زوجة الرئيس المنبوذة الفصول من 71 إلى 80

زوجة الرئيس المنبوذة

الفصل 71

“بصراحة، لا يوجد في هذا المكان سوى رجل واحد يستحق اهتمامي… وهو ابني.”

كانت تلك طريقة غير مباشرة لتوضيح أنها لا تهتم بمراد.

لم تكن هناك لإغوائه.

استاءت السيدة شهيب من غرورها. كيف تجرؤ هذه المرأة على الاعتقاد بأن ابنها، مراد، ليس كفؤًا لها؟

“لا يهمني سبب قدومكِ اليوم، لكن تذكّري هذا جيدًا: لن تعودي إلى مراد أبدًا. وإياكِ أن تُقحمي لين في مؤامرتك السخيفة، وإلا فلن تنجو من غضبي!”

تبع كلماتها صوت ارتطام قوي. سقط طبق لين على الأرض، وتناثرت الكعكة في أنحاء بدلته الصغيرة.

كان ذلك تشتيتًا مثاليًا، وضروريًا للغاية لتخفيف حدة التوتر المتزايد.

سارعت السيدة شهيب إلى جذب لين نحوها، تمسح بقايا الكعكة عن ملابسه وهي تقول بحدة:

“لين، ماذا حدث؟ لماذا هذا الإهمال؟”

نظر إليها الطفل بعيون واسعة مرتجفة.

“الجدة… مخيفة.”

شعرت السيدة شهيب بارتباك وندم، مدركة أن كلماتها الحادة قد أفزعت الطفل.

قال زوجها بصوت خفيض، “خذي الطفل ليغيّر ملابسه… أم أنكِ تظنين أن الضيوف لم يروا ما يكفي؟”

انحنت تالين على الفور وقالت: “لين، هيا بنا.”

لكنه تجاهل يدها وأمسك بيد جدته بدلًا من ذلك.

شعرت السيدة شهيب بارتياح داخلي؛ يبدو أن الطفل قد سامحها بالفعل.

احتضنته بلطف وقادته بعيدًا لتغيير ملابسه، وقد نسيت تمامًا خلافها مع شيهانة. تردد زوجها في البقاء لكنه قرر اللحاق بها.

توقفت خطوات لين للحظة، التفت لين إلى الخلف والتقت عيناه بعيني شيهانة. كان في نظراته شوق وحنين.

التقت شيهانة بنظراته وشعرت بوجع مماثل.

كان ذلك اليوم هو أول مرة يلتقيان فيها بعد ثلاث سنوات من الانفصال. ثلاث سنوات لم تُتح لهما خلالها فرصة التعارف من جديد.

ومع ذلك، كان هناك أمر واحد مؤكد… ابنها ما زال يهتم بها.

شيهانة لم تكن غبية؛ أدركت تمامًا ما حدث. لين كان يحميها منذ اللحظة التي دخلت فيها إلى الحفلة. كانت تعلم أنه أسقط الطبق عمدًا… كان ذلك لتهدئة غضب جدته.

فعل ابنها الكثير من أجلها، لكنها… ماذا فعلت من أجله؟

ذلك الشعور بالذنب كان كافيًا ليزيد إصرارها.

ستقاتل من أجل حضانته، ليس لأنها تعتقد أن عائلة شهيب تُسيء معاملته، بل لأنها تعلم أن مراد سينشغل بأطفاله الآخرين من زوجته تالين.

أما هي؟ ابنها سيكون محور عالمها بالكامل.

وفوق ذلك… كانت تعرف تمامًا حقيقة تالين. لن تترك ابنها في قبضة تلك المرأة.

لكن أولاً… عليها أن تثبت أنها قادرة على توفير كل ما يمكن لعائلة شهيب تقديمه لابنها.

أرادت أن تعطيه كل شيء… كل ما تستطيع.

عيناها أضاءت بإصرار صلب وهي تستدير لتغادر.

“شيهانة.”

توقفت خطواتها عند سماع صوته. التفتت ببطء، ونظرت إليه بعينين فارغتين من أي مشاعر.

لم تعد تهتم.

أزعجته هذه المعرفة… أكثر مما كان يتوقع.

ضيّق عينيه وقال ببرود: “السبب الوحيد لدعوتي لكِ اليوم هو لين. لا يوجد أي دافع خفي.”

كان يعني بذلك أن تتجاهل كلام والدته.

أجابت شيهانة بنبرة هادئة: “كنت مستعدة لمواجهة الانتقادات عندما وافقت على الحضور. لا يُزعجني كلامهم، لذا لا داعي لأن تُبرر موقفك.”

استدارت وغادرت، تاركة مراد يراقبها بصمت.

بريق غامض لمع في عينيه، وارتسمت على شفتيه ابتسامة آثمة.

ما أثار استغرابه أنه لم يجدها بهذا القدر من الجاذبية من قبل… والآن؟

الآن أصبحت مثيرة للاهتمام بشكل لا يمكن تجاهله.

الفصل 72

كان مراد يحدق في شيهانة بنظرة غامضة، غارقًا في أفكاره. لم يكن مدركًا أن تالين، الجالسة إلى جانبه، كانت تراقبه بعيون تضيق من الغضب.

كانت أصابعها ملتفة بقوة حول ساق كأس الشراب، تكاد تحطمها.

لكن عندما رأت شهد تتجه نحو شيهانة، ابتسمت تالين ببرود.

لم تكن بحاجة إلى رفع أصبعها… فهناك طابور طويل من الأشخاص الذين ينتظرون الفرصة لإسقاط شيهانة، وشهد كانت دائمًا في المقدمة.

كبرت شهد وهي تحمل على عاتقها عبئًا ثقيلًا من الغيرة.

عندما تزوجت ورد من تيمور، كانت شهد في الثالثة من عمرها. كان منزل تيمور فخمًا، وحياتها الجديدة كانت أشبه بعالم خيالي، إلى أن ظهرت شيهانة في الصورة.

كانت شيهانة تكبرها بعامين فقط، لكنها كانت تأسر الجميع أينما ظهرت.

في كل مرة كانت شيهانة تزور والدها، كان تيمور يعاملها كأميرة حقيقية، يُغدق عليها بالهدايا ويغمرها باهتمام استثنائي… في حين شعرت شهد بأنها مجرد ظل.

مع مرور السنوات، ازدادت الأمور سوءًا.

كلما نضجت شيهانة، أصبحت أجمل، أذكى… وأقوى.

أما شهد؟ كانت تقف في الخلف، تراقب، وتحترق.

تحولت غيرتها إلى كراهية خالصة، تغلغلت في أعماقها حتى أصبحت جزءًا منها… كالتنفس تمامًا.

والآن، رؤية شيهانة تنهض من جديد بعد كل ما مرت به؟ رؤية تلك المرأة تستعيد حياتها وثقتها بنفسها؟

كان ذلك كافيًا لدفع شهد إلى حافة الجنون.

راقبت شهد خطوات شيهانة وهي تخرج من القاعة وحدها. ابتسمت ابتسامة باهتة قبل أن تتبعها، خطواتها ثابتة كما لو كانت تعرف تمامًا ما ستفعله.

عند أحد الأعمدة الرخامية، لمحت شيهانة انعكاس شهد تقترب من خلفها.

ابتسمت ببرود، ثم استدارت فجأة لتواجهها وجهًا لوجه.

توقفت شهد في مكانها، تفاجأت للحظة… لكنها سرعان ما استعادت هدوءها.

لم تحاول هذه المرة إخفاء الشر في عينيها. لم تكن بحاجة إلى ذلك بعد الآن.

تقدمت خطوة للأمام وقالت بنبرة متهكمة:

“شيهانة… من كان ليصدق أنكِ ستعودين من جديد؟” ابتسمت ابتسامة باردة وأضافت، “وأنتِ تتسكعين مع زوجك السابق… تطلبين صدقته وكأنكِ لا تعلمين أنه مخطوب؟”

مالت برأسها جانبًا، وكأنها تستمتع بإذلالها:

“بصراحة… أنا معجبة. لا يمكن لأي امرأة أن تكون بهذا القدر من الوقاحة. يا لكِ من يائسة!”

اختتمت كلماتها بضحكة خافتة مليئة بالشماتة.

نظرت إليها شيهانة نظرة ثابتة، عيناها مظلمتان كبحر هائج.

قالت ببرود: “إذن… أنتِ هنا فقط لتضحكي علي؟”

“بالضبط!” قهقهت شهد، ثم أضافت بصوت خافت يحمل تهديدًا خفيًا: “لكن السخرية منك لا تكفي… أريد أن أدمرك، شيهانة. هل تعلمين لماذا؟ لأنني أكرهك.”

رفعت شهد ذقنها بتحدٍ، وكأنها تنتظر ردة فعل.

لكن شيهانة لم تمنحها هذه المتعة.

اكتفت بقولها بهدوء قاتل:

“أعلم أنكِ تكرهينني… لكن دعيني أوضح لكِ شيئًا واحدًا.”

تقدمت خطوة للأمام، حتى باتتا على بُعد أنفاس من بعضهما.

خفضت صوتها حتى كاد يتحول إلى همس:

“أنتِ مجرد طفلة تبناها والدي من مؤسسة تيمور الخيرية… فمن تكونين لتكرهيني؟”

كانت الكلمات كطعنة خنجر في صدر شهد. تلك العبارة… طفلة متبناه.

كان ذلك اللقب أسوأ ما يمكن أن تسمعه.

اتسعت عينا شهد بصدمة، ثم احمرت وجنتاها بغضب هائج.

ضغطت على أسنانها بقوة حتى كادت تُطحن، وبدا أنها على وشك الانفجار… بالضبط كما أرادت شيهانة.

الفصل 73: شيهانة قاتلة!

صرخت شهد بصوتٍ حادّ، تفيض كلماتها غضبًا:

“لا يهمّ من أكون، فأنتِ لستِ أفضل مني! بأيّ حق منحكِ أبي كل شيء؟ لماذا؟ كيف يكون هذا عدلًا؟”

ردّت شيهانة بهدوء:

“ببساطة… لأنني ابنته الحقيقية.”

لم تحتج شيهانة إلى أكثر من هذه الكلمات القليلة لتُظهر مدى عبثية تصرفات شهد.

صرّت شهد على أسنانها، تشتعل عيناها غضبًا، وصاحت بجنون:

“لهذا السبب أكرهكِ! لكن لا تقلقي… لديّ خطة جاهزة لتدميركِ. هل يمكنكِ تخمين ما هي؟”

بالمقارنة مع شهد، بدت شيهانة رشيقة وهادئة كما كانت دائمًا.

قالت شيهانة بنبرة واثقة:

“لا أحب المشاكل، لكنني لا أهرب منها.”

فجأة، اندفعت شهد نحوها، كما لو كانت على وشك احتضانها.

لكنها توقفت في منتصف حركتها، انحنت فجأة وعانقت بطنها، صوتها يرتجف وهي تئن:

“آه… أختي… أرجوكِ… لا تغضبي مني… كل هذا خطأي… سامحيني…”

قبل أن تكمل جملتها، شهقت فجأة وانهارت على الأرض، ممسكةً بطنها كما لو كانت قد تلقت ضربة قوية.

صرخت بصوتٍ عالٍ، جذب انتباه الجميع:

“معدتي… أحدهم… من فضلكم… ساعدوني… معدتي تؤلمني بشدّة!”

في لحظات، كانت العيون كلها تتجه نحوها.

همساتٌ بدأت تتصاعد بين الحضور. البعض كان متأكدًا أن شيهانة هي من دفعتها. نظرات الاتهام تحولت سريعًا نحوها.

لم يمر وقت طويل حتى شقّ مجد طريقه بين الحشود وركع بجانب زوجته، وجهه ممتقع وقلقه واضح:

“شهد! ما الذي حدث؟ من فعل هذا؟”

ألقت شهد نظرة خاطفة على شيهانة، ثم تشبثت بذراع زوجها قائلةً بصوتٍ متوتر:

“عزيزي… أنا واثقة أن أختي لم تقصد… يمكننا الحديث عن هذا لاحقًا… أنا فقط… أنا قلقة على طفلنا…”

طفلنا؟

ساد صمت ثقيل في القاعة.

لو كان ما قالته صحيحًا، فهذا يعني أن شيهانة قد تسببت في أذية جنين شهد… اتهام كهذا قد يُدخلها السجن.

تغير وجه مجد في لحظة. نهض ببطء، يحدّق في شيهانة بعينين تشتعلان غضبًا:

“هل دفعتِ زوجتي لأنكِ تريدين قتل طفلي؟”

شهقت شهد وكأنها تحاول الدفاع:

“عزيزي… أنا متأكدة أنها لم تقصد…”

لكن مجد قاطعها بحدة:

“شهد، لا داعي للدفاع عنها! لقد كانت تؤذيكِ منذ كنا صغارًا، والآن… والآن لأنها علمت أنكِ حامل، قررت أن تنهي الأمر! يا لكِ من حقيرة!”

استدار مجد نحو الحضور وصاح:

“اتصلوا بالشرطة! هذه المرأة حاولت قتل طفلي!”

حاولت شهد التوسل من جديد:

“عزيزي…”

لكن مجد قاطعها بقسوة:

“شهد، أنا أحب طيبتكِ… لكن هذه المرأة لا تستحق تعاطفكِ. لقد حاولت قتل طفلنا، أليس هذا كافيًا لتري حقيقتها؟”

ساد الصمت. نظرت شهد بعيدًا وكأنها فقدت القدرة على الدفاع عن شيهانة.

تسللت نظرات الشفقة من الحضور نحو شهد، بينما كانت النظرات الغاضبة تتجه نحو شيهانة.

 الفصل 74

رغم أن الحضور لم يكونوا على دراية كاملة بالحقيقة، إلا أنهم سرعان ما نسجوا في أذهانهم سيناريوهات خاصة بهم لملء الفراغات.

في نظرهم، لا بد أن تكون شيهانة امرأة أقل شأنًا بكثير مما كانت تدّعي.

وإلا… لماذا استمر زواجها من مراد ثلاث سنوات فقط؟

مراد، ذلك الرجل المثالي في نظرهم، إذا لم يستطع احتمالها، فلابد أنها كانت فظيعة بما يكفي لينفد صبره منها.

والآن، بعد أن رأوا — بأعينهم — كيف “آذت” أختها، ومع ذلك تتصرف وكأنها تستحق الاحترام، لم يكن من السهل عليهم تصديق أنها إنسانة جيدة.

ما لم يعرفوه هو أن شيهانة، رغم كبريائها، كانت تحتقر مجرد الردّ على هذا العرض المسرحي السخيف الذي قدّمته شهد ومجد.

كانت ترى تصرفاتهما هزلية وغير جديرة بالاهتمام.

لكن في نظر الآخرين، بدا صمتها وبرودها أنانيةً متعالية.

الناس بطبيعتهم يميلون إلى النفور من النساء اللواتي يبدين وكأنهن يضعن أنفسهن في مكانة أعلى من الآخرين، وكون شيهانة امرأة مطلقة زاد الأمر سوءًا.

في مجتمعهم، تُقاس فضيلة المرأة بإخلاصها وخضوعها، لذا كان من السهل عليهم تصديق أن شيهانة هي الطرف المذنب.

لكن الشيء الذي صبّ النار على الزيت هو موقف شيهانة نفسها؛ لم تُكلّف نفسها حتى عناء تبرير ما حدث. وقفت بصمت، تاركة الجميع ينسجون حولها أسوأ السيناريوهات، رغم إدراكها أن كل تلك الظنون كانت تقف ضدها.

لكن الحقيقة أن شهد ومجد لم يكونا ليمنحاها فرصة للدفاع عن نفسها منذ البداية. فقد كانا عازمين على سحقها تمامًا، وإقصائها من حياتهم إلى الأبد.

كانا يعلمان جيدًا أن استعادة شيهانة لمكانتها ستكون بداية النهاية لشهد.

فالسبب الحقيقي وراء زواج مجد من شهد لم يكن سوى طمعه في إرث عائلة شيهانة، ولم يكن مستعدًا لأن يسمح لأي تهديد بأن يُفسد خططه.

في الواقع، لم يكن مجد يرى في شيهانة خطرًا حقيقيًا، حتى لو استعادت ذاكرتها.

لكن مراد؟

مراد كان قصة أخرى تمامًا.

من وجهة نظرهما، لا بد أن مراد هو من قدّم يد العون لشيهانة — فكيف لامرأة مثلها أن تعود بهذه السرعة بعد سنوات من الاختفاء؟

خوفهما الأكبر كان احتمال أن يُشعل مراد وشيهانة مشاعرهما القديمة…

وإن حدث ذلك وتزوجا من جديد، فستكون تلك نهاية شهد ومجد فعلاً.

فمراد خصم لا يُستهان به، ولا يمكنهما مجابهته إن وقف في صفّ شيهانة.

لهذا السبب كان لا بد أن يُسحقَ أملها قبل أن يحظى بفرصة للانتعاش.

كان لا بد أن يدمرا حياتها قبل أن تتمكن من العودة إلى مراد وحياته.

وإلا… فسيكون الأوان قد فات.

شهد ومجد كانا وحشيين بما يكفي لضرب أعدائهما وهم في أضعف حالاتهم، بل كانا من النوع الذي يحرص على أن يكونا هما السبب في سقوط خصومهما منذ البداية.

“الأعداء من السهل القضاء عليهم عندما يكونون صغارًا” — تلك كانت فلسفتهما في الحياة.

ولذا، كانا مصممين على إسقاط شيهانة بأي ثمن.

كره مجد لشيهانة كان واضحًا كالشمس، لدرجة أن لا أحد من الحضور تجرأ على الدفاع عنها.

في النهاية، لم يرغب أحد في إثارة غضب مجد.

انتشرت بعض الهمسات المتقطعة في القاعة، بينما استمر المشهد في التطور.

تُركت شيهانة وحدها، تقف في صمتٍ قاتم.

لم يظهر على وجهها أثر للخوف أو الاضطراب… فقط هدوء جليدي، كتمثالٍ حجري.

رغم كل شيء… رغم مشهد شهد الدرامي وصراخها عن “إجهاضها”، لم تتأثر شيهانة.

يا لها من فتاة قاسية القلب!

“لا تقلقي يا شهد، لن أدعها تفلت بفعلتها!” صاح مجد وهو يضم زوجته بقوة، مجسّدًا دور الزوج المحبّ بكل ما أوتي من مهارة.

ارتفع همس الجمهور، وازداد الحشد تحمسًا لمشهد الحب الدرامي هذا.

تدفقت موجة غضبهم نحو شيهانة، كأنها الشعلة الوحيدة التي يجب إطفاؤها.

ثم صرخ أحدهم من بين الحشد:

“سمعتُ أنهما أختان! يا لكِ من وقاحة أن تؤذي أختكِ الصغيرة بهذا الشكل!”

“أراهن أنها غارت منها بشدة!” قال آخر بلهجة متشفية.

“الحياة لم تكن سهلة على شيهانة في السنوات الأخيرة… أظن أن هذا جعلها تفقد صوابها بعد أن رأت أختها تتزوج رجلًا صالحًا. من المؤكد أن الغيرة دفعتها لفعل ذلك!”

وهكذا، راحت شائعاتهم تمتد وتنتشر، كأنهم كانوا شهودًا حقيقيين على ما حدث.

الفصل 75

قال أحد الحاضرين”عرفتُ أنها جاءت بدوافع خفية عندما ظهرت بفستانها الفاتن اليوم. لم أتوقع أن تكون بهذه القسوة…”

ترددت تلك الكلمات بين الحشد، همسات تتضخم كأنها جوقة تُغني نشيد السقوط.

“بالضبط، ربما تعتقد أنها لا تزال تملك فرصة للزواج مرة أخرى من عائلة شهيب.”

“لكن الرئيس التنفيذي مراد لديه بالفعل خطيبة… الانسة تالين الجميلة.”

“صحيح، الانسة تالين أفضل وألطف بكثير من…”

في تلك اللحظة، وقفت تالين بين الحشود، وكأنها تتغذى على كل تلك التعليقات المسمومة. نظرت إلى شيهانة بعينين تضجان بالشماتة، وتراقص في داخلها شعورٌ عارم بالانتصار.

“أين ذهبت غطرستكِ الآن، أيتها الحقيرة؟”

تالين كانت تعلم أن مجد ليس مجرد رجل عادي. علاقاته المتشعبة في الظل وفي العلن تجعل الوقوف في وجهه مخاطرة لا تُغتفر.

إن نجت شيهانة من هذه المحنة بنصف حياتها… فذلك سيكون معجزة.

أما سمعتها؟ فقد تحطمت بالكامل.

“انتهيتِ يا شيهانة… ستبقين دائمًا في القاع، بينما أنا في القمة.”

ازداد حماس تالين أكثر حين رأت رجال الشرطة يتقدمون نحوهم.

كان ذلك اليوم هو عيد ميلاد الابن الأصغر لعائلة شهيب، لذا كان الأمن مشددًا، والشرطة في حالة استعداد لأي طارئ.

عندما اتصل مجد بالشرطة، استجابوا على الفور، ووصلوا إلى قاعة الحفل خلال أقل من دقيقة.

“ماذا يحدث هنا؟ من طلب الشرطة؟” سأل الضابط المسؤول بصرامة.

“عزيزتي… معدتي…” تأوهت شهد بصوت مرتعش، وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة.

ألقى مجد نظرة نارية نحو شيهانة، وصاح بصوت هدر في القاعة:

“أنا من اتصل! هذه المرأة حاولت إيذاء زوجتي وطفلي! أطالب باعتقالها فورًا!”

تحولت أنظار الشرطة إلى شيهانة، وسألها الضابط بلهجة جادة:

“آنسة، هل ما يقوله السيد مجد صحيح؟”

رفعت شيهانة نظرها إليهم ببطء. كانت نظرتها حادة كالنصل، ونبرتها باردة كالصقيع:

“إذا كانت زوجته تتألم حقًا، كان عليه الاتصال بالإسعاف… لا بالشرطة.”

ارتسمت على شفتي مجد ابتسامة مشبعة بالسخرية والشماتة.

“بالطبع، رجالي استدعوا سيارة إسعاف أيضًا… لكن عليكِ أن تصلي لأن تبقى زوجتي وطفلي سالمين…” توقف لحظة، ثم أكمل بصوت خافت يقطر تهديدًا:

“وإلا سأجعلكِ تندمين على اليوم الذي وُلدتِ فيه.”

لم يتغير تعبير شيهانة. لم ترتعش، لم تنحني. كانت أشبه بتمثالٍ جليدي صلب.

قالت بنبرة حادة:

“مجد، إذا كان هذا كله مجرد تمثيلية رخيصة لتوريطي… فكيف ستعوضني؟”

شهقت شهد بصوت مرتجف:

“أختي… لكنني لم أفعل…”

لكن مجد قاطعها بانفجارٍ غاضب:

“كيف تجرؤين على اتهام زوجتي بالكذب؟” التفت إلى رجال الشرطة بلهجة آمرة:

“ماذا تنتظرون؟ اعتقلوها الآن! وإذا كان لديكم أي شك، تحققوا من تسجيلات المراقبة… الفيديو لن يكذب!”

رغم ثقته الزائدة، كان مجد يعلم أن التسجيل لن يُظهر سوى ما أراده أن يُرى:

مشهد شهد وهي تقترب لتعانق شيهانة، ثم سقوطها فجأة بطريقة توحي بأن شيهانة دفعتها بقوة.

صورة دون صوت… مشهد يضع اللوم بالكامل على شيهانة.

شيهانة كانت تدرك ذلك أيضًا… لكنها لم تتحرك.

ظلت واقفة في مكانها، بثباتٍ جليدي جعلها تبدو أكثر صلابةً من ذي قبل.

خشي رجال الشرطة أن يعارضوا مجد، فالرجل يملك من النفوذ ما يمكنه أن يقلب حياتهم رأسًا على عقب.

قال الضابط بلهجة حازمة:

“آنسة، من فضلك تعاوني معنا واتبعينا إلى المركز بهدوء… وإلا سنضطر إلى التعامل معك بالقوة.”

عندها… ارتسمت ابتسامة خافتة على شفتي شيهانة، لكنها لم تكن ابتسامة خوف… بل سخرية مميتة.

قالت ببرود:

“وبأي طريقة تنوون فعل ذلك؟”

كانت نبرتها أشبه بإعلان حرب.

تصلّب الضابط، ثم أشار إلى رجاله بصرامة:

“احتجزوا هذه المرأة!”

الفصل 76

“توقفوا.”

انطلق صوت أجش عندما تحرك الضابطان نحو شيهانة.

تحرك مراد بثبات، ملامحه جادة وهيبته تفرض حضورها في المكان. بمجرد أن وقعت أعين رجال الشرطة عليه، تجمدوا في أماكنهم.

سأل الضابط الرئيسي بأدب واضح: “السيد مراد، كيف يمكننا مساعدتك؟”

ألقى مراد نظرة خاطفة على شيهانة. في عينيها لم يجد سوى ارتياح هادئ، وكأنها أدركت أن الأمور بدأت تميل لصالحها. قال بلهجة حازمة: “سمعت أن شيهانة قالت إن الاثنين هما من أوقعا بها. ألا يجب أن نمنحها فرصةً لتبرير موقفها؟”

“لم أتهم أختي بشيء!” اعترضت شهد بانفعال، ثم وضعت يدها على ذراع زوجها برفق، محاولة تهدئته. “عزيزي، دعنا نتجاوز هذا الأمر. أنا متأكدة أن أختي الكبرى لم تفعل ذلك عمدًا. نحن عائلة، ولا ينبغي أن نضعها في موقف صعب كهذا.”

“مستحيل!” انفجر مجد غاضبًا، “لقد اعتدت عليك جسديًا! لا يمكنني ترك الأمر هكذا! أيها الرئيس مراد حتى لو تدخلتَ لصالحها، عليك أن تدرك أن هذه المرأة أذت زوجتي وطفلي عمدًا!”

تقدمت شيهانة إلى الأمام ببطء، ثم صفقت ببطء وقالت بسخرية واضحة: “أداء يستحق جائزة الأوسكار.”

رمقتها شهد بنظرة متوترة، بينما ارتسمت على وجه مجد ابتسامة ساخرة.

تابعت شيهانة ببرود: “أداءكما كشرطي صالح وشرطي سيئ لم يكن عظيمًا على المستوى الفردي، لكنه كان مثاليًا كفريق. حقًا، أنتما ثنائي من التفاحات الفاسدة… وكأنكما خُلقتم لبعضكما البعض.”

“شيهانة!” انفجر مجد غاضبًا، “ما زلتِ تجرؤين على السخرية؟!”

لم تكن شيهانة تطيق مشاهدة المزيد من هذا التمثيل المبتذل، لكنها حصلت على ما تحتاجه.

قالت بلهجة ساخرة: “أثنيتُ عليكما على تمثيلكما، وهل تعتبران ذلك سخرية؟ الحقيقة مؤلمة حقًا.”

“أختي، كيف يمكنك أن تتهميني بشيء لم أفعله؟” قالت شهد بعجز مصطنع، محاوِلة استدرار التعاطف.

استطاعت شيهانة أن تشعر بغضب الحشد يتجه نحوها كالموجة، في الوقت الذي واصلت فيه شهد لعب دور الضحية ببراعة.

“اتهمتك؟” التفتت شيهانة إلى شهد بنظرة باردة كالفولاذ. “شهد، أنتِ تعلمين تمامًا ما حدث حقًا. أنصحكِ بكشف الحقيقة قبل أن تتفاقم الأمور.”

“أختي، أنتِ…” غلبت الدموع صوت شهد، ثم التفتت إلى زوجها وهمست بضعف: “عزيزي، أنتَ محق… ما كان ينبغي لي أن أتغاضى عن أفعالها في الماضي. كل هذا بسببي.”

وضع مجد يده على كتفها بمواساة مصطنعة، وقال بحزم: “لا تقلقي، لم يفت الأوان بعد، وهذا ليس ذنبكِ بالتأكيد.” ثم استدار إلى رجال الشرطة قائلاً بلهجة تحمل تهديدًا مبطنًا: “هل ستقفون هناك طويلًا؟ خذوها إلى المركز، سنتأكد من الحقيقة هناك!”

تقدم أحد الضباط نحو شيهانة وقال بلهجة قاسية: “آنسة شيهانة، من فضلكِ اتبعينا على الفور!”

وقفت شيهانة ساكنة للحظة، ثم قالت ببرود: “سأتبعكم… لكن لدي سؤالان أولاً.”

رمقها الضابط بنفاد صبر: “ماذا تريدين الآن؟”

بدا أن الجميع في الغرفة ينتظر ما ستقوله، حتى مراد، الذي وقف بجانبها صامتًا، شعر أن شيهانة قادرة على حل هذا المأزق بطريقتها. ومع ذلك، لم يستطع التوقف عن التساؤل: كيف ستثبت براءتها؟

قالت شيهانة بنبرة هادئة كأنها تسأل عن أمر عابر: “ما مدى خطورة التهمة الجنائية إذا أدينت امرأة بإيذاء شهد عمدًا؟”

أجاب الضابط الرئيسي بصوت متعالٍ غاضب: “جريمة إيذاء عمدي وخبيث تُعاقب بالحبس من أسبوع إلى ثلاث سنوات، وفقًا لحكم المحكمة.”

بمعنى آخر، لا مفر…

شيهانة كانت تعرف جيدًا أن الأمر لن يقتصر على مجرد أسبوع في السجن، فمجد وشهد سيبذلان قصارى جهدهما لانتزاع أقصى حكم ممكن — ثلاث سنوات على الأقل.

الفصل 77

علاوة على ذلك، لا أحد يستطيع الجزم بما قد يحدث خلال تلك السنوات الثلاث في السجن.

كان من السهل جدًا التخلص من شخصٍ ما داخل الجدران الرمادية الباردة، ولن يكترث أحدٌ لموت سجين في ظروف غامضة.

الزوجان لن يسمحا لها بالخروج على قيد الحياة، لأن بقاءها يعني أن ميراث عائلة شيا سيظل بعيدًا عن أيديهم.

ابتسمت شيهانة في داخلها ابتسامة باردة.

الآن وقد كشفوا عن حقيقتهم، لن تشعر بالندم على ما ستفعله بهم مستقبلًا. العين بالعين، أليس كذلك؟

تقدمت خطوة إلى الأمام وقالت ببرود:

“سؤالي الثاني… إذا كانت شهد هي من أوقعتني في هذا الفخ، فما مدى خطورة التهمة الجنائية الموجهة إليها؟”

تجمد الضابط للحظة، وكأن السؤال باغته. تلعثم في البداية ثم قال بنبرة متوترة:

“لكن… أنتِ من اعتدى عليها. كيف يمكن للسيدة شهد أن تخدعك؟”

كررت شيهانة السؤال بلهجة منخفضة ولكن حادة: “ما مدى خطورة ذلك؟”

أجاب الضابط مترددًا: “إنها تهمة خطيرة مثل جريمتكِ تمامًا… إيذاء متعمد وخبيث.”

“إذن…” قالت شيهانة بصوت مرتفع هذه المرة، متعمدة أن يسمعها الجميع، “بغض النظر عن من هو المخطئ، أحدنا سيقضي أسبوعًا على الأقل في السجن، صحيح؟”

تصاعد همس الحضور في القاعة. الجميع أدرك أن شيهانة لم تكن تتحدث عبثًا.

شعرت شهد برعشة تسري في جسدها، وارتعشت جفونها بقلق. شعور سيء بدأ يتصاعد في داخلها كغيمة سوداء.

حتى رجال الشرطة بدوا مترددين. كان واضحًا أن شيهانة تخفي ورقة رابحة.

استغلت شيهانة ذلك التردد وقالت بلهجة لاذعة: “ما الأمر؟ لماذا توقفتِ عن الحديث؟ هل عائلة نجم تملك الشرطة في جيبها أيضًا؟”

حركت كلماتها المياه الراكدة. الشرطة الآن تحت الضغط — لو أظهروا أي انحياز واضح، سيؤكدون ببساطة ما قالته شيهانة.

كان الضابط الرئيسي يدرك ذلك جيدًا، لكن عينه تحركت رغمًا عنه نحو مجد، وكأنه يطلب إشارة منه.

ابتسم مجد ابتسامة واثقة وقال بلهجة هادئة ولكن مليئة بالغرور:

“إذا تمكنتِ من إثبات أننا نحاول توريطكِ، فأنا واثق أن الشرطة ستقوم بواجبها وفقًا للقانون.”

كان واثقًا تمامًا من انتصاره. خطتهم كانت مُحكمة، حتى أنهم تلاعبوا بلقطات كاميرات المراقبة لتثبت أن شيهانة هي المخطئة. لم يكن هناك أدنى فرصة لخروجها من هذا المأزق.

لكن شيهانة لم تبدُ قلقة على الإطلاق. على العكس، رفعت صوتها وقالت للحضور:

“هل سمعتم ذلك؟ أريد من الجميع هنا أن يكونوا شهودًا. أخشى أن يحاول السيد والسيدة مجد لاحقًا التملص من كلماتهما.”

جاء صوت مراد من الخلف، هادئًا لكنه واضح كالصوت في الفراغ:

“سأكون شاهدكِ.”

توقف الجميع. صمتٌ ثقيل خيّم على المكان.

وجود مراد كشاهد كان كافيًا لإخماد أي محاولة تلاعب — فمكانته في مدينة تي كانت تعني أن كلمته تحمل وزنًا لا يمكن إنكاره.

نظرت شيهانة إليه بابتسامة امتنان هادئة. “شكرًا لك.”

أجاب مراد بلهجة رسمية ولكن مشوبة بالدفء: “أنا في النهاية مُضيف هذا الحفل. من واجبي أن أكون محايدًا وأن أضمن سماع جميع الأطراف.”

لكن بالنسبة لتالين، كان الأمر مختلفًا تمامًا. وقفت في مكانها تكاد تنفجر غضبًا، متأكدة أن مراد يتعمد حماية شيهانة.

قبضت على كفيها بقوة، وأفكار سوداء تتراقص في رأسها. تلك الحقيرة تستحق السجن ثلاث سنوات، ثم يتم الاعتداء عليها وثم تُطعن حتى الموت هناك!

لكن أمنيتها الشريرة لم تتحقق… بعد.

عادت الأنظار إلى شيهانة التي نظرت إلى شهد ومجد بتعب واضح:

“هل انتهيتما من مسرحيتكما؟” قالت بلهجة جافة. “لأنني إذا انتهيتما، فسأُريكم دليلي.”

تبدلت تعابير وجه شهد للحظة، وعيناها امتلأتا بالقلق. شعورٌ بارد تسلل إلى قلبها… هل يُعقل أن تكون شيهانة تملك دليلًا؟ مستحيل!

لقد تأكدت من أنهم كانوا بعيدين عن الأنظار حين خططوا لكل شيء. ولم تكن كاميرات الأمن مفيدة لها أيضًا.

فمن أين يأتي هذا القلق المتزايد؟

أما مجد، فقد اكتفى بابتسامة ساخرة.

“دليل؟” قال بازدراء، “سأمنحكِ عشر ثوانٍ لتقديم هذا الدليل المزعوم، وبعدها… سأرافقكِ شخصيًا إلى مركز الشرطة!”

الفصل 78

ساد صمت ثقيل في الغرفة، كأن الهواء نفسه تجمد بفعل الحقد الصريح الذي انساب من صوت مجد.

لقد فهم الجميع غضبه.

في نظرهم، كانت شيهانة تحاول التملص من مسؤوليتها بخدعة مكشوفة — التهديد الكاذب بامتلاك دليل. حيلة رخيصة في نظرهم، لذا كان من الطبيعي أن يقفوا في صف مجد.

لو أنها فقط اعترفت بخطئها واعتذرت بصدق منذ البداية، لما كان مجد يطاردها بهذه الضراوة… أو هكذا ظن الحشد.

لكنهم لم يعلموا أن نوايا مجد كانت أعمق وأشد ظلمة. بغض النظر عن موقف شيهانة، لم يكن ينوي تركها تغادر بسهولة.

كصيّاد يتعقب فريسته، ثبت مجد نظره عليها. عينيه تلمعان بنية واضحة: شيهانة يجب أن تُدمَّر.

أو على الأقل تُسحق حتى لا تملك فرصة للعودة أبدًا!

وصل مجد إلى مكانته المهنية بفضل انعدام ضميره. دمر حيوات عديدة من أجل صفقاته التجارية ولم يفقد ليلًا ساعة نوم واحدة.

والآن، مهما كان ثمن ذلك اليوم، فإن شيهانة ستدفعه… حتى لو كان مراد يقف خلفها.

لكن شيهانة لم تكن غافلة عن نواياه الخفية، بل كانت تدركها جيدًا. حتى مراد خمن ذلك بشكل صحيح.

ضيّق مراد عينيه بتركيز، مراقبًا باهتمام ليرى كيف ستقلب شيهانة الطاولة هذه المرة. من الأفضل لها ألا تخيب أمله…

“حسنًا، إليكِ الدليل!” أعلنت شيهانة بثقة، وصوتها الجريء قطع السكون كالسيف.

تحت أنظار الجميع، أخرجت مسجّلًا صوتيًا صغيرًا من حقيبتها بحركة درامية لافتة.

تجمد وجه شهد، وشحب لونها على الفور.

مسجل صوتي؟

تحضر الحقيرة مسجّل قلم إلى حفلة عيد ميلاد طفل‽

حتى مجد بدا متفاجئًا للحظة.

استمتعت شيهانة بردود أفعالهم بابتسامة خفيفة، ثم ضغطت على زر التشغيل —

فانطلق صوت شهد المرير يصدح في أرجاء القاعة:

“شيهانة، لقد مرّ وقت طويل. من كان ليصدق أنكِ ستبذلين جهدًا لا طائل منه للعودة؟ ليس أنا بالطبع. بصراحة، أنا سعيدة جدًا من أجلكِ. أنا معجبة بكِ حقًا. ليس أي امرأة…”

رمش الحاضرون بدهشة، وألقى بعضهم نظرات جانبية متفاجئة.

أما شهد، فحدّقت في المُسجّل بعيون منتفخة، وكأنها تفكر في الانقضاض عليه وانتزاعه.

لكنها كانت متجمدة في مكانها… مصدومة ومذعورة.

لاحظ مجد ذلك أيضًا، وسرعان ما تحرك، مدركًا أن الأمور تتجه نحو كارثة. لكنه توقف فجأة، إذ شعر بوجود طاغٍ خلفه.

استدار ببطء ليجد مراد يحدق فيه بنظرة باردة كالجليد، عينيه العميقتين تنذرانه بعدم التهور.

تصلب مجد في مكانه.

قبل لحظات، كان عدوانه مبررًا لأنه كان يُنظر إليه كضحية. لكن الآن… مع ظهور الدليل، أصبح يعلم أن أي حركة خاطئة ستدفع مراد للتدخل.

وفوق ذلك، كان هناك العديد من الضيوف المهمين الحاضرين… لقد أدرك مجد غريزيًا أن ميزان القوى قد انقلب.

أما شهد، في شللها، لم تلاحظ النظرة الجانبية التي ألقاها مجد نحوها.

وفي تلك اللحظة، قبل أن ينتهي التسجيل، قرر مجد قراره النهائي:

سيطلق سراحها… سيقدّمها ككبش فداء.

“لا تقلق، لديّ خطة جاهزة لتدميرك. هل يمكنكِ معرفة ما هي؟”

انخفض صوت شهد في التسجيل إلى همسٍ حاد، جعل قلوب الحاضرين تضيق في صدورهم.

ثم جاء صوت شيهانة الهادئ والواثق:

“لا أعرف… لكنني سأخبرك.”

عندها تغيّر صوت شهد بشكل دراماتيكي، كما لو كانت تؤدي حركات بهلوانية صوتية:

“أختي، أرجوكِ لا تغضبي مني. كل هذا خطأي، أرجوكِ سامحيني…”

وتبع ذلك صراخها المذعور الذي هزّ الغرفة.

استعاد الحاضرون تلك اللحظة في أذهانهم — اللحظة التي رأوا فيها سقوط شهد المدوي.

وهكذا… اكتشف الجميع أن شهد هي من كانت تكره شيهانة وتحسدها.

شهد هي من حيكت الأكاذيب لتوريط شيهانة… وليس العكس.

الفصل 79

إذن… كانت تلك الحقيقة، الحقيقة التي بدت كصفعة مدوية على وجوه الجميع.

في لمح البصر، تحولت قاعة الرقص الأنيقة إلى ساحة فوضى تعج بالهمسات والأنفاس المتوترة. الأحاديث الجانبية تصاعدت، همسات تحمل مزيجًا من الدهشة والغضب والخذلان. كأن الجميع يحاول استيعاب ما سمعوه للتو.

كانت العيون كلها مثبتة على شهد، نظرات حادة كالسكاكين تخترقها من كل زاوية. توجس، ريبة، اشمئزاز… لم تُمنح أي فرصة لتفسير أو دفاع.

من كان يظن أن ذلك الوجه البريء، ذلك المظهر الهادئ الذي دائمًا ما بدا كرمزٍ للوداعة واللطافة، يخفي خلفه قلبًا بهذا السواد؟

نظرات الاشمئزاز والغضب زحفت على وجه شهد من كل اتجاه، كأن كل شخص في الغرفة كان يُصدر حكمًا صامتًا عليها.

جف حلقها وهي تشعر بجسدها يزداد برودة، كأن الدم قد توقف عن الجريان في عروقها. شفتاها ارتعشتا بينما حاولت استجماع الكلمات، إلا أن صوتها خرج مرتجفًا بالكاد يُسمع:

“هذا… هذا مستحيل…” ابتلعت ريقها بصعوبة قبل أن تكمل: “التسجيل… التسجيل مزيف! من الواضح أن الصوت ليس صوتي… إنه… إنه مزور!”

رفعت شيهانة حاجبًا ببطء، وعيناها تلمعان بحدة كالمسامير.
“هل تريدين أن نتحقق من وقت التسجيل للتأكد من صحته إذن؟”

كبالون فقد هواءه، انهارت شهد على الأرض، وكأن ساقيها لم تعودا قادرتين على حملها.

بصوت حازم، قال مراد للضباط الواقفين عند المدخل:
“الآن بعد أن انكشفت الحقيقة… أظن أنكم تعرفون من عليكم اعتقاله، أليس كذلك؟”

“انتظر!” قاطع مجد بصوت مرتفع، ثم أضاف بنبرة حادة:
“حتى لو كان التسجيل صحيحًا، هذا لا يُلغي أن شيهانة حاولت إيذاء زوجتي وطفلي. لا بد أن هذا جزء من مخططها أيضًا!”

ضحكت شيهانة بسخرية باردة.
“أتعلم؟ من المؤسف أنك لست محاميًا، لأنك تتحدث بثقة كبيرة حتى عندما تعلم أن ما تقوله مجرد أكاذيب.”

تجاهلها مجد، وعاد يُحدّق في مراد بثبات.
“لا أعتقد أن زوجتي ستتظاهر بحملها لمجرد الإيقاع بشخص مثلك.”

ابتسمت شيهانة ببطء، ونظراتها تخترق شهد كخنجر.
“هذا يثبت أنك لا تعرف زوجتك جيدًا… أو أنك متورط معها. على كل حال، لما لا نُحضر طبيبًا؟ سنعرف الحقيقة فورًا.”

تصلبت ملامح شهد، لكن في عينيها وميض من الذنب فضحها أكثر من ألف كلمة.

“حسنًا…” صاحت شيهانة متحدية، “ما الذي تنتظرانه؟ هذه فرصتكما الذهبية لتبرئة نفسك، فلماذا التردد؟”

شهقت شهد بصوت مكتوم، وحدّقت في شيهانة بعيون تضج بالغضب… كأنها كانت مستعدة للانقضاض عليها.

لكن المعركة انتهت قبل أن تبدأ.

كانا يظنان أنهما سيتمكنان من إسقاط شيهانة بسهولة.

لم يتوقعا أنها ستكون متقدمة عليهما بخطوة كاملة.

لقد هزمتهم شيهانة هذه المرة… خطتهم انهارت كبرج من ورق.

أدرك مجد أن السماح لطبيب بفحص زوجته سيُكشف كذبتهما فورًا. لم تكن شهد حاملاً أصلاً.

كانت خطتهم تقضي بأن يُعلنوا “إجهاضها” بعد اتهام شيهانة بمحاولة إيذاء الجنين. هكذا، ستحاصرها التهم ولن يُشكّك أحد بكذبهم.

لكنهم لم يدركوا أن شيهانة كانت مستعدة. جهاز التسجيل لم يكن مصادفة… بل كان مدبّرًا بعناية.

لقد كانت تعلم أن مجد وشهد سيحاولان الإيقاع بها في تلك الحفلة، لذا خططت جيدًا لمواجهتهما.

لو لم يبادر الاثنان بالهجوم، لانتهى الحفل بسلام… لكنهما حفرا قبريهما بأيديهما.

“أنا طبيب، يمكنني فحصها.”

تردد الصوت العميق في القاعة كالرعد.

التفتت الأنظار نحو الرجل الذي تقدم إلى الأمام.

رجل طويل، وسيم، يرتدي بدلة رسمية أنيقة… رِكان.

تغيرت ملامح مجد وشهد فور رؤيته.

رِكان… الخبير الجراحي الشهير الذي ذاع صيته داخل البلاد وخارجها. طبيب عبقري، بارع في مجاله، وينتمي لعائلة مرموقة.

رِكان لم يكن شخصًا يمكن لمجد التلاعب به أو الضغط عليه…

أومأ مراد برأسه، مؤيدًا:
“الجميع يثق بخبرة الدكتور رِكان. أعتقد أن أحدًا لن يعترض على إجرائه الفحص.”

الفصل 80

“بالطبع… بالطبع…”

خرجت الكلمات من فم شهد وكأنها تُجاهد للظهور، صوتها كان ضعيفًا مترددًا، لا يحمل سوى بقايا ثقة كانت تتلاشى سريعًا.

وكما كان متوقعًا، لم يجرؤ أحد على الاعتراض. التوتر كان كالعاصفة الثقيلة التي تسبق البرق، يلفّ القاعة بأكملها.

وقف مجد وشهد في صمت مربك، وكأن الهواء نفسه أصبح أثقل من أن يُستنشق. كان كلاهما يدرك جيدًا أن أي اعتراض في هذه اللحظة لن يؤدي إلا إلى تعميق الشكوك أكثر.

شهد عضّت على شفتيها بقوة، حتى كادت تشعر بطعم الحديد. أفكار متشابكة تدافعت في رأسها.

“لو كان هذا مشهدًا من مسلسل درامي رخيص…”

تلك الفكرة السخيفة قفزت إلى ذهنها فجأة. أجل، لو كان هذا مسلسلًا، لكانت هذه اللحظة المثالية كي تتظاهر بالإغماء، فتثير الفوضى وتقطع عليهم هذه المواجهة الكارثية.

وفكرت بالفعل في تنفيذ ذلك.

لكن عينيها وقعتا على رِكان… الطبيب اللامع الذي لا يفوته شيء.

أدركت على الفور أن خدعة كهذه لن تنطلي عليه. كان وجوده يعني أن أي محاولة منها للتحايل ستُكشف خلال ثوانٍ.

شيهانة… تلك الحقيرة…لقد تغلبت عليَّ

كانت أصابع شهد ترتجف من الغضب وهي تحدّق في غريمتها.

حدّقت في شيهانة بعيون مشتعلة… لو لم تكن هي… لو لم تتدخل… لما وصلت الأمور إلى هذا الوضع البائس، لما كانت الفضيحة تطاردها الآن كظلٍّ مظلمٍ يرفض أن يفارقها.

وبينما كانت شهد غارقة في أفكارها المسمومة، جاء صوت مجد ليقطع السكون الحاد.

بصوت هادئ يحمل مزيجًا من الحذر والدهاء، قال:
“لا داعي لإزعاج الدكتور ركان… أريد فقط أن أسأل زوجتي شيئًا واحدًا.”

التفت إلى شهد بنظرة مشوبة بالتفهم والحنان المصطنع:
“شهد… كوني صادقة معي. هل كانت هذه… مكيدة منكِ للإيقاع بشيهانة؟”

حبست شهد أنفاسها. عرفت أن زوجها كان يُعدّها لتحمل المسؤولية. كان هذا خروجه الآمن الوحيد… والطريقة الوحيدة لحمايته من السقوط معها.

لم يكن أمامها خيار.

استسلمت شهد أمام الموقف، وانهمرت دموعها وهي تندب حظها:
“أنا آسفة… عزيزي، لم أتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد… أشعر بالغيرة لأن أبي لم يكن ينظر إلا إلى أختي، فأردت فقط… أردت فقط أن ألقنها درسًا صغيرًا… لم أكن أنوي إيذاءها فعليًا… فقط أردت أن يلاحظني أحد!”

“ماذا؟!” اتسعت عينا مجد بدهشة مفتعلة كما لو كان يسمع الحقيقة لأول مرة.

تمالكت شيهانة نفسها بصعوبة… ذلك الأداء الرديء كاد يدفعها للتصفيق بتهكم.

لم تكتفِ شهد بذلك، بل تابعت بنبرة مكسورة، محاولة كسب بعض التعاطف:
“أختي… أرجوكِ… أنا آسفة… هل يمكنكِ مسامحتي؟ أرجوكِ، من أجل أبي…”

قست ملامح شيهانة، وصوتها خرج باردًا كالجليد:
“أختي؟ أولًا، أنتِ لستِ ابنة أبي. ومع ذلك… فقد أحبكِ دائمًا كما لو كنتِ ابنته. لذا لا تتجرئي على ذكر اسمه!”

جمدت كلماتها الدم في عروق الجميع.

ثم أضافت بصوت أكثر حدة:
“بل وحتى هذه اللحظة… ما زلتُ أشك في وفاته المفاجئة، وكيف انتقل ميراثه تلقائيًا إليكِ وإلى والدتكِ.”

كانت كلماتها كصفعة مدوية أصابت القاعة بالذهول.

همسات مرتابة بدأت تنتشر بين الحضور.

هل يمكن أن تكون شهد قد تورطت في موت والدها؟

سواء كانت التهمة صحيحة أم لا، فإن مجرد الاتهام كان كافيًا لتدمير سمعتها إلى الأبد.

تسمرت شهد في مكانها، شاحبة كأن الدم قد غادر وجهها تمامًا.

“أنتِ… أنتِ تتهمينني بقتل أبي؟!” صرخت بصوت مبحوح.

“هل قلتُ ذلك؟” سألت شيهانة بابتسامة باردة. ثم استدارت إلى رجال الشرطة وقالت:
“يا سادة… أظن أنكم تعرفون واجبكم الآن.”

ارتبك رجال الشرطة للحظة، لكن في النهاية لم يكن لديهم خيار سوى تنفيذ الأمر.

“سيدة شهد… هل يمكنكِ من فضلكِ مرافقتنا؟”

ارتعشت شهد، وهمّت بالاعتراض، لكن مجد أمسك بيدها ليوقفها.

“عزيزتي…” قال بصوت منخفض بدا وكأنه موجه لها وحدها، “لا يهمني إن كنتِ على حق أم على باطل… سأوكل أفضل محامٍ ليمثلكِ. لا تقلقي… مهما قال الناس عنكِ، ستبقين دائمًا الأفضل في قلبي.”

كانت كلماته موجهة للناس أكثر منها لشهد.

جميع فصول الرواية من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top