رواية زوجة الرئيس المنبوذة الفصل 191 إلى الفصل 195

زوجة الرئيس المنبوذة

الفصل 191

فُتح باب المختبر بعنف، ودوّى صوت ارتطامه بالجدار كصرخة غضب.

اقتحمت لمياء الغرفة بخطى ثابتة كالعاصفة، يتبعها مهندسان بملامح متجهمة. حدّقت في وجه شيهانة للحظة، ثم انحنت قليلاً نحو شاشة الحاسوب أمامها.

“شيهانة، أليس كذلك؟” سألت بنبرة مشحونة، عيناها تتفحصان محتوى الشاشة. لم يكن هناك شك—مخططات المشروع الحساسة كانت أمامها.

ابتسمت لمياء بسخرية، وفي عينيها بريق انتصار مبكر.
“إذن، أنتِ من سرقتِ بيانات المختبر السرّية. أُلقي القبض عليكِ متلبسة. فلتوضحي موقفك فورًا!”

رفعت شيهانة عينيها عن الشاشة، وسألت بهدوء:
“سرقة؟”

رغم مباغتة الاستجواب، بدت شيهانة هادئة، متزنة، كأن شيئًا لم يحدث. لم ترتجف يدها، ولم ترفّ جفنتها.

“الوصول دون إذن يُعد سرقة، أليس كذلك؟” قالت لمياء بحدة، وهي تشير إلى الشاشة.
“هذه الملفات من حاسوبي الشخصي.”

لم تحاول شيهانة الإنكار، وأومأت برأسها بثقة:
“صحيح. هذه من حاسوبك.”

تجمد الجو في المختبر للحظة.

“حسنًا، بما أنك اعترفتِ، فلا حاجة للمزيد من الكلام. حسب قواعد المختبر، أي خرق للنظام يُقابل بالطرد الفوري. اجمعي أغراضك، لقد تم طردك من الفريق.”
نطقت لمياء بحزم، وكأنها قاضٍ يُصدر حكمه الأخير دون أدنى تعاطف.

لم تكن مهتمة بخلفيات الآخرين، ولا تُعير نواياهم اهتمامًا. في هذا المختبر، كانت هي الملكة. وما دامت شيهانة اعترفت، فقرار الطرد لا نقاش فيه.

نظرت لمياء إليها بازدراء؛ لم تكن تتوقع أن تكون “خصمتها المفترضة” متهورة لهذه الدرجة. شعرت أنها أهدرت وقتها الثمين في إعداد خطة طويلة الأمد لإسقاطها، بينما شيهانة كانت كمن يحفر قبره بيده.

ابتسمت لمياء ابتسامة رضا، وداخلها غصة من سخرية النصر السهل. لم تحتج حتى لاستخدام خدعها المعتادة.

بالنسبة لها، مصير شيهانة بعد الطرد لا يعني شيئًا. الأهم أن لا أحد يجرؤ على تهديد سلطتها داخل أسوار المختبر. ومن يقترب، يُزال.

“طردي؟ هل حُذِف اسمي من الفريق فعلاً؟” جاء صوت شيهانة هادئًا، خاليًا من الانفعال، وكأنها ما زالت تملك زمام الأمور.

ابتسمت لمياء وأجابت بثقة:
“بالطبع. أنا من يضع القوانين هنا، وأنا من يطبقها.”

“وعلى أي أساس قانوني؟” تابعت شيهانة تساؤلها بنبرة ثابتة.

قبل أن ترد لمياء، تقدّم المهندس الطويل الذي كان خلفها، وقال بتعالٍ:
“هل أنتِ صمّاء؟ ألم تخبركِ الرئيسة لمياء؟ سرقة معلومات سرّية كافية لطردك فورًا!”

أضاف الآخر، بنبرة تهديد:
“ما فعلته يُعد جريمة. سنسلمك للشرطة!”

لم يتوقف الثلاثة عن إطلاق التهديدات، وكأنهم يعزفون لحنًا واحدًا بلحنٍ صارمٍ لا يخلو من الازدراء. كان أي شخص آخر ليُفقد أعصابه، لكن شيهانة لم ترفّ لها عين.

نظرت إليهم جميعًا وقالت بهدوء:
“أنتم تؤكدون أني ارتكبت جريمة، ولكن… أين الدليل؟ لا يمكنكم اتهام شخص بدون إثبات. هذه ليست عدالة، بل تصفية حسابات.”

قاطعتها لمياء بابتسامة مُستفزة:
“سأكررها: أخذ شيء دون إذن يُعد سرقة، أليس كذلك؟ إنها جريمة واضحة.”

أومأت شيهانة برأسها، وقالت بكل هدوء:
“بالتأكيد.”

تبادل الثلاثة نظرات الدهشة، لم يتوقعوا اعترافًا بهذه السهولة. ولكن، قبل أن ينطق أحدهم، وقفت شيهانة، نظرت مباشرة في عيني لمياء، وقالت:

“حسنًا، بما أن الأفعال الواضحة تُصنّف قانونيًا، فسأسألك: ما هي القاعدة التي ينتهكها ‘عدم التعاون معي’ و’عدم تنفيذ أوامري عمدًا’؟”

الفصل 192

تجمّد الهواء في الغرفة إثر كلمات شيهانة، كأنّ صمتًا ثقيلًا قد سُكب فجأة على رؤوس الجميع. غير أنّ هذا الصمت لم يدم طويلًا… إذ سرعان ما انفجر الرجلان اللذان جاءت بهما لمياء في نوبة ضحكٍ هستيرية، لا يمكن كبحها. كانا يسخران منها، علنًا وبدون مواربة.

“ماذا قالت؟” سأل أحدهما بازدراء، “هل تطلب منّا أن نُطيع أوامرها؟ هل هي جادّة؟”

“إنها تعتقد حقًا أن علينا جميعًا، بمن فينا الرئيسة لمياء، أن نُنفّذ تعليماتها!” قال الآخر وهو يضحك حتى احمرّ وجهه.

ثم التفت أحدهما نحو شيهانة، وهو لا يزال يضحك:
“لا بد أنكِ مجنونة. الجميع هنا يتبع أوامر الرئيسة لمياء… وهذا يشملكِ أيضًا!”

حتى لمياء نفسها لم تستطع تمالك ضحكتها، وقالت بسخرية لاذعة:
“لا تقولي لي إنكِ تظنين فعلًا أنكِ رئيسة هذا المختبر لمجرد أن مراد هو من أحضركِ؟”

لكن شيهانة لم تتأثر، وأجابت بثقة هادئة:
“بالطبع. هذا ما قاله لي، حرفيًا.”

لقد أخبرها مراد صراحةً بأنها حرة في استخدام أي مورد تريده في المختبر، بل كرر هذا التأكيد أكثر من مرة، دون أي مواربة. كان كريمًا وسخيًا إلى حدٍّ جعلها ترى أنه لا سبب يدعوها للشك أو الامتناع.

ضحكت لمياء بسخرية ممتزجة بتعالٍ واضح:
“أنتِ تُقدّرين نفسكِ بأكثر مما تستحقين. هل ما زلتِ تتوهمين أنكِ زوجة ابن عائلة شهيب؟ ذلك انتهى منذ ثلاث سنوات، منذ أن اخترتِ الطلاق. لم يعد لكِ مكان في تلك العائلة، ولا أحد منهم يعترف بكِ الآن. لذا، كفّي عن التصرّف وكأنكِ تملكين هذا المكان! والآن، بما أنكِ خالفتِ القواعد، عليكِ أن تغادري فورًا. وإن لم تفعلي، سأجعل الحراس يُخرجونك بالقوة!”

لكن شيهانة تجاهلت تهديدها، ثم نادت فجأة باتجاه الباب:
“سامي!”

كان سامي مترددًا في الدخول، لكنه ما إن سمع اسمه يُنادى حتى اندفع إلى الداخل على الفور.
“آنسة شيهانة، كيف يمكنني مساعدتك؟” سأل بأدب.

قالت شيهانة بنبرة حازمة:
“أخبرهم من أنا… وما هو موقعي هنا.”

أومأ سامي على الفور، ثم التفت نحو لمياء وقال بصوت ثابت:
“الرئيسة لمياء، الأنسة شيهانة موجودة هنا بناءً على طلب شخصي ومباشر من الرئيس التنفيذي شهيب، وقد صرّح بوضوح أنها ستمتلك السيطرة الكاملة على المختبر خلال هذه الفترة. على الجميع تنفيذ تعليماتها بلا استثناء. سُمح لها بالوصول الكامل إلى كافة الموارد والمعلومات، ولا يحق لأحد الاعتراض.”

تلاشت ابتسامة الانتصار عن وجه لمياء في لحظة.
“ماذا قلت؟” همست بدهشة مذهولة.

حتى المهندسان اللذان كانا يضحكان، تبادلا نظرات صدمة لم يخفياها.

أعاد سامي كلماته بتأكيد أكبر:
“هذه كانت تعليمات الرئيس التنفيذي، بالحرف الواحد.”

“هذا غير ممكن!” صاحت لمياء، وقد علت نبرة صوتها. “أنا المديرة هنا! أعلم أن مراد طلب منهم التعاون مع شيهانة… لكن لم يقل أبدًا إنها ستتولى السيطرة الكاملة!”

لم تكن قد فهمت أن “التعاون” في قاموس مراد يعني الخضوع الكامل. وأن الموارد التي يُسمح لها باستخدامها تشمل كل شيء: الأجهزة، التمويل… بل وحتى الموظفين.

نظرت إلى سامي بعينين متسعتين، وكأنها تريد دحض ما سمعته، لكنه أومأ بجدية قائلاً:
“أنتِ ما زلتِ الرئيسة لمياء، لكن خلال هذا الشهر، ستضع الأنسة شيهانة جميع القواعد، وفقًا لتوجيهات الرئيس. وإن كان لديكِ أي اعتراض، فبإمكانك التواصل معه مباشرة.”

بدت ملامح لمياء وكأنها تشوّهت من الغضب والذهول في آنٍ واحد.

عندها نظرت إليها شيهانة نظرة حاسمة، وقالت:
“هل فهمتِ الآن؟ أنا من يضع القواعد هنا. كل ما في هذا المختبر أصبح تحت إمرتي، ويمكنني استخدامه كما أريد. لذا أخبريني، كيف يمكن أن أسرق شيئًا… هو في الأصل ملكي؟

الفصل 193

أضافت شيهانة تأكيدًا على سؤالها الأخير، نبرتها جافة كصفعة، ونظراتها تحمل ثقلًا لا يُقاوم. ارتبكت لمياء وخادماها للحظة، مذهولين من الحضور الطاغي الذي فرض نفسه في الغرفة. هيبة شيهانة لم تكن في الصوت، بل في الصمت الذي يسبق كلامها… وفي الثقة التي لم تُزعزعها السخرية ولا التهديد.

لكن، بطبيعة الحال، لم يكن من الممكن المياء—التي اعتادت أن تُكرَّم فوق القمم—أن تنحني بسهولة.

“لكنكِ سرقتِ!” قالت لمياء بحدة، تحدّق في شيهانة بعينين متصلبتين، تصر على موقفها كمن يتمسّك بخشبة وسط غرق.

“أخذتِ أوراق التصميم دون إذن، وهذا يُعد سرقة، شئتِ أم أبيتِ. كان بإمكانكِ طلبها مني مباشرة، لكنكِ لم تفعلي. تجاهلتِ وجودي، وهذا تصرف غير مقبول… بل ينطوي على إهانة صريحة لي وللنظام الذي يحكم هذا المختبر. قد تكونين المدير المُعيّن، لكنكِ لستِ فوق القواعد!”

ردّت شيهانة بابتسامة خفيفة، لكنها حملت من السخرية أكثر مما حملت من الود. كانت بدأت تفقد صبرها أمام هذا النوع من الأشخاص الذين يتمسّكون بالشكليات ليتجنبوا الحقيقة.

“لم أُخبركِ؟ وهل خفضتُ من شأنكِ؟” قالت بنبرة هادئة لكنها مغموسة في حدّة جارحة، قبل أن تضيق عيناها فجأة وترشقها بنظرة كالسهم:
“آنسة لمياء… ألم تسمعي يومًا أن الاحترام لا يُمنَح بل يُكتسب؟ بما أنكِ لم تقدّمي ما يستحق احترامي، فلا تطالبيه.”

“أنتِ…” كادت لمياء تنفجر من الغضب، فقد تجاوزت الكلمات الخطّ الأحمر.

كانت هذه ليست شيهانة التي سمعت عنها. شيهانة التي يعرفها الجميع هادئة، متحفّظة، تتجنّب الصدام.
لكن من وقفت أمامها الآن كانت شخصًا آخر—حادة، واثقة، متمرّدة، لا تتردد في المواجهة.

وبغض النظر عن الحقيقة، كانت لمياء مقتنعة بأن شيهانة قد تجاوزت حدودها. المختبر هو معقلها، مملكتها، ومجرد فكرة أن تأتي من تُنافسها فيه… غير مقبولة على الإطلاق.

رفعت ذقنها بتعجرف وقالت:
“حسنًا. سأتغاضى عن السرقة هذه المرة، رغم أنها خرق جسيم. لكن اسمعيني جيدًا… لماذا علينا أن نطيعك؟ حتى مع أوامر مراد، لا بد أن تُظهري لنا قدرتكِ أولًا. نحن لا ننحني أمام من لا يستحق، ولن يطيعكِ أحد لمجرد أنكِ تحملين بعض السلطة.”

هزّ المهندسان رأسيهما بالموافقة.
قال أحدهما: “الرئيسة لمياء محقة. نحن الأفضل في هذا المجال. لن نخضع لمن لم يُثبت كفاءته، مهما كانت أوامر الرئيس.”

وأضاف الآخر، بنبرة مستفزة:
“بصراحة؟ وجودكِ هنا سببه الوحيد أنكِ توسلتِ إلى الرئيس شهيب. لن نأخذ أوامر من مدعية مثلِك. نفضل أن نستقيل، على أن نُقاد من قبل شخص لا يستحق.”

كان سامي مصدومًا من مدى الجرأة التي وصلوا إليها. لم يتوقع أن يتمادوا بهذا الشكل. حاول التدخل لإنقاذ الموقف:
“إذا كان الرئيس شهيب قد أصدر هذا القرار بنفسه، فهذا يعني أنه يثق تمامًا في قدرة الآنسة شيهانة. ألا تثقون بحُكمه الثاقب؟”

ردّ المهندس الأطول وهو يلوّح بيده:
“حتى الرئيس شهيب قد يُخطئ. ثم، ثقته بها أمر يخصه… ولا يلزمنا بشيء.”

“صحيح. إن كانت تملك ما يكفي من المهارة، فلتُرِنا ذلك!”
نظرت لمياء إلى شيهانة بعينين باردتين، ثم خطرت لها فكرة، لمعت في عينيها كوميض خبيث.

“سمعتم الرجال، أليس كذلك؟” قالت وهي ترفع صوتها، متعمدة إشراك الجميع:
“كلٌّ منا له طريقته الخاصة، ومكانته لا تُعطى… بل تُنتزع. فما رأيكِ، يا شيهانة؟ هل تقبلين بتحدٍّ؟ منافسة ودّية… نُقيّم بها قدراتك الحقيقية.”

بدأ القلق يظهر على وجه سامي. لم تعجبه لهجة لمياء، ولا الطريقة التي كانت تحاول بها تحويل الأمر إلى ساحة معركة.

قال محاولًا تهدئة الأجواء:
“لا داعي للتوتر. الأنسة شيهانة ستبقى هنا شهرًا فقط، فلنتعاون بروح الفريق دون المساس بانسجام العمل.”

لكن لمياء لم تسمح لكلماته بأن تُخفّف من نبرتها المتعالية.
“إن لم تكن لديها أي مهارة… فلن نسمح لها بقيادتنا حتى ليوم واحد!” قالتها وهي ترفع أنفها، وكأنها ملكة تحكم بلا منازع.

الفصل 194

كانت غرائز شيهانة تصرخ في داخلها: كل هذا ليس إلا فخًا، وخلف قناع البرود والسخرية، لم يكن لدى لمياء هدفٌ سوى شيءٍ واحد—إقصاؤها.

رغم أنها المرة الأولى التي تتعامل فيها مع لمياء عن قرب، أدركت من النظرة الأولى أنها امرأة لا تبتسم إلا إذا كانت تمسك بخيوط اللعبة. 

لمياء لم تضيع سنوات شبابها عبثًا بين جدران هذا المختبر، بل شقّت طريقها بإصرارٍ لا يلين حتى وصلت إلى القمة، إلى الكرسي الذي يمنحها السلطة على كل من يدخله. امرأةٌ كهذه لن تسمح بسهولة أن يُنتزع منها ما كافحت لأجله.

كان واضحًا أن ما أقلق لمياء لم يكن فقط حضور شيهانة، بل ما وعدت به. وعدٌ جريء بإنتاج طرف بشري اصطناعي مثالي خلال شهر واحد. وعدٌ كفيل بأن يسرق منها سنوات عملها في لحظة.

لقد شعرت بالخطر. نجاح شيهانة يعني، بكل بساطة، محو إنجازاتها، وإثبات أنها لم تكن سيدة المختبر حقًا. وكان ذلك رهانًا لم تكن مستعدة لخوضه. لذا، سواء فشلت شيهانة أو لم تفشل، كان على لمياء أن تخرجها من المعادلة بأسرع ما يمكن.

وكانت تعرف أن امرأة مثل لمياء لن تتغير لمجرد قرار إداري. هي التي تسلّقت الجدران للوصول إلى السقف لن تضع نفسها تحت أقدام شيهانة لمجرد أن مراد أصدر أمرًا بذلك.

إن نجاح شيهانة، في عيني لمياء، لا يعني مجرد إنجاز… بل خيانة لمكانتها، وسقوطًا للذات.

شيهانة لم تكن تعرف أهداف لمياء النهائية، لكنها كانت متأكدة أن تلك الأهداف مرتبطة بكل عرقٍ ودمعة سُكبت داخل هذا المختبر.
ولذلك، كانت متيقنة: لمياء ستُقاتل حتى النهاية، وستمنعها من التقدم بأي وسيلة.

لكن شيهانة لم تكن قديسة، ولن تضحي بنفسها من أجل نزوة شخصٍ آخر.

ففي هذا العالم، لا يكفي أن تعمل بجد، بل يجب أن تعمل بذكاء أيضًا. والذكاء أحيانًا يعني أن تضرب قبل أن تُضرب.

لقد بات واضحًا لها: المواجهة بينهما حتمية.
كل واحدة منهما كانت تُقاتل من أجل شيء لا يمكن خسارته.
شيهانة تُقاتل من أجل إبنها، من أجل كسب رهانها أمام آل شهيب، وربما أكثر.
ولمياء تُقاتل من أجل كيانها، من أجل كل ما بنته.

فقط واحدة منهما يمكن أن تنتصر.

وفهمت شيهانة أن خصمتها لن تتراجع… بل ستزداد شراسة كلما شعرت بأنها تضعف.
ولأن الوقت لا ينتظر أحدًا، كان عليها أن تهاجم الآن، قبل أن تُحاصر من كل جانب.

ولذا، قررت حسم الأمر.

قالت بنبرة واضحة، تقطع الصمت كسكين:
“حسنًا…” توقفت لحظة، لترفع عينيها نحو لمياء بثقة لا تتزعزع.
“أقبل التحدي. وإذا فزت، فعليكم جميعًا طاعتي دون اعتراض.”

تلألأت عينا لمياء بدهشة سريعة، اختفت وراء ابتسامة صغيرة منكرة.
لم تكن تتوقع أن شيهانة ستقع في الفخ بهذه السهولة.
لقد أُغويت بالفكرة… ووقعت في الشَرَك.

تحرّك سامي بتوتر، وكأن شيئًا ما بداخله طُعن.
“آنسة شيهانة، لا يمكنكِ…” همس بخوف، محاولًا ثنيها عن قرارها.

لكن شيهانة قاطعته برفق، دون أن تنظر إليه:
“أقدر قلقك… لكني اتخذت قراري. لن أتراجع.”

“ولكن… ماذا لو—” حاول مجددًا، فتوقفت عن الحديث وأكملت بنبرة جازمة:
“قلتُ كفى. هذا خياري، وأنا مسؤولة عنه.”

“لا حاجة لأي اعتراضات!” قاطعتهم لمياء بوقاحة، وكأنها تخشى أن يفسد أحد طقوس إعلان النصر المبكر.
“لقد قُبِل التحدي، وسمعنا جميعًا ذلك! لا رجعة في الأمر الآن.”

الفصل 195

“هذا صحيح، لقد سمعناها جميعًا!” قال المهندس الأصغر بحماسٍ لم يُخفِ شماتته، وتابع بصوتٍ يحمل نبرة لمياء نفسها:
“إذا خسرتِ، فهذا يعني أنكِ غير مؤهلة للتواجد هنا، شيهانة. استعدي لحزم أمتعتكِ والرحيل.”

أردفت لمياء بابتسامة ساخرة، وعينيها تتلألآن ببرود:
“سمعتِ يا شيهانة؟ لا عذر بعد الآن. هذا مصيركِ إن فشلتِ.”

ردّت شيهانة بثبات:
“لا تقلقي، إن خسرت، سأغادر دون أي تردد.”

“حسنًا… سأصدقكِ.” كانت لمياء على وشك إغلاق النقاش حين قاطعها صوت شيهانة بنبرة واثقة:

“انتظري.”

توقفت لمياء، وحدّقت فيها بريبة. التفتت شيهانة إليها وسألت بهدوءٍ شديد كأنها تلقي حجرًا في بركة راكدة:
“وماذا لو كنتُ أنا المنتصرة؟”

رمشت لمياء كأنها لم تسمع السؤال جيدًا، ثم أجابت ببرود:
“لقد قلتِ ذلك من قبل، أليس كذلك؟ إن فزتِ، فليخضع الجميع لأوامركِ.”

“لا، ليس الجميع فقط…” نظرت شيهانة مباشرة في عينيها وأضافت بثقل:
“بل عليكِ أنتِ أيضًا أن ترحلي. لا أريد رؤيتكِ في هذا المكان ما دمتُ أنا هنا.”

توسّعت عينا لمياء في صدمة لحظة، ثم تقلّصتا بغضب متوهّج. ساد صمت ثقيل في القاعة، وكأن الهواء قد تجمّد.
لقد سمع الجميع كلمات شيهانة، وشعروا بثقلها. لم يتوقع أحد أن تذهب إلى هذا الحد. طلبت إقالة القائدة لمياء… علنًا.

كررت شيهانة ببطء، مؤكدةً:
“إذا فزتُ… فارحلي. أنتِ، وليس سواك.”

زمّت لمياء شفتيها. “هل تعرفين من تتحدثين إليه؟” قالت بصوتٍ متهدج من الغضب.
“تتجرئين على طردي؟ من تظنين نفسك؟”

لكن شيهانة لم ترد تهدئتها، بل صبّت النار على الزيت. رفعت حاجبها بسخرية وقالت:
“لماذا؟ هل تخشين القليل من التحدي؟ إن لم تتحملي حرارة المطبخ، فلا تدخليه.”

“أنتِ…”
كانت لمياء على وشك الانفجار، لكن سامي تدخّل مضطربًا:
“آنسة شيهانة، أعتقد أن هذا الطلب مبالغ فيه قليلًا. القائدة لمياء… لا أحد يستطيع طردها، سواء فزنا أم خسرنا.”

أومأ المهندس الأطول قامةً بالموافقة، وقد بدا الغضب عليه واضحًا:
“سواءً أحببنا الأمر أم لا، القائدة لمياء ستبقى دائمًا في موقعها. هي من تمثلنا، وليست ضيفة عابرة!”

حتى الحشد خارج المختبر، الذي تجمّع بسبب الضجة، بدا مصدومًا من وقاحة الطلب. كيف تتجرأ شيهانة، الضيفة الجديدة، أن تطلب رحيل قائدة مثل لمياء؟!

لكن شيهانة لم تُظهر أي تردد، بل ابتسمت تلك الابتسامة الهادئة التي تسبق العاصفة، وقالت:
“لماذا هذه الوجوه العابسة؟ على الأكثر، لن تستمروا برؤيتي لأكثر من شهر… لكن إن كنتُ هنا، فلن تكون هي كذلك.”

ثم صرخ أحدهم من الخارج:
“لكن لماذا تطلبين مثل هذا الرهان؟ هذا جنون!”

نظرت إليه شيهانة وردّت بنبرة واثقة، أثقلت الأجواء:
“لأن هذا التحدي لم يكن من بنات أفكاري… بل من اقتراح قائدة فريقكم ذاتها. وأنا فقط عدّلت الكفّة.”

ساد الصمت.

كانت كلماتها كفيلة بخنق كل الاعتراضات.
نعم، لقد كان التحدي من اقتراح لمياء… فلماذا تتذمر الآن من شروطه؟
إن أرادت المجد، فعليها أن تقبل الثمن.

نظرت شيهانة إلى لمياء نظرة جانبية مفعمة بالتحذير، وقالت:
“الخيار لكِ الآن… إما أن تقبلي بشروطي، أو تعودي لتنفذي أوامر مراد بهدوء.”

طقطقت لمياء بلسانها في استياء، ثم قالت بجمود:
“حسنًا… إنها صفقة. من يخسر، عليه أن يرحل. ولن يكون هناك أي ندم.”

“عظيم!” أومأت شيهانة برأسها بثقة واضحة، وعينيها تشعان براحةٍ لا تخفى.
كانت واثقة، أكثر مما ينبغي.

راقب الجميع ابتسامتها… وسخروا منها في قلوبهم.

لم تكن تتحدى لمياء فقط، بل كانت تتحدى مؤسسة بأكملها.
ربما برعت شيهانة في الكتب، لكن هذا العالم… كان مختلفًا. كان مليئًا بالمخالب.

ومع ذلك، قالت لمياء بصوتٍ مرتفع:

“لنبدأ العمل. التحدي هو اجتياز اختبارات الأساتذة المرموقين العاملين في المختبر.”

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top