سجناء الجزيرة للكاتبة أسماء حميدة الفصل 15 حصري على موقع دريمسيز

Prewedding

هذه الرواية حصري على موقع دريمسيز، ممنوع النسخ منعاً باتاً نظراً لحقوق الملكية الفكرية ومن يخالف ذلك سيخضع للمسائلة.

*في سجن الجزيرة
توقفت الكلمات بحلقها، وبدأت الحمرة تزحف إلى وجنتيها عندما استمع إلى حديثها ظناً منها أنه ربما قد أصابه مكروه:

-“ريكا” قم وحدثني كما أحادثك، لا تتركني بعد أن…..

وكان جوابه على حديثها:

-بعد ماذا؟! قوليها، قوليها سمرائي، أتوق لسماعها من بين شفتيكي، سأعيد ترتيب الكون لأجلك فتاتي، فقط قوليها يا قلب الزعيم.

استقامت بعد أن كانت تميل إلى صدره تستكشف نبض قلبه، وهي تستل خصلاتها من بين أصابعه، تمسح دموعها بظهر كفها كالأطفال، وهي تواليه ظهرها، وهو لم يعارض بل ترك لها المساحة؛ لتفلت من قبضته فما سمعه منها روى روحه المتعطشة لعشقها.

أما هي فحاولت أن تلملم شتاتها، وتستعيد رباطة جأشها، تجاهد لكي تجد لنفسها مخرجاً من هذا الموقف المخجل.

انبلجت أساريرها وهي تقول لنفسها:

-أسلم حل هو الإنكار والتجاهل.

تحركت بخطوات كافحت؛ لتبدو رزينة، وهي تلتقط سماعة الأذن الطبية الموجودة على سطح مكتبها، وكانت المعضلة عندما التفتت لتواجهه وتعود مرة أخرى تلك الخطوات التي ابتعدتها لتجلب السماعة:

-حسناً “غادة” تبقت خطوتان، اصمدي يا فتاة.

يراقب تلبكها، واهتزاز حدقتيها، وتمتمة شفتيها باستمتاع.

اقتربت مرةً أخرى وهي تضع سماعة الأذن، فوضع يده على الجرح، متأوها بألم مصطنع؛ أدى ذلك إلى سقوط السماعة أرضاً من يدها، وسقوط شيء آخر، وهو وقارها التي تحاول أن ترسمه أمامه، وهي ترفع يدها لا إرادياً؛ لتحط بها على جبهته تملس على منبت خصلات شعره متسائلةً بهلع:

-ماذا حدث لك؟! ما بك؟! أجبني.

“ريكا” بخبث، وهو يلتقط كفها من فوق جبينه، يضعه على صدره العاري، وهو مازال ممسكاً به، قائلاً:

-هنا، يوجد ألم هنا، لا أستطع أخذ أنفاسي، هل لي بتنفس صناعي دكتور “غادة”؟

جذبت راحتها من قبضته، وهي تناظره بغيظ، قائلة:

-كفاك دلال.

“ريكا” ببراءة مصطنعة:

-أنا لا أتدلل سمرائي، أيرضيكي أن يموت “ريكا”، الزعيم بعد أن….

وبتر عبارته كما فعلت وهو يعض على شفتيه بحرج مصطنع، كفتاةٍ عذراء أمطرها مغازلها بكلامه المعسول في تقمصٍ ولا أروع، كتلميح منه على سماعه لكل كلمة تفوهت بها.

لقمته بعد ذكره الموت، قائلة بلغتها العربية في لهفة:

-بعيد الشر عنك.

ناظرها بدهشة، متسائلاً، وهو يحاول إعادة ما قالت، ولكنه فشل:

-ماذا يعني قولك هذا؟ وبأي لغة قلتها؟ أظنها العربية بما أنك ذكرتي سابقاً أن اسمك عربي.

“غادة” بتحدٍ:

-أقصد أن الأمر برمته لا يعنيني.

“ريكا” بحاجبٍ مرفوع:

-حقا لا يعنيكِ؟!

أومأت برأسها وهي تميل بجذعها؛ لتلتقط السماعة التي سقطت أرضاٌ، فاعتدل يتسطح على جانبه، رفعت رأسها بعد أن التقطتها، فوجدته على مقربة منها وجهه مقابل وجهها، ينظر إليها بابتسامة بريئة عذبة، تناقض وقاحة تلك العينين المثبتة على فتحة ثوبها.

استقامت بحدة، وقد اشتعلت وجنتيها بحمرة الخجل مرةً أخرى.

ولكنها عندما وجهت بصرها إليه لمحت بعينيه نظرة حزن، وقد انطفأ بهما لمحة الشغف والمشاكسة، وعزز تلك النظرة ملامحه المقتضبة.

بينما زفر هو أنفاس مختنقة بعدما لمح هذا السلسال الذهبي المزين لعنقها، وبنهايته قد تدلى حرف ذهبي مرصع بفصوص حمراء، يحاوط حرف”M” هذا قلب أجوف، فانقبض صدره خشية من أن تكن مغرمةً بأحدهم، ويكن هذا الحرف يرمز له، وهاجسه الأكبر أن يكن غريمه هذا ليس مجرد حبيب، ماذا لو كان زوجها؟!

حدث “ريكا” نفسه بعزم غير قابل للتفاوض أو التراجع، ونطق بصوتٍ مسموع:

-اهدأ “ريكا”، لا بأس يا رجل! ماذا بها؟! سأقتله.

لم تفسر هي حرف مما قال سوى شيء واحد “سأقتله”، انقبض قلبها؛ خوفاً من أن يُوقِع حاله بمشكلةٍ أخرى، ظناً منها أنه يرمي إلى “أريان”.

فأسرعت ترفع سبابتها بتحذير:

-أياك وأن تفكر في ذلك، أنا أحذرك.

ثقلٌ مُجْهِد وُضِع على صدره بعد قولها هذا، وقد خال إليه أنه لفظ كل ما جال بخاطره، أو فهمت أنه يرنو إلى صاحب الحرف المُطَوَّق بذلك القلب.

وكأنه بركان ثائر تفور من داخله الحمم، هب من مرقده، ينزل ساقيه أرضاً، ولازال جالساً على طرف السرير، وهي تقف أمامه وبعينيها نظرة لا يعرف تفسير لها، أهي نظرة تحدي أم شيء آخر!!

قبض بقوة على ذراعها، وهو يجذبها إليه، وكأنها زوجته وقد ضبطها بالجُرم المشهود “الخيانة”.

“ريكا” وهو يجز على أنيابه، قائلاً بفحيح، يُشدد من قبضته على ذراعها:
-انطقي، أتحبينه؟! أجيبيني.

اتسعت حدقتيها، متسائلة، وهي تحاول تخليص ذراعها المتألم؛ بسبب عنفه وقسوته الغير مبررة بالنسبة لها، ولا تعرف ما الذي أوحى له بذلك:

-أجننت؟! “أريان” هو قائدي في العمل ليس إلا.

أجابتها تلك لم ترضيه، بل زادت من ثورته، وهو يظن أنها تتهرب من سؤاله، وكل منهما في وادٍ، هي تخشى من تهوره؛ حتى لا يودر حاله، وهو تملكته غيرة عمياء، ويريد جواباً يريحه.

“ريكا” بيأسٍ وحِدة يشوبها الرجاء، وعنف نابع من عشقه لها:

-” غادة”، لا تراوغيني رجاءً، أنا لا أتحدث عن “أريان”، أنا أتحدث عن صاحب الحرف الموشوم بالقلب هذا.

وأشار إلى السلسال، فنظرت حيث يشير، ومن ثم رفعت وجهها الذي امتقع حزناً لتقابل عينيه المتوجسة، قائلة:

-نعم أحبه، وسأظل ما تبقى لي من عمر أحبه.

ترك ذراعها بروحٍ مهزومة، إصرارها آلمه، ومعالم الحزن التي اعتلت وجهها؛ فسرها اشتياقاً لغريمه.

ولكن لم تثبط عزيمته، فعاجلاً غير آجل ستكون له، حتى لو اضطر لقتله، لا لن يكفيه هذا، سيبيد عائلته بأكملها، وليس عائلته فقط، سيمحو كل من له صلة به من قريب أو بعيد.

بعد تحرير ذراعها أطرق برأسه يخفي نظرة الشر التي تحتدم بمقلتيه، ولكن بعد استكمالها استئصلت هذا الشر من جذوره؛ حينما قالت:

-إنه أول حرف من اسم أبي محمود رحمه الله.

انتعشت روحه المدحورة، وهو يناظرها بحنق؛ بسبب الحالة التي أوصلته إليها في الثواني المنصرمة، قائلاً وهو يركل المنضدة الموجودة بجانب السرير:

-تباً لكِ “غادة”، وبغضاً للسانكِ الذي أود أن أقتلعه بأسناني.

نهرته، وقد أطرقت رأسها خجلاً من تلميحاته الجريئة:

-كف عن وقاحتك.

“ريكا” وقد زاده خجلها تعلقاً بها، فهي على نقيض كل ممن تعامل معهن، قائلاً:

-أي وقاحة تلك!! أنا أتوق شوقاً؛ لأريكِ وقاحتي سمرائي.

يا لك من وقح!! جاهدت؛ لتخفي تلك الابتسامة، فبرغم جرأته فهو حقاً وسيم، حتى في شدته وقسوته لذيذ.

“غادة” بجدية مصطنعة:

-دعك من اللعي، وارح جسدك.

“ريكا” وهو يقبض على معصمها، يميل برأسه إلى اليمين، قائلاً بهدوء لا يخلُ من التحذير:

-سمرائي احفظي لسانك الذي سأكون أكثر من مرحب؛ لأنفذ تهديدي بشأنه.

وأشار بيده إلى صدره، مستكملاً بكبرياءٍ وثقة:

-الزعيم “ريكا” لا يلعِ، الكلام الذي ينطقه لساني، أنفذه ولو وضع نصل السيف على نحري.

“غادة” وهي ترمش بأهدابها في براءة، قائلة:

-أعتذر، اتركني إذا سمحت.

“ريكا” بوله:

-لا أريد، وإن أردت لن أستطع.

“غادة”:

-“ريكا”، اترك يدي.

جذبها إليه بغتة فتعرقلت، وهي تسقط جالسة على ساقه، تاركًا معصمها محيطاً خصرها بذراعيه، وقد رسم لتلك العرقلة المحسوبة بدقة صانعِ ألعابٍ ماهر، قائلاً بعبث:

-ها قد تركت يدك، تمني و”ريكا” ينفذ.

تململت بين يديه، وهي تقول بحرج:

-دعني، لا يصح ما تفعله هذا.

أغمض عينيه، يشتم خصلات شعرها، يحتفظ برائحة البنفسج التي تفوح منها بداخله، وهو يقول بدون ترابط بين ما طلبت وبين ما يريد، ولازال مغمض العينين:

-جائع.

“غادة” بتشوش:

-ماذا؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top