رواية حتى بعد الموت الفصل 33

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك


الفصل 33
كانت نوران جميلة، حتى في لحظات ضعفها. حين تبكي، يزداد وجهها إشراقًا حزينًا، وكأن الدموع تزيد ملامحها عمقًا وغموضًا. كان من المؤلم أن ترى جمالًا بهذا الصفاء يُثقل بالحزن.
اقترب هشام منها وقال بصوت خافت:
“سيدتي… السيد القيسي بانتظارك.”
عادت نوران من شرودها، ومسحت دموعها بكفها المرتجفة، ثم سرعان ما انفجرت بالبكاء مجددًا.
“أوه، هشام… لا بد أنني أبدو في غاية السوء، أليس كذلك؟”
كان هشام يعمل مع أحمد منذ سنوات، وشهد عن قرب كيف كانت نوران نابضة بالحياة، تفيض بالحيوية والدفء. لكنه في العامين الأخيرين، رآها تذبل شيئًا فشيئًا، كزهرة لم يُكتب لها أن تزدهر تمامًا، وربما لن تفعل أبدًا.
ناولها هشام منديلًا وقال بلطف:
“لا تقلقي، ما زلتِ جميلة كما كنتِ دومًا… لا أحد يضاهيكِ جمالًا.”
مسحت نوران دموعها وهمست:
“لطالما كرهت أولئك الذين يبكون بسهولة… والآن، أتحول إلى واحدة منهم. صرت شخصًا أقسمت يومًا ألا أكونه.”
نظر هشام إلى عينيها المبللتين بالحزن، ثم خرجت منه كلمات لم يكن يتوقعها هو نفسه:
“إذن… لماذا لا تزالين متمسكة؟”
كان يعرف أن أحمد قضى ليلته وهو يراجع شروط الطلاق، يعدّلها، ويتقلب بين قرار وآخر. من الواضح أنه بات مستعدًا لتركها والمضي قدمًا.
عائلة الهاشمي أفلست، وجدّ – المتسبب الأكبر في ذلك – بالكاد بقي له أثر. عامان من العذاب لنوران، وعدد لا يُحصى من الجراح. والآن، بعد أن قُدّمت لها نفقة سخية تضمن لها حياة كريمة، لمَ لا ترحل؟ كان القرار المنطقي هو الرحيل.
لكن… هل كانت تأمل في أن يعود أحمد؟ أن يغير رأيه فجأة؟
خرجت من البؤس أخيرًا، وها هي تُفكر بالعودة إليه. تكرر الخطأ ذاته، وتعيد نفسها إلى قلب العاصفة.
لم تُجب نوران عن سؤاله، بل همست:
“لو كان طفلي حيًا… لكان الآن في مثل عمرهم.”
أراد هشام أن يرد، لكن الكلمات خانته. ثم قال أخيرًا:
“سيدتي، ما زلتِ شابة. أمامك فرصة أخرى لتكوني أمًا.”
أطرقت برأسها وقالت بحزم:
“لن أنجب أطفالًا بعد الآن.”
اتسعت عينا هشام، ولاحظ في وجهها شيئًا غامضًا، موجعًا. أراد أن يسأل، لكن نوران قالت فجأة:
“هيا بنا.”
كان أحمد ينتظر في السيارة، جالسًا بلا حراك، تعلو وجهه علامات البرود. لم يلتفت إليها حتى عندما جلست. طوى ذراعيه وقال بجمود:
“ما الذي تأملين في تحقيقه من…”
توقفت كلماته فجأة، حين ألقت نوران بنفسها في حضنه.
بالأمس، كانت تشتعل غضبًا، راغبة في الانتقام. لكن ما إن رأت “الدليل”، حتى ارتبكت مشاعرها. كانت تكره أحمد لما فعله بأسرتها، وتكرهه أكثر لأنه خذلها.
لكنها تعرف جيدًا أن جاد كان مذنبًا، وأن الأمور لم تصل يومًا إلى بر الأمان. كانت ترغب فقط في أن تنهي كل شيء، أن تضع حدًا للانتظار، للأمل المعلّق، للندم الذي ينخر قلبها. أرادت أن ترحل عن هذا العالم بلا وجع… بلا ندم.
لم يُبادِلها أحمد العاطفة. قال فقط، ببرود:
“سأخطب مرام بعد رأس السنة.”
تصلّبت أصابع نوران، وهي ما تزال مشتبكة بمعطفه، وتجمدت الابتسامة التي حاولت أن ترسمها على وجهها.
ساد الصمت في المقعد الخلفي. كان نظام التدفئة يعمل، ومع ذلك شعر السائق، كامل، ببرودة غريبة تخترق الجو.
وبعد وقت بدا أبديًا، رفعت نوران نظرها عن ذراعيه وقالت:
“أريد شهرًا فقط.”
رأى أحمد الانكسار في عينيها، ذلك الهشاشة التي لم يعهدها بها من قبل. تسلل إليه شعور غريب، لم يستطع تسميته.
“حتى لو منحتكِ عامًا، فلن يتغير شيء. فكيف بشهر؟ هل تفهمين؟”
عضّت نوران على شفتيها، وتمتمت بصوت متهدّج:
“أفهم… لكنك ستكون لي لشهرٍ واحد فقط، حسنًا؟”

جميع فصول الرواية من هنا

رواية حتى بعد الموت الفصل 34

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top