رواية غرام عكس التيار تمصير أسماء حميدة الفصل الثالث

Side view of a couple sharing an intimate moment with closed eyes under soft lighting.

في ساحة القصر الخلفية فوق العشب الذي بدا وكأنه بساط زمردي نُسج من دموع الندى

كانت مجموعة من الأثرياء الجدد قد تزاحموا كالنحل حول زهرة ندية… وجوههم تلمع تحت الأضواء، تفيض بالفضول والتظاهر وكأنهم في مسابقة لاصطياد الأضواء أو خطف صورة تذكارية من مجدٍ لا يخصهم.

وفجأة كما لو أن الزمن توقف للحظة إذ اقتربت شروق الأسيوطي بخطى واثقة تتهادى كأنها قصيدة تمشي فوق الأرض.

تجمعت الشخصيات البارزة حولها بعيونٍ تغلي خلف بريق الإعجاب، تُخفي سموم الغيرة في قوارير المديح.

قالت إحداهن وهي ترفع حاجبيها بدهشة:

“شروق! هل دعوتِ عائلة الدريني حقًا؟ أنتِ مذهلة… لا، أنتِ خارقة.”

وأضافت أخرى بصوتٍ يحمل في طياته الغيرة أكثر من الإطراء:

“لو علمتُ بهذا مسبقًا… كنت استعنت بخبيرة تجميل من باريس نفسها! كيف تتركينني في وجه هذا الحدث وأنا هكذا؟”

ابتسمت شروق… ابتسامة كالسراب خادعة لا طعم فيها سوى الزيف.

لكن في داخلها؟

سخرت كأنها تضحك من سذاجة العالم تقول بتعالٍ:

“عائلة الدريني هنا لأجلي أنا، لا من أجلكم، هل تعتقدين أن فهد الدريني جاء ليشاهد مكياجك؟ لقد رآني… حين حضرت حفلتهم الشهر الماضي، رأى فيّ شيئًا لم تره فيك المرايا طوال عمرك… رأى سيدة المستقبل… السيدة فهد الدريني.”

وفي تلك اللحظة المتوهجة بالتكهنات دوى صوت المروحية فوق رؤوسهم كأنها أجنحة قدرٍ لا يعرف الرحمة، وببطءٍ مهيب فُتِح بابها كأن الزمن ذاته يُشرِع بوابة الأسرار.

كل الأنفاس احتبست، كل القلوب رفرفت كفراشات مذعورة لكن من خرج لم يكن فارسًا في بدلة رسمية بل كانت امرأة…

امرأة نحيلة ظهرت تخطو من فم المروحية كمن خرجت من بطن الليل ذاته بملابس ممزقة ووجه مغطى بطبقات من الغبار والحكايات المؤلمة.

شعرها متشابك كالأسرار، وعيناها تقطران أسئلة بلا أجوبة.

تجمد الجميع وساد صمتٌ مشحون كالكهرباء الذي يسبق عاصفة من الهمسات.

“ما هذا؟…”

همس أحدهم وكأن لسانه تاه بين التهكم والدهشة.

ثم جاءت السخرية تنساب كالسم من فمٍ معتاد على الطعن بالكلمات:

“شروق… هل هذه هي ضيفتك الموقرة؟ متسوّلة؟ هذا الحفل درامي فعلًا!”

كاد وجه شروق ينفجر غيظاً وارتجفت أصابعها كأنها تمسك بخيوط كرامتها ومن ثم اندفعت كقذيفة نحو الغريبة، وصرخت:

“من أنتِ بحق السماء؟! من تظنين نفسك لتقتحمي حفل عيد ميلادي؟!”

رفعت الشابة رأسها ببطء، وبعينين يختبئ فيهما مزيجٌ قاتل من الحزن والعزم قالت بصوتٍ هادئ لكنّه اخترق القلوب كالسيف:

“عيد ميلاد؟… فهمت الآن.”

نظرت إلى شروق كما ينظر المرء إلى صورته في المرآة بعد سنوات من الغياب… لا شبه لكن هناك صدى.

ثم قالت ببرودٍ مرعب:

“من أنا؟”

صمتت لحظة… وكأنها تستعد لتفجير قنبلة ستغير كل شيء.

ثم تابعت:

“أنا… ابنة والدك.”

شهقت شروق وتراجعت خطوة كأن أحدهم سحب الأرض من تحت قدميها.

“أنـتِ…”

لكن چوانا قاطعتها بصوتٍ أكثر ثباتًا، أكثر قسوة، يحمل في طياته غضب سنوات وغصة لا تزال عالقة بحلقها:

“أنا ابنة والدك الحقيقية.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top