رواية عودة الوريثة القوية_عودة الوريثة الضائعة 7

Close-up of hands holding vibrant yellow daisies, showcasing natural beauty and floral pattern.

الفصل 7

مدّ الجد نايجل يديه كمن يستنجد بظلٍ من الماضي وقال بصوتٍ دافئ تحمله خيوط الحنين:

— “آنا… تعالي إلى جدّكِ، يا ابنتي.”

في لحظة خاطفة تخلّت بيلا عن ذلك القناع المتمرّد وتحوّلت إلى تلك الطفلة المطيعة التي كانت تجلس بجانبه كلما تاهت روحها.

جلست برقة كما لو كانت تحتمي بحضنه من عواصف العالم.

— “جدّي… كيف حالك؟ هل تشعر بأي تعب؟”

ابتسم العجوز وضمّ يدها بكفٍ متهالكٍ يحمل تجاعيد الزمن وآثام القرارات.

— “تحسّنتُ كثيرًا الآن بعد أن رأيت وجهكِ… ولكن أخبريني هل صحيحٌ ما قاله ذاك الوغد؟ هل أنتما… مطلقان؟”

أطرقت بيلا رأسها وارتجفت رموشها كما لو أن عينها تخشى أن تسقط منها الحقيقة.

— “نعم يا جدّي… لقد افترقنا.”

كانت كلماتها كالسكاكين تقطّع نايجل ببطء لكنه جاهد ليجلس مستقيمًا وحدّق بجاستن بعينٍ تكاد تشعل النيران:

— “أيها الأحمق… كيف لك أن تطلّق امرأة مثلها؟! آنا هي الأفضل… الأفضل من بين الجميع!”

تجمّد جاستن في مكانه وبدا وكأن صحوة الموت سبقت موعدها داخله لكنه لم يجرؤ على الرد.

— “رجاءً جدّي… لا تغضب. لقد كان الانفصال باتفاق وكلٌّ منّا اختار طريقه.” همست بيلا وراحت تربّت على كتفه المُنحني كأنها تهدهد خيبة عمر.

كان جاستن مذهولًا… كيف لم تستغل بيلا حبّ الجدّ للانتقام منه؟ لم تشكُ، لم تتوسّل، لم تستدر عطفه… هل كانت تراهن على قلبه؟ هل اعتقدت أن النُبل وحده قد يُنقذ زواجًا يتداعى؟

— “آنا… هل تعرضتِ لسوء المعاملة؟ هل آذتك شانون؟”

ابتلع الجدّ قلقه بصعوبة فيما كانت بيلا تجيب بنبرة متماسكة:

— “لا، يا جدّي… لم يكن هنالك عنف، فقط اختلافات، وتباعدٌ لم ننجُ منه. لم نعد نحب بعضنا لذا فالفراق كان أرحم.”

تألقت عيناها بحزنٍ مبهم… كأنها تستعرض في داخلهما معرضًا لذكرياتٍ لم تُعرض على أحد.

— “لا تلوم جاستن لقد كانت بيننا لحظات جميلة تكفيني لئلا أندم على شيء.”

شعر جاستن بانقباضٍ لم يعرف سببه… عبعبس جبينه وهو يحاول أن ينبش في ذاكرته… ولم يجد شيئًا مشتركًا جميلًا. لا حفل زفاف، لا لحظة دفء… لا شيء سوى أوراق زواجٍ وُقّعت على عجل وحقيبة بيلا الصغيرة يوم أن انتقلت إلى قصر تايدفيو هادئة كمن يذهب إلى عزاءه الشخصي.

فكّر: هل حقًا احتفظت بيلا بتلك الذكريات؟ أم أنها تكذب عليه الآن كما كذبت على نفسها ذات يوم؟

أخذ الجدّ نفسًا ثقيلًا وهمس بانكسار:

— “آنا… هل أخطأتُ حين أجبرتكما على الزواج؟ كنتُ أظنّ أنني أؤمن لكما السعادة… ولكن يبدو أنني كنت أزرع الندم بدلًا من الفرح.”

امتلأت عينا نايجل بالدموع كأنهما تكفّران عن خطيئةٍ قديمة.

— “رجاءً، لا تلم نفسك يا جدّي. كل شيء يحدث لسبب وأنا الآن تخطّيت الماضي.”

كم من الشغف دفنته بيلا في قلبها لثلاثة عشر عامًا، وحده الله يعلم حجم الألم حين تتخلى المرأة عن وهمٍ أحبّته حتى النخاع!

لكنها لم ترد أن تنزلق إلى درك امرأة حاقدة تُراوغ وتُذل لتنتزع قلب رجل لا يملك أن يعطيه.

صاح الجدّ:

— “مات! أحضر هدية عيد الميلاد التي أعددناها لحفيدتي!”

ارتدى مات القفازات البيضاء كما لو أنه يتعامل مع قلبٍ مكسور وأخرج صندوقًا مخمليًا أحمر يشع بالهيبة.

فُتح الصندوق وانكشف سوارٌ زمردي من اليشم بدا كأنه خرج من حقبة ملكيّة.

شحب وجه جاستن وقال متفاجئًا:

— “جدّي… أليس هذا سوار جدّتي؟!”

أومأ نايجل برأسٍ مثقل بالحنين:

— “بلى. هذا ما أهديته لجدّتكم حين بدأنا قصتنا. إرثٌ عائليّ توارثناه جيلًا بعد جيل. جدتك كانت تتمنّى أن تهديه لحفيدتي المفضّلة… وأنتِ يا آنا، وحدكِ من تستحقينه.”

صرخت بيلا، وقد بدا الخوف على ملامحها:

— “لا يا جدّي! لا يمكنني قبوله. إنه ثمين للغاية، وأنا لم أعد زوجة جاستن…”

رفع الجدّ حاجبيه بحدّة كأن الرفض كان طعنة:

— “حتى إن لم تعودي معه، فأنتِ الحفيدة الوحيدة التي أعترف بها!”

ثم لوّح بالسوار مهددًا:

— “إن لم تقبليه… سأكسره!”

صرخت بيلا وقد أمسكت يده المرتعشة:

— “لا! أرجوك، سأقبله… شكرًا لك، يا جدّي.”

ابتسم الجدّ، وربت على يدها:

— “هذه هي حفيدتي.”

ثم طوّق معصمها بالسوار، كأنما كان يربط فيه حبّه، اعتذاره، وحنينه الذي لم يرحل أبدًا.

كانت بشرةُ بيلا كصفحةِ ضوءٍ ناعم، نقية كصباحٍ لم تمسّه الخطايا وحين لامست يدها سوار اليشم ارتدت نورًا كأن الحجر نفسه انحنى تواضعًا لها.

أما جاستن فلم يكن من قبل قد لاحظ تلك التفاصيل الصغيرة التي تُكشَف فقط للعاشقين أو للمحرومين من الحب… نظراته الآن تشبّثت بيدها تلك اليد الناعمة اللامعة كضوء القمر على سطح جدولٍ ساكن لم يخدشها الزمن ولم تُلطّخها يداه… جمالها كان هادئًا، مهيبًا كأنه أتى من عصرٍ نقيٍّ آخر.

“جاستن، ماذا أعددت لآنا في عيد ميلادها؟” جاء صوت نايجل محتدًا غاضبًا بحنان الأجداد.

تقدّمت آنا بابتسامة تحمل طيفًا من وجعٍ مستتر:

“جدي العزيز… أعطاني جاستن هدية لا تُنسى.”

انكمشت شفتا جاستن وتحوّل لونهما إلى بياض شاحب وظل يقبض على يديه بقوة يحاول احتواء البركان الذي اندلع بداخله.

نعم هديته لها في عيد ميلادها… كانت أوراق الطلاق.

يا للسخرية الموجعة التي تنزف من كلماتها كدمٍ لا يراه سواها.

“آنا، هل انتهى كل شيء بينكما؟ ألا يوجد طريقٌ للعودة؟” تمسّك نايجل بخيط أملٍ كهل لا يريد أن يصدّق أن الدفء قد غادر البيت.

رفعت آنا يد الجد المجعّدة برفق كمن يحمل قطعة أثرية غالية:

“إن كنت تحبني بحق يا جدي فاتركني أختار الحياة التي أريدها.”

تنهد الرجل بمرارةٍ وخيبة:

“إذن… ليس لي إلا رجاء أخير… انتظرا حتى أبلغ الثمانين قبل أن تُكملا إجراءات الطلاق… مجرد تأجيل صغير يا ابنتي…”

لكن جاستن لم يحتمل ذلك التوسل فقال وهو يقطّب جبينه:

“جدي هذا الطلب غير لائق.”

فجأة رفع نايجل صوته يفيض غضبًا وغصّة:

“غير لائق؟! هل كان لائقًا أن تُحضِر تلك… روزاليند وتُجبرني على تقبُّلها في حفل عيد ميلادي؟ هل كان لائقًا أن تُذلّوا بيلا أمامي؟! أنا من أُهين كل يوم، لا أنتم! إن كنت تحترمني كجدّك فابتعد عن تلك المرأة… لن أعترف بها أبدًا كحفيدة!”

كان صوته كصفعة على جدار القصر الصامت.

وفي الخارج كانت روزاليند تُذرع المكان بجنون، تصكّ أسنانها وتضرب الأرض بكعبها في انفعال لا يُطاق.

قالت شانون ببرود وهي تفرك صدغيها بتذمّر:

“كفّي عن التوتر. نايجل لا يحبك لكنّه في النهاية زائل… جاستن هو المفتاح… تمسّكي به فقط.”

تمتمت روزاليند بغيظٍ وتهوّر:

“لكن ما لم يمت هذا الرجل العجوز فلن أتمكن من الزواج من جاستن… هو لن يعترف بي أبدًا!”

سرعان ما مسكت روزاليندا فمها بذعر وقد أدركت فداحة ما قالت لكن شانون لم تبالِ وهي تراقب مانيكيرها الجديد بإعجاب:
“البشر تحرّكهم المشاعر… ما دام جاستن يريدك، فليس لبقية العالم صوت.”

اطمأنت روزاليند مؤقتًا حتى فُتح باب الجناح فجأة.

خرجت بيلا مع جاستن وتقدّمت روزاليند بخطى ناعمة متصنّعة لكنها وقعت في فخ نظراتها فقد سحرها سوار اليشم على معصم بيلا ذلك السوار الذي لم يكن هناك عند دخولها… فتفتمتمت سراً:

لا بد أنه هدية من نايجل!

الغيرة اشتعلت في دمها كحريقٍ في حقل قمح وراودها خاطر خبيث فاقتربت من بيلا بخطوات متصنّعة ثم تظاهرت بالسقوط عليها راغبةً في تمزيق السوار بعذرٍ ساذج.

لكن بيلا لم تكن وديعة هذه المرة، كانت يقظة، حادة النظرة كصقر فتجنّبتها في اللحظة الأخيرة وإذا بحسد روزاليندا يرتطم بالأرض.

لحظة صمت أعقبها صوت خافت… كأن قلبًا قد انكسر… لا لم يكن الصوت سوى سوار روزاليند وقد انقسم إلى شقّين… وهكذا وقعت في فخ مكرها.

جميع الفصول من هنا

رواية عودة الوريثة القوية_عودة الوريثة الضائعة الفصل الثامن 8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top