رواية حتى بعد الموت الفصل 92

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 92

ما إن استقرت ليان في مقعدها، حتى خفتت أضواء القاعة تدريجيًا، وكأن المسرح استعدّ لكشف الستار عن مشهدٍ لا يُنسى.

مالت مرام نحوها وهمست بنبرة مشبعة بالوعيد:
“ليان… لا تختبري حظكِ الليلة.”

لكن ليان لم تبتسم فقط، بل انحنت قليلًا نحوها، وهمست بصوت خاڤت ينضح بالثقة والاحتقار:
“أأنا من أُراهن على الحظ؟ لا يا مرام… أنا فقط لم أبدأ بكشف أوراقي بعد. هل أنذركِ بما يليق؟ ما زلت أملك ما يجعلكِ تتمنين أن الأرض ابتلعتكِ.”

ثم رفعت رأسها بنظرة حادة، وأضافت:
“لم أكشف حقيقتك بعد كمدمّرة منازل. ما أملكه من أدلة يمكنه أن يُطيح بكِ خلال دقيقة واحدة.”

ورغم الظلال التي لفّت القاعة، لم تستطع مرام إخفاء شحوبها، وكأن الډم انسحب من ملامحها دفعة واحدة. كانت النظرة في عينيها تشبه نظرة من يواجه انكشافًا وشيكًا.

ارتسمت على وجه ليان ابتسامة رضا هادئة.
“أعجبني أنك لا تستطيعين فعل شيء نحوي… رغم كراهيتكِ الواضحة. مرام، أنا أعلم كل ما فعلتِه… كل لقاء، كل رسالة، كل خطوة. إذا فكّرتِ مجددًا في استفزازي أو استفزاز نوران، سأحرّك المشهد بالكامل ضدك.
لو كنت مكانك، لتوقفت عن خسارة كرامتي هنا. لا تتصرفي كملكة وأنتِ لا تتقنين إلا دور الثعلب.”

لم ترد مرام، فقط رمقتها بنظرة جافة، لكن صمتها كان أبلغ من أي تبرير.

وفي الجهة الأخرى من القاعة، لم تكن نوران تتوقع أن ترى أحمد مجددًا، بهذه الطريقة، في هذا التوقيت.
لم يتبادلا أي كلمة، ولا حتى نظرة، وكأنهما غريبان تصادف وجودهما في المكان ذاته. كانت الصدفة ثقيلة، لكنها محكمة، وما يزيدها غرابة أنهما بديا غير مهتمين تمامًا بالمزاد أو بالعقارات المعروضة، رغم أرقامها الفلكية.

ومع اقتراب نهاية المزاد، صعد شهاب كروسبي إلى المنصة، وبصوته العميق، أعلن للجميع:
“والآن، نصل إلى التحفة المعمارية التالية… عقار عريق يعود لأكثر من مئة عام. منزل وحديقة تحمل تاريخًا من المجد والهيبة.”

ظهرت على الشاشة صورة ضخمة لحديقة كلاسيكية تحيط بمنزل عتيق، تتخللها أشجار شاهقة ونوافير من الرخام الأبيض.

منزل الهاشمي.

ذلك المكان لم يكن مجرد عقار. لقد كان قلب العائلة، الذاكرة الحية، والركن الذي تشكّلت فيه شخصية نوران.

بناه أجدادها قبل عقود، وأعاد والدها ترميمه ليحفظ فيه جمال التاريخ بروح العصر. موقعه الاستثنائي وسط أرقى أحياء المدينة جعله من أكثر العقارات ندرة وطلبًا، سواء للسكن الفاخر أو الاستثمار.

شعرت نوران بشيء يرتجّ داخلها حين ظهرت صورة الفناء الخلفي، حيث تلك الشجرة التي كان والدها يحبها كثيرًا.
تذكّرت حين قال لها ذات مساء:
“تحت هذه الشجرة، دفنتُ زجاجة نبيذ لن تخرج إلا عندما ترزقين بطفلك الأول… سيكون أول من يتذوقها.”
لكن الوقت لم يسعفه. لم يستطع الانتظار.

أعلن شهاب بصوت عالٍ:
“نبدأ المزايدة من مليار دولار.”

وما إن نطق بها، حتى رُفعت مجاديف المزايدة في وقتٍ واحد، ومن نفس الاتجاه:
نوران وأحمد.

وبصوتٍ متزامن تمامًا، قالا:
“ملياري دولار.”

نظرت إليه باستغراب. ما الذي يدفعه لمنافستها على منزل لم تربطه به أي ذكرى؟
لكن الإجابة لم تتأخر.

اهتز هاتفه على الطاولة، ظهرت رسالة من مرام:
“أريد منزل الهاشمي.”

اتضحت الصورة فورًا. لم يكن أحمد يُزايد من تلقاء نفسه… بل كان أداة في يد مرام.

لكن نوران لم تكن لتتراجع. كانت قد خصصت مبلغًا ضخمًا، خمسة مليارات دولار، من أجل هذا اليوم تحديدًا. ليس لأن العقار مغرٍ، بل لأنه منزلها، تاريخها، ظلّ أبيها في المكان.

قالت بهدوءٍ قاټل:
“2.1 مليار دولار.”

وبعد مزايدة قصيرة، أصبح أحمد هو المزايد الوحيد أمامها.

“3 مليارات.” قالها أحمد وهو يرفع مجدافه دون تردد.

كانت تلك طريقته في قول:
“انسحبي، هذا لي.”

لكنه يعرف نوران. يعرف عنادها وإصرارها. يعلم أنها لن تتخلى عن إرثها.

قبضت على المجداف كأنها تمسك بآخر ما تبقى من والدها، وقالت:
“3.5 مليار دولار.”

أدار وجهه نحوها، بتعبير يصعب قراءته، ثم رفع مجدافه مجددًا:
“4 مليارات.”

في هذه اللحظة، تحوّل المزاد إلى ساحة حرب نفسية.

ليان، التي كانت تتابع بصمت، شعرت پاختناق مفاجئ. نظرت إلى مرام، التي لم تكن تُخفي ابتسامتها المنتشية، وكأنها تشاهد انتقامًا تؤمن أنه سيُثمر.

سألتها مرام بصوت خاڤت، لكنه يحمل كل ما في قلبها من خبث:
“ما رأيكِ؟ هل ستغامر نوران وتضع كل ما تملك على الطاولة؟”

نظرت إليها ليان مليًا، وأدركت الحقيقة أخيرًا:
“أنتِ من تريدين الهاشمي، لا أحمد.”

ردّت مرام بابتسامة عريضة:
“أحمد يعطيني دائمًا ما أريد.”

رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك كاملة من هنا

رواية حتى بعد الموت الفصل 93

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top