رواية حتى بعد الموت الفصل 97

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 97

في تلك اللحظة، كانت مرام تلهو مع طفليها التوأمين في حديقة الفيلا. ولدٌ وبنت، من بطنٍ واحدة. أطلق أحمد على الولد اسم “رُكان القيسي”، بينما سمّت مرام ابنتها “إيرينا القيسي”، وهو اسم اختارته بعناية ليحمل مزيجًا من اسمي “أحمد” و”مرام” — رمزًا لوحدةٍ ظنّت يومًا أنها أبدية.

“إيرينا، تعالي إلى هنا، حبيبتي”، نادت مرام وهي تفتح ذراعيها، ترقُب خطوات ابنتها المتعثّرة. كانت الطفلة الصغيرة لا تزال تتكئ على الأرائك والطاولات، باحثة عن توازن لم تمتلكه بعد. أما رُكان، فكان قد بدأ المشي مؤخرًا بثقةٍ تشبه كثيرًا خطوات أبيه الصارمة.

مدّت إيرينا يدها الصغيرة إلى والدتها وهمست: “ماما… ماما”، فما كان من مرام إلا أن احتضنتها بشغف: “أنتِ رائعة يا عزيزتي… دعيني أضمكِ بقوة.”
ثم التفتت إلى رُكان قائلة: “تعالَ إليّ، يا شجاع.”
لكن الفتى لم يتحرك. رمقها بنظرةٍ باردة، فيها شيء من الصمت القاسې الذي طالما سكن عيني والده، ثم استدار فجأة وركض مبتعدًا.

منذ أن أعاده أحمد إلى المنزل، ظلّ رُكان حبيس عزلته. يقضي ساعاتٍ يحدّق من النافذة، يتجاهل من حوله، وكأنه يحمل شيئًا أكبر من عمره.
كان في بعض الليالي ينادي “ماما” أثناء نومه، بصوت مكسور يقطّع قلب مرام، لكنها لم تسمعه ينطقها أبدًا وهو مستيقظ.

رغم أنه وُلد في اللحظة ذاتها التي خرجت فيها إيرينا إلى الحياة، إلا أن المسافة بين قلبيهما وطباعهما كانت شاسعة. كانت البنت دافئة، تطلب الحنان وتمنحه. أما هو، فبقي غامضًا، غريبًا حتى عنها. راقبته مرام بصمت، والقلق يأكل قلبها.

في تلك الأثناء، دخلت مساعدتها الخاصة الغرفة قائلة بنبرة واثقة:
“آنسة الزهراني، تمّ إنجاز جميع الترتيبات بنجاح. استعنت ببعض معارفي لتسريع الموافقة. من المفترض أن يتم الأمر خلال أيام قليلة.”

ناولتها مرام الطفلة بلطف إلى المربية الواقفة جانبها، ثم توجهت نحو خزانة المشروبات وسحبت زجاجة نبيذ أحمر. سكبت منه كأسًا ببطء، تراقب كيف يملأ السائل الأحمر الكأس، وكأنه يملأ فراغًا بداخلها.

قالت وهي تبتسم ابتسامة لا تخلو من السخرية:
“أريد أن أرى إلى متى ستستطيع الحفاظ على هدوئها.”

“لكن… يا آنسة الزهراني، لقد انفصل السيد القيسي عن نوران بالفعل. وهو مخلص لكِ إلى درجة لا يمكن إنكارها. فلماذا كل هذا؟” سألت المساعدة بتردد.

تجمّدت ابتسامة مرام على شفتيها. نظرت إليها بعينين لامعتين:
“وماذا تعرفين أنتِ عن الإخلاص؟”
ارتبكت المساعدة وخفضت رأسها سريعًا: “أنا آسفة، لقد تجاوزت حدودي.”

كانت مرام تدرك جيدًا أن اهتمام أحمد بها لم يكن نابعًا من حب، بل من شعور بالمسؤولية. لقد اعتقدت أن ۏفاة ابنته “ليا” ستكون كفيلة بجعله ينفر من نوران، لكنه على العكس، ازداد تعلقًا بها بعد الطلاق.

طالما كانت نوران على قيد الحياة، لن يكون عرش مرام في قصر القيسي مستقرًا.
انتظرت أن تقع نوران في الفخ بعد إعلانها عن مشروع تحويل منزل الهاشمي إلى مسلخ، لكن المفاجأة أن نوران لم تُبدِ أي ردة فعل. وهذا ما أزعج مرام أكثر من أي شيء آخر.

ثم، وفي مساءٍ هادئ، رنّ هاتف مرام.

“مرحبًا؟” أجابت بنبرة لاذعة.

“أنا… نوران.” كان صوتها يحمل توترًا مكتومًا.

“ولماذا تتصلين بي، يا آنسة الهاشمي؟” سألت مرام ببرود مصطنع.

“كفي عن التمثيل، مرام. كلنا نعرف نواياك. لا داعي للحديث الممل. أنا في خليج النوارس. وأحضري ليان معك.”
ثم أغلقت الخطّ دون أن تمنح مرام فرصة للرد.

في مكان آخر من المدينة، كانت نوران تتأمل شاشة هاتفها التي أظلمت للتوّ. كان وجهها جامدًا، لكنها من الداخل تغلي. كانت تدرك تمامًا أن مرام لا تسعى فقط لإذلالها، بل تريد أيضًا معاقبة ليان على تمرّدها الأخير. وقد توقعت ذلك.

نظرت إلى ليان، التي كانت تهمّ بإعداد الحساء في المطبخ، تغني أغنية بمرح، لا تعلم ما ينتظرها.

قالت نوران بهدوء:
“ليان، سأذهب إلى السوبر ماركت لبعض الوقت. أحتاج إلى هواء نقي.”

“هل تريدين أن أوصلك؟” سألتها ليان.

“لا، شكرًا. أريد أن أمشي قليلًا وحدي.”

لم تشك ليان في شيء. فخلال الفترة الماضية، كانت نوران تكرّس وقتها لاستعادة صحتها والتأمل، دون أي متعة تُذكر.

“لا تتأخري. سأُحضّر لكِ حساء الدجاج الليلة.” قالتها ليان مبتسمة.

“حسنًا.” أجابت نوران بابتسامة صغيرة وهي ترتدي قبعتها ووشاحها.
خرجت من الباب، واستقلت سيارة أجرة مباشرة إلى خليج النوارس…
حيث ستُفتح صفحة جديدة من المواجهة.

رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك كاملة من هنا

رواية حتى بعد الموت الفصل 98

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top