يريدكِ… ولا أحد يلومه.”

تدفقت كلماتها كطعنة، لكنها ارتطمت بجدار بارد.

شيهانة… لم تهتز.

فلو لم تستعد ذاكرتها، ربما كانت ستنهار. ربما كانت ستصدّق تلك الأكاذيب وتختنق بها.

لكن شيهانة الجديدة لم تعد تبكي من أجل الرجال.

الرجال؟ بالنسبة لها، مجرد أثاث باهت في خلفية مشهد حياتها.

هزّت كتفيها بلا اهتمام وقالت بابتسامة هادئة:
“إذًا أتمنى لكما السعادة. فقط… احرصي ألا يسيل مكياجك حين يبكيكما. لن يدوم الأمر، وأنتِ تعلمين ذلك.”

كادت تالين تختنق من الغضب.
ضحكت ضحكة مختنقة وقالت:
“أنتِ من طُردتِ، أليس كذلك؟ قبل ثلاث سنوات! لا تمثّلي دور المتعالية الآن.”

رد شيهانة بهدوء ناعم، كمن يسحب السجادة من تحتهم:
“أنا من طلبت الطلاق. فارق بسيط، لكن جوهري. أتمنى أن تقولي الشيء نفسه لاحقًا.”

ثم استدارت ومضت، غير راغبة في تضييع ثانية أخرى مع هذا السيرك البائس.

صرخت تالين خلفها، تمسك بخيوط كرامتها المتداعية:
“هذا كله غيرة، أليس كذلك؟ مراد يحبني، وسأتزوجه! لن تأخذيه مني، مهما حاولتِ!”

لكن شيهانة لم تلتفت. لم تكن تهرب… بل تتعالى.

“لماذا تضيّعين وقتكِ معها؟” تذمّر السيد زُهو، وهو يدعوهم للمغادرة.

شدّت السيدة زُهو ذراع ابنتها وقالت:
“كفى، تالين. لا تدعي تلك الحقيرة تفسد مزاجك. مراد ووالداه ينتظروننا.”

وسرعان ما عادت البسمة إلى وجه تالين.
مراد… هو لي. فقط لي.
كانت تردّد ذلك في داخلها بثقة عمياء.

لكن تلك الثقة لم تدم طويلًا.

فبينما كانت عائلة زُهو تتجه إلى الصالة الخاصة في الطابق العلوي، كانت شيهانة تمشي في الاتجاه ذاته… بثقة.

تبادل الثلاثة نظرات القلق.

شيهانة؟ إلى نفس الغرفة؟

فتحت شيهانة الباب دون تردّد ودخل.

توقفت السيدة زُهو عند العتبة، تهمس:
“لماذا… هي هنا أيضًا؟ هل دعاها مراد؟”

ردّت تالين مرتبكة، تُخفي توترها تحت قناع من الجهل:
“لا أدري… لم يخبرني بأي شيء.”

قال السيد زُهو بصرامة:
“توقفوا عن التكهن. سندخل ونرى بأنفسنا.”

دخل الأربعة إلى الصالة الخاصة، وكلٌ يحمل سؤاله المعلّق في ذهنه.

بداخل الغرفة، نظر السيد والسيدة شهيب إلى شيهانة بدهشة واضحة.

أما مراد، فقد أطلق تنهيدة ارتياح خفية، كما لو أن ثقلًا سقط عن كاهله.

وجود شيهانة لم يكن أساس الخطة… لكن بما أنها حضرت، فقد حان وقت إعادة التوازن، وإحقاق الحق.

“مراد…” همست والدته بانزعاج، “ما الذي تفعله هنا؟ لماذا دعوتها؟”

وكان ذلك السؤال يتردد في ذهن الجميع.

لكن الجواب، لم يكن سهلًا… ولا بسيطًا.

الفصل 169 

لم يُجب مراد، بل التفت إلى النادل وقال بهدوء حاسم:
“بما أن الجميع حاضر، يمكنك البدء بتقديم الطعام.”

“حسنًا، سيد شهيب.” انحنى النادل بانضباط، ثم انسحب بخفة لتنفيذ الأمر.

كانت ملامح السيدة شهيب مشدودة بجمود، لم تخفِ استياءها وهي تقول:
“مراد، لم تُجبني بعد… لماذا هي هنا؟”

ردّ دون أن يلتفت:
“أنا من دعوتها.”
ثم نظر إلى من حوله وأضاف بنبرة هادئة، لكنها قاطعة:
“اجلسوا، وكونوا على راحتكم.”

تالين، بثقة امرأة تعرف موقعها جيدًا، جلست إلى جانبه وكأنها تعود إلى مكانها الطبيعي. التفتت إليه برقة مصطنعة، وقالت:
“مراد، لماذا لم تحضر لين؟ اشتقت إليه كثيرًا… لم أره منذ وقت طويل.”

لم تكن كلماتها عفوية. لقد تعمدت التقرّب، وتذكيره بابنه، كي تزرع إبرة صغيرة في قلب شيهانة.

لكن شيهانة لم ترد. اكتفت بالجلوس في المقعد المقابل، هادئة وصامتة، كأنها جدار لا يخترقه السهم.

كانت الطاولة مستديرة، رحبة بما يكفي لعشرة أشخاص، لكن الجلوس لم يكن عشوائيًا. بل بدا وكأنه توزيع مقصود:
عائلتا شهيب وزُهو جلسوا في جانب، كتلة واحدة. أما شيهانة، فكانت وحدها، يفصلها عن الجميع فراغ متعمد.

الوالدتان تجاهلتا وجودها تمامًا، وشرعتا في حديث جانبي وكأنها هواء لا يُرى.

قالت السيدة شهيب العجوز بابتسامة موجهة لصديقتها:
“فستان الزفاف جاهز، وبدلتهما كذلك… وكذلك فستاننا. سنذهب إلى الصالون بعد الغداء.”

ابتسمت السيدة زُهو، وفي عينيها لمعة خبث ناعم، وهي تُلقي نظرة جانبية على شيهانة:
“متحمسة لرؤية فستان تالين. تتخيلين؟ ثمنه خمسون مليون دولار. لكن مراد… لا يبخل عليها.”

رفعت السيدة شهيب العجوز صوتها فجأة، كما لو أنها تتأكد أن شيهانة تسمع كل كلمة:
“خمسون مليون؟ تالين أغلى بكثير من ذلك. رأيتها تكبر أمامي… أجمل فتاة رأيتها في حياتي. لا أحد يضاهيها. نحن المحظوظون بزواجها من ابننا.”

ردت السيدة زُهو بسرعة، وقد تشابكت مجاملتهما ببراعة لا تخلو من استعراض:
“ومراد… أكثر شاب نبيل عرفته. ما أجملهما معًا!”

هزت السيدة شهيب العجوز رأسها موافقة:
“إنهما مثاليان. تالين وحدها تستحقه.”

الأنظار كلها كانت تتبادل التواطؤ في صمت.

مراد وحده بقي بلا أي تعبير. ملامحه ثابتة، صمته أقوى من أي تعليق. لم يعرف أحد ما يدور في رأسه… أو لنقل، ليس الجميع.

تالين احمرّ وجهها خجلاً، لكنها لم تضيع الفرصة. نهضت وسكبت الشاي للسيدة شهيب وزوجها برقة:
“عمي، عمتي… تفضلا.”

ابتسمت السيدة شهيب العجوز ابتسامة ماكرة وقالت بنبرة ساخرة:
“شكرا لك ابنتي، وقريبا ستصبحين زوجة ابني؟”

احمرّ وجه تالين أكثر، لكنها ضحكت بخجل متعمد:
“عمتي،…”

ضحكت العجوز بخفة وقالت:
“لا داعي للخجل؟ أنا أتطلع إلى يوم زفافك.”
ثم نظرت إليها نظرة رضا لا تخفى.

ويا لغرابة المفارقة.

هذا الحنان الذي أغدقوه على تالين… كم يختلف عن الجفاء الذي أحاطوا به شيهانة يوم زفافها.

 في يوم زفافها لم تحظَ بتهنئة واحدة. الحفل كان بسيطًا، والقلوب أبرد من الكريستال.
السيدة شهيب لم تبتسم لها مرة. لم تعتبرها يومًا جزءًا من العائلة.

أما الآن…
في عيونهم، لم تكن هناك سوى امرأة واحدة تستحق مراد، وكان اسمها واضحًا: تالين.

وهم لم يكتفوا بإقصاء شيهانة، بل تعمّدوا إذلالها أمام الجميع.

لكنها لم تنكسر.

أي امرأة في مكانها كانت ستغادر غاضبة، مكسورة.
لكن شيهانة ظلت في مكانها، لا تهتز.
جلست كأنها لوحة زيتية، أنيقة، راسخة، تراقب من حولها بهدوء لا يُكسر.

الفصل 170 

ومع ذلك، كانت تالين مقتنعة بأن هذا الثبات الظاهري الذي تتحلى به شيهانة ليس إلا قناعًا هشًا، وجهًا مصطنعًا يُخفي خلفه فوضى داخلية.

فبعد كل ما جرى… ماذا يمكن لتلك “الحقيرة” أن تفعل غير التظاهر بالتماسك؟

لا بد أنها تنهار من الداخل!

فكرة ألم شيهانة الخفي دغدغت شيئًا لئيمًا في قلب تالين، فأثارت ضحكتها.
لكنها كتمت الضحك بصعوبة، مكتفية بابتسامة مشرقة كعادتها، وكأن لا شيء يحركها سوى الأناقة.

وبنبرة ناعمة، سألت:
“بالمناسبة، مراد… لماذا دعوت الآنسة شيهانة اليوم؟”
وفي لحظة استثنائية من كرمها، استخدمت لفظ “الآنسة”، مُظهرة كأنها تمنحها بعض الشرعية.

كان هذا السؤال يُقلق أكثر من شخص في الغرفة.
لكن قبل أن يُجيب مراد، كان النُدُل قد أنهوا تقديم الطعام.

“صحة وهنا. إذا احتجتم شيئًا، فقط استخدموا الجرس.”
قال كبير النادلين، ثم انسحب مع زملائه وأغلق الباب خلفه بهدوء.

لم يُجِب مراد. بدلًا من ذلك، التقط زجاجة العصير، وسكب كأسين لوالدي تالين.
حركة بدت عابرة، لكنها أشعلت فضول الحاضرين.
لم يسأله أحد عن السبب، احترامًا لصمته وهيبته.

علّق السيد زُهو ضاحكًا:
“قبل قليل كانت تالين تقدم الشاي، والآن جاء دور مراد ليقدم العصير، أليس كذلك؟”

ابتسم السيد شهيب العجوز بخفة:
“هذا عادل.”

مراد كان الأصغر سنًا، والخطيب، ومن الطبيعي أن يكرّم كبار الضيوف.
لكن في قلب السيد شهيب، تسلّل شك لا يمكن تجاهله.
كان يعرف ابنه جيدًا، ويدرك أن خلف هذا الهدوء يكمن شيء آخر.

دعوة عائلة زُهو الرسمية لتناول الغداء، ثم دعوة شيهانة دون علم أحد، والآن هذا التقديم المفاجئ للعصير…
كان هناك شيء يُحاك في الخفاء.
شيء لم يفهمه بعد… لكنه واثق بأنه سيكتشفه قريبًا.

نهض مراد بكأسه، واتجه نحو شيهانة، ثم استدار ليواجه الجميع.

نظراته كانت حادة، لكن صوته ظل ثابتًا حين قال:
“سألتم عن سبب دعوتي شيهانة اليوم… والآن سأخبركم.
لقد جمعتكم هنا لأن هناك أمرًا يجب تسويته، وأطرافه أنتم… وشيهانة.”

ساد صمت ثقيل.

“ما الذي تعنيه، مراد؟” سألت السيدة شهيب العجوز، لكن الكلمات بالكاد خرجت من فمها، قبل أن تتسع عيناها بشحوب وكأنها أدركت الحقيقة.

تالين شعرت بخطرٍ ما يلوح، فبدأت تتحرك بتوتر في مقعدها.
“مراد… ما الذي يحدث؟ هل هذا يخصّ لين؟”

رمقها مراد بنظرة باردة، وقال:
“أظنك تعرفين جيدًا ما يدور حوله الأمر.”

بهت وجه تالين، وسقطت ابتسامتها فجأة.

“مراد، لا تفعل شيئًا متهورًا!”
حذّرته والدته بنبرة مرتعشة،
“هذا مكان رسمي، لا تُفسد المناسبة بشيء تندم عليه لاحقًا.”

لكن مراد رد بهدوءٍ جليدي:
“اطمئني، لقد فكرت في هذا جيدًا… وطويلاً.”

تبدل الجو في الغرفة. توترٌ كاد يُلمس باليد.

السيد والسيدة شهيب تبادلا نظرات قلقة، إحساس ثقيل يضغط على صدريهما.
كان لديهما شعور بأن ما سيقوله مراد سيقلب الطاولة…

رمقه والده بنظرة صارمة، وقال بحدة:
“مراد، ما الذي تفعله؟”

حينها، رفع مراد كأسه، وألقى القنبلة بلا أي تمهيد:

“سأفسخ خطوبتي من تالين!”

الصدمة ضربت الجميع.
عيون والديه اتسعت من الهول، وجه السيدة شهيب شحب، والسيد زُهو حدّق كأنّه لا يصدق.كانت جملة واحدة فقط…
لكنها سقطت كالصاعقة، وزلزلت الأرض تحت أقدامهم جميعًا.

جميع الفصول هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top