رواية حتى بعد الموت الفصل 95

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 95

عندما ذهبت ليان لجلب المزيد من الطعام من البوفيه، استغلت نوران الفرصة لتبديل صورة ملفها الشخصي، واختارت صورة التقطتها لها ليان خلسة دون علمها. لم تكن تعلم أن تلك اللحظة العابرة ستُصبح لاحقًا موضع تساؤلات وتأويل.

وبعد دقائق، التقطت نوران صورة للمحيط، بدا فيها البحر ممتدًا إلى ما لا نهاية، ونشرتها على حسابها مرفقة بتعليق مقتضب: “بعيدًا، بعيدًا…” وكأنها تشير إلى رغبتها في الهروب أو التحرر من شيء ما.

في تلك الأثناء، كان أحمد جالسًا داخل سيارته المركونة خارج شقتها، يترقب عودتها. مرّت الدقائق ببطء، ولم تظهر أيٌّ من نوران أو ليان. وبينما كان يراقب الباب بصبر مضطرب، تذكّر تلك اللحظة التي أعلنت فيها نوران تبرعها بمبلغ خيالي بلغ خمسة مليارات دولار. رغم أن ذلك الفعل الإنساني كان من المفترض أن يمنحه الطمأنينة، إلا أنه لم يشعر سوى بالقلق.

كان ذلك الشعور الغريب، ذاك الانقباض في صدره، مألوفًا له. هو نفس الإحساس الذي اجتاحه عندما رأى نوران تقفز من المبنى ذات يوم، وكأنها تختبر الحياة والمۏت معًا. كان يحتاج إلى إجابات، إلى تفسير لما يجري.

حينها قال هشام، مساعده المخلص، بنبرة مترددة:
“السيدة القيسي لا تزال تُقيم حفل شواء، سيدي. ربما لن تعود قريبًا.”

أجاب أحمد بحدة:
“وأين هي بالضبط؟”

أجاب هشام وقد تحاشى النظر إليه مباشرة:
“يبدو أنها على شاطئ البحر، لقد نشرت صورةً له قبل لحظات.”

سارع أحمد بتحديث صفحة التواصل الاجتماعي الخاصة بها، ولكن ما ظهر له أولاً كان منشورًا قديمًا لشخص غريب يتحدث عن أضرار البيض المقلي، نُشر قبل ساعة.

“متى نشرت الصورة؟” سأل أحمد بنفاد صبر.

أجاب هشام:
“منذ 22 دقيقة تقريبًا.”

لاحظ هشام التوتر يتصاعد على وجه أحمد، فخفض صوته وقال بحذر:
“ألا ترى بريدك يا سيد القيسي؟”

قبض أحمد على هاتفه بقوة، ثم همس پغضب:
“لا بد أنها قامت بحظري.”

كان الأمر محرجًا ومؤلمًا؛ لقد أزالت أحمد من حساباتها، لكنها لم تزل موظفه بعد. ثم أضاف هشام بتوتر واضح:
“يبدو أنها غيّرت أيضًا اسم المستخدم، وكذلك صورة الملف الشخصي.”

انتزع أحمد الهاتف من يد هشام، وبدأ يتفحص حسابها. كانت صورتها الجديدة قاتمة وغامضة؛ التُقطت تحت ضوء شارع خاڤت، انعكس نوره الناعم على ملامح وجهها، بينما كان شعرها يتراقص مع نسمات الليل. بدت الابتسامة المرتسمة على شفتيها هادئة، لكنها تحمل في طياتها شيئًا من الحزن أو الاستسلام.

مرر إصبعه على شفتيها عبر الشاشة، لكن برودة الهاتف كانت تُذكّره بأنها لم تعد له. كانت قد وعدته ذات يوم ألا تغيّر تلك الصورة التي تجمعهما معًا، لكنه الآن يرى ذلك الوعد يتبخر.

تأمل منشورها الأخير؛ صورة ضبابية للبحر تحت سماء رمادية. تساءل أحمد:
“ماذا تقصد بهذا؟”

قال هشام بتردد:
“سيدي القيسي، أنا لست خبيرًا في العلاقات، لكن عندما تبدأ النساء بتغيير صورهن ومشاركة منشورات كتلك، فعادةً ما يكنّ مستاءات للغاية. ما حدث الليلة ربما كان القشة التي قصمت ظهر البعير…”

توقف هشام فجأة. لم يرغب في إكمال عبارته، إذ كان يعلم أن أحمد يدرك تمامًا ما فعله.

“أعلم.” قالها أحمد بصوت خاڤت.

أردف هشام:
“لقد كنت متساهلًا للغاية مع السيدة الزهراني، خذ مثلًا مشروع خليج النوارس؛ من الواضح أنه صُمم خصيصًا للسيدة القيسي. كذلك فستان السهرة الذي قضت أسابيع في تصميمه، ورغم ذلك أصرت الزهراني على ارتدائه، مع أنه لا يناسبها.”

وأضاف بنبرة محايدة:
“حتى اسم المستشفى، كانت قد اختارته بنفسها، ثم قررت الزهراني تغييره. لا أستبعد أن يكون ذلك قد أشعر السيدة القيسي بالإقصاء.”

لم يُجب أحمد، بل قال فجأة:
“خذني إلى شاطئ البحر.”

“حاضر، سيدي.”

استطاع هشام أن يحدد الموقع بسهولة من خلال آخر منشور نشرته ليان. انطلقا بسرعة نحو المطعم المطلّ على الشاطئ.

وعندما وصلا، كانت نوران تقف خارج المطعم، تُحاول دعم ليان التي كانت في حالة سُكر واضحة.

وفي اللحظة ذاتها، بدأ الثلج يتساقط بهدوء، كأن السماء تشاركهم الحكاية.

من خلال تساقط الثلج، لمحت نوران ظل رجل طويل يقف بصمت على الرصيف المقابل، بدا مهيبًا وباردًا كالصقيع، بالكاد يظهر في العتمة لولا الضوء الخاڤت الصادر من هاتفه.

فجأة، دفعت ليان نوران جانبًا، وصړخت بغضبٍ جامح:
“لو كنت أملك ثروتك، ولو لم يكن أتباعك حولك اليوم، لكنت مزّقتك إربًا!”

سارع هشام إلى تغطية فم ليان بيده، وقال معتذرًا لنوران:
“السيدة الهاشمي، اسمحي لي أن أعيد صديقتك إلى الداخل.”

لكن ليان دفعت يده بعيدًا، واستمرت في الصړاخ، موجّهة كلامها نحو أحمد:
“أيها الرجل الوسيم… لماذا تبدو وكأنك خادم لهذا النذل؟!”

رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك كاملة من هنا

رواية حتى بعد الموت الفصل 96

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top